رمضان هذا العام جاء استثنائيا

ظاهرة اجتماعيـة بأبعـاد اقتصاديــة

بومرداس: ز. كمال

شكلت أزمة تبذير المواد الغذائية ومادة الخبز التي ميزت بعض المناسبات الاجتماعية والدينية بالجزائر ومنها شهر رمضان الفضيل، أحد أهم الظواهر السلبية التي أسالت الكثير من الحبر من قبل المختصين، مصالح التجارة وجمعيات حماية المستهلك التي دقت ناقوس الخطر وحاولت تقديم تحليلات ودراسات معمقة لفهم الخلفيات وخلصت إلى عدة فرضيات مرتبطة بغياب الثقافة الاستهلاكية، وسياسة الدعم التي جعلت المواطن غير منتبه لسلوكه السلبي وتداعياته الخطيرة على القطاع الاقتصادي والأمن الغذائي.

تباينت ردود الفعل وتعليقات المختصين التي استقتها “الشعب” بولاية بومرداس حول تقييمهم لظاهرة تبذير المواد الغذائية ومادة الخبز بالدرجة الأولى كأول وأكثر مادة استهلاكية لدى الجزائريين، لكن كان الإجماع واضحا أن شهر رمضان لهذه السنة يعتبر الأكثر عقلانية من حيث طريقة ونسبة الاستهلاك والتعامل مع ظاهرة غلاء الأسعار، مقابل تدنّ رهيب للقدرة الشرائية التي شكلت المكبح الرئيسي للظاهرة، حيث فقد المستهلك، إلى حد كبير، هامش الاختيار وتنويع المواد الغذائية والخبز بكل الأشكال والأنواع على مائدة الإفطار، والاكتفاء بنوع واحد وكمية مضبوطة لا تسع مجالا لرميها وسط النفايات.
في هذا الإطار بالذات، أكد المكلف بالإعلام على مستوى مؤسسة مادينات بولاية بومرداس سيد علي عمران، متحدثا لـ “الشعب”، أن شهر رمضان لهذه السنة كان استثنائيا من حيث التبذير مقارنة مع السنوات السابقة، حيث لم يصل مؤسسة الردم التقني لقورصو منذ بداية شهر رمضان سوى حوالي 300 كيلوغرام من مادة الخبز، مقابل أزيد من 1300 كيلوغرام السنة الماضية”.
وأضاف المكلف بالإعلام بالقول، “إن أعوان النظافة التابعين لمؤسسة مادينات سجلوا تراجعا كبيرا في كمية المواد الغذائية والخبز بنقاط الجمع وعلى مستوى حاويات النفايات، إلا من مجرد أكياس فيها كميات قليلة يأخذها في العادة مواطنون لاستعمالات خاصة في الغالب كأعلاف للحيوانات، في حين كانت هذه الفضاءات تعج سابقا بمختلف المواد الغذائية ومنها مادة الخبز التي كنت تجمع بأطنان خلال الشهر الفضيل”.
من جانبه مدير التجارة لولاية بومرداس محمد حملاوي، أكد في قراءته للموضوع “ان شهر رمضان لهذه السنة عرف تراجعا محسوسا في ظاهرة تبذير المواد الغذائية ومادة الخبز رغم غياب الأرقام والإحصائيات الدقيقة، لكن كل المؤشرات وتحليلات الهيئات المختصة في الميدان ومنها مؤسسة النظافة مدينات، الأقرب إلى الموضوع، أكدت نفس المعطيات على الأقل محليا بولاية بومرداس التي سجلت في السنوات الماضية أطنانا من مختلف المواد الاستهلاكية على مستوى المفرغات”.
وفي رده عن الأسباب المحتملة المساهمة في نسبة تراجع التبذير بولاية بومرداس أيضا، ربط مدير التجارة الموضوع بظاهرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي جعلت المواطن يكتسب مناعة وعقلانية في تسيير ميزانية الشراء تماشيا مع القدرة الشرائية والحرص على اقتناء ما يلزم أو حسب حاجة العائلة، وبالتالي ساهم هذا السلوك الاستهلاكي المكتسب مع الظرف الاقتصادي عادات جديدة ايجابية كان المستهلك الجزائري بحاجة إليها لترشيد عملية الاستهلاك اليومي.
الدعم المباشر... لمكافحة التبذير
أكد الخبير الاقتصادي رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه عن ولاية بومرداس عرقوب والي، في رده على أسباب وطريقة مكافحة هذه الآفة الاجتماعية، “أن سياسة الدعم المباشر للفئات الاجتماعية الهشة والمعوزة المتعلقة بمشروع تخصيص منحة نقدية التي تبنتها الدولة بدلا عن دعم المواد الأساسية طريقة من طرق مكافحة ظاهرة التبذير المتفشية في المجتمع أو على الأقل التقليل منها تدريجيا حتى لا تذهب عملية الدعم الموجهة للمواد الغذائية واسعة الاستهلاك كمادة الزيت والحليب لجيوب أطراف أخرى من التجار والمضاربين الذين يمارسون سياسة احتكار وتلاعب بالأسعار على حساب المواطن البسيط الذي يعاني هذه الأيام من تدنٍّ كبير للقدرة الشرائية وعجزه على مواجهة تكاليف الحياة، خاصة في مثل هذه المناسبات الهامة”.
وشدد الخبير الاقتصادي ورئيس المكتب الولائي للمنظمة بالقول، “إن نجاح هذه السياسة الاجتماعية يتطلب عملا كبيرا وجهودا تقف على مدى امتلاك الجزائر لقاعدة بيانات دقيقة للفئات الهشة والعائلات المحتاجة بالفعل حسب الحالة الاجتماعية وهذا عن طريق إجراء إحصاء شامل باعتماد الرقمنة وتحيين متواصل للبيانات من أجل التحكم الجيد في العملية والتأكد في النهاية أن منحة الدعم يستفيد منها فقط من هو محتاج وبدون دخل والعمال الذين يتقاضون راتبا زهيدا ما دون الأجر القاعدي المضمون وغيرها من الأصناف الأخرى التي تعاني من تداعيات الأزمة، وهي من بين الحلول العملية لمعالجة أزمة التبذير بعد فشل مختلف الطرق وحملات التوعية والتحسيس التي لم تؤثر في توجهات المستهلك الجزائري”.
ولدى تقييمه للنمط الاستهلاكي للمواطن الجزائري خلال شهر رمضان الفضيل ونسبة التبذير التي سجلتها المنظمة بولاية بومرداس، أكد أستاذ الاقتصاد “أن أرقام التبذير لمختلف المواد الغذائية خلال شهر رمضان يتم ضبطها بالتنسيق بين عدة هيئات مختصة وليس فقط المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك التي ستقدم لاحقا حصيلة شاملة. لكن ما هو مؤكد، بحسب المعطيات الأولية المتوفرة لدى المتابعين للموضوع، ان ظاهرة تبذير واستنزاف المواد الغذائية قد تراجعت بشكل كبير خلال هذا الشهر مقارنة بالسنوات الماضية”.
وربط الباحث سبب هذا التراجع بمجموعة من العوامل الموضوعية، أهمها إقبال الخبازين على رفع سعر الخبز، بالرغم من تحذيرات الوصاية وتهديدها باتخاذ إجراءات عقابية، حيث لجأت أغلب المخابز إلى تقليل كمية الخبز المقنّـن بسعر 10 دنانير والتركيز على الخبز المحسن، خبز السميد وغيره الذي لا يقل عن 20 دينارا، ما دفع المستهلكين إلى تخفيض كمية الاستهلاك والتخلي عن اقتناء الكثير من المواد بالخصوص الكماليات نتيجة تراجع القدرة الشرائية أمام ارتفاع أسعار المواد الغذائية. مع ذلك يبقى المواطن الجزائري تحت تأثير سلوك استهلاكي غير رشيد، بالرغم من أنه يؤدي دورا أساسيا في تحقيق ونجاح سياسة الأمن الغذائي التي تسعى إليها الجزائر لمواجهة أزمة الغذاء العالمي بسبب تداعيات الحرب على أوكرانيا، على حد تعبيره.
نفس الرواية جمعتها “الشعب” من بعض الباعة وأصحاب محلات بيع المواد الغذائية، الذين أكدوا على “تراجع كبير في نسبة استهلاك مادة الخبز خلال هذا الشهر وحتى قبل رمضان، مع تقلص ظاهرة أكوام الخبز المكدسة في سلال البيع، حيث كانت كميات هامة من الخبز اليابس يتم اقتناؤه من قبل الفلاحين ومربي المواشي لتقديمه بديلا عن الأعلاف المرتفعة الثمن وهذا بسعر 5 دنانير، أو يوجه إلى المفرغات في أكياس بلاستيكية من قبل المواطنين وهي الظاهرة التي خفت مؤخرا، بحسب تصريحاتهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024