يتفق العديد من الباحثين بأن سلوك المستهلك، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، لا ينحصر في الشراء فحسب، بل أصبح علماً له تقنياته الحديثة وأساليبه، ومن المؤكد أن هناك سلوكيات واتجاهات تحدد ميل الفرد المستهلك للاستجابة بشكل معين، إزاء مؤثرات معينة في السوق، مثل الاتجاهات المعرفية والمكونات العاطفية التي تتعلق بمشاعر المستهلك، كما أكد في حديثه لـ “الشعب” الدكتور محسن بن الحبيب أستاذ الاقتصاد بجامعة قاصدي مرباح ورقلة.
يرى المتحدث، أن تلك الاتجاهات والمكونات انعكست في تزايد معدلات استهلاك الطعام إلى حد الإسراف والتبذير في شهر الخير والطاعات شهر رمضان، وعلى الرغم من كونه شهرا للصيام، إلا أن مظاهر استمرار الإسراف الاستهلاكي متنامية في عز أزمة اقتصادية أرهقت كاهل فئة واسعة من الشعب.
وتشير الإحصائيات -بحسبه- إلى أن الاستهلاك في شهر الصيام يرتفع بنسبة تتراوح بين 10 و40٪. وتقول منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، إن الفرد في المنطقة العربية يُهدر في صناديق القمامة كميات ضخمة من الطعام خلال الشهر الفضيل، وتبلغ التكلفة الاقتصادية للأغذية المُهدرة على مستوى العالم نحو تريليون دولار كل عام، بالتزامن مع استمرار ارتفاع معدلات الجوع والفاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يعاني 52 مليون شخص نقصاً مزمنا في التغذية.
بالنسبة للدكتور بن الحبيب، فإن مردّ تلك السلوكات السيئة يعود لعدم وجود ثقافة شاملة واعية تحدد سلوك المستهلك الشرائي والتي نعبر عنها بالثقافة الاستهلاكية، ولا تقتصر تلك السلوكات على الإسراف الاستهلاكي فحسب، بل يمتد إلى تخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية (كما هو الحال لمادتي السميد والزيت في الآونة الأخيرة)، وهي سلوكيات تنعكس سلبا على واقع الاقتصاد وتخلف أزمات الندرة وتشجع المضارب.
ومن مظاهر السلوكات السيئة في رمضان، عدم الاستخدام الأمثل لموائد الإفطار؛ ذلك أن التسوق يكون مبنيّا على البطن الجائعة، بالرغم من أن شهر الرحمة في الحقيقة يعد بعد كونه تقوى لله تعالى، فرصة لإعادة التنظيم الاقتصادي للبيت والأسرة والمجتمع، والإخلال بذلك سوف يتحول مع الوقت إلى خلل في اقتصاديات الأسرة، وينتج عنها آثار سلبيَّة مادية وتربوية.
وعلى النقيض من ذلك، كما يقول محدثنا، وبالرغم من أن الجزائر تعيش منذ أسابيع على وقع موجة غلاء غير مسبوقة في أسعار المنتجات، خاصة الغذائية والتي أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطن، إلا أن النمط الاستهلاكي للأسر والنهم في الشراء يستمر حتى مع ارتفاع أسعار السلع، بالرغم من أن تلك التداعيات فرضها الظرف العالمي المتسم بأجواء الحرب الدائرة في شرق أوروبا والتبعات السلبية لجائحة كورونا وتذبذب أسعار الصرف في السوق المحلية.
وعلى الرغم من أن توقعات قانون المالية للسنة الجارية تؤكد أن مستوى التضخم لن يتجاوز 3,7٪ سنوات 2022 و2023، إلا أن عدم التحكم في غلاء الأسعار وتطويق جرائم الاحتكار والمضاربة سيؤدي إلى ارتفاع حاد في مؤشر التضخم.
واعتبر هنا، أن مجابهة تلك الآثار السلبية، يستلزم التصدي لداء المضاربة والاحتكار والتحكم في الأسعار، فضلا عن ضرورة إيجاد استراتيجيات فعالة ترمي إلى تعزيز قدرات الإنتاج الوطني والحفاظ على احتياجات السوق من المنتجات الغذائية والسلع الأساسية، مع ضرورة رفع القيود عن برامج الإنعاش الاقتصادي.
وأكد الدكتور محسن بن الحبيب في الأخيرو أن شهر رمضان الفضيل، فرصة وملاذ لكسب إرادة التصدي لحالة الاستهلاك الشرهة التي تنتاب الكثيرين وترسيخ ثقافة الاستهلاك وترشيده، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال البخل أو شح الإنفاق، لكنه تماما يعني إدارة الموارد والمال بقدر ووسطية تامة، دون الإسراف من جهة ودون التقتير من جهة أخرى والذي يعتبر السبيل نحو ضمان ديمومة التنمية المستدامة والالتزام بالقاعدة القرآنية في قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الأعراف: 31.