تحفيزات لتوسيع استثمارات تربية المائيات

قروض استغلال تصل إلى 17 مليار سنتيم وشراكة واعدة مع إيطاليا

زهراء ب.

12 طلب لتحويـــل السمك وصنـــع الأعــــلاف


رفعت الجزائر تحدي تحسين تنويع مصادر البروتين الحيواني للجزائريين، عن طريق دعم مشاريع تربية المائيات البحرية والقارية، لضمان تحقيق الأمن الغذائي، وتنويع مصادر الدخل خارج المحروقات، فقد دفع انخفاض الثروة السمكية في حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث يتقاسم أزيد من 470 مليون نسمة، منتجات بحرية تتناقص يوما بعد يوم في منطقة شبه مغلقة، بفعل عدة متغيرات أهمها التلوث والطلب المتزايد، إلى التفكير في توفير منتجات جديدة، بنفس القيمة الغذائية، تلبي احتياجات المستهلك بسعر منخفض نوع ما، وتحرك عجلة التنمية في المناطق المعزولة.  وبحسب خبراء يحتاج توسيع استهلاك هذه المنتجات إلى خطة تسويقية محكمة، تسمح بوصول منتجات تربية المائيات إلى موائد الجزائريين، كمصادر بروتينية جديدة، تدعم أنواع معينة تحول التمسك باستهلاكها إلى هوس، وثقافة راسخة ليس عند الجزائريين فقط، ولكن عند شعوب المتوسط.

اهتمت الجزائر منذ سنوات بتطوير شعبة تربية المائيات، ويظهر ذلك في أرقام الإنتاج التي ترتفع من سنة إلى أخرى، وعدد المشاريع المنجزة، ويقول المدير المركزي لتنمية وتربية المائيات بوزارة الصيد البحري رشيد عنان لـ«الشعب”، إن إحصائيات ديسمبر 2021 تشير إلى تسجيل إنتاج 5134 طن من تربية المائيات، منها 2755 طن تربية مائيات بحرية تشمل أسماك القجوج الملكي (دوراد) وذئب البحر والمحريات والرخويات، و 2399 طن من أسماك المياه العذبة تشمل الصيد القاري في السدود والمسطحات المائية، بما فيها الصيد الحرفي والترفيهي، وتتمثل في عدة أصناف أهمها السمك البلطي الذي بدأ مؤخرا يأخذ حيزا كبيرا ضمن أصناف المياه العذبة، نظرا لرواجه وجودته وذوقه المستساغ لدى المستهلك والذي لقي قبولا لديه، كما توجد أصناف أخرى من أسماك المياه العذبة، تم توسيع الاستثمار فيها بهدف الصناعات التحويلية.
أطلقت الجزائر استثمارات كبيرة ومشاريع في مجال تربية المائيات دخلت مؤخرا طور الإنتاج، حيث تم تسجيل مؤخرا، إنجاز 101 مشروع في تربية المائيات، منه 62 مشروعا بحريا و 39 مشروعا خاصا بتربية المائيات في المياه العذبة، إضافة إلى تسجيل 60 مستغلا للسدود في إطار الصيد القاري.
الهدف من ذلك، بحسب عنان، هو رفع إنتاج تربية المائيات إلى 50 ألف طن، نهاية 2024 عبر تطوير وترقية الاستثمارات في مختلف شعب تربية المائيات والأصناف، غير أنه نركز على نوعين من السمك القاجوج الملكي والبلطي الأحمر (تيلابيا)، لأن هذين الصنفين الجزائر تتحكم حاليا بصفة كاملة في كل التقنيات الإنتاج من التفريخ إلى التسمين، وتوجد عدة مؤسسات اقتصادية ناجحة، من شأنها أن تكون أنموذجا للمستثمرين الآخرين وتكون قاطرة تساهم في تسريع وتيرة الاستثمار أيضا عبر توسيع مشاريعهم.
بالنسبة لأسماك المياه العذبة، يتم التحكم في إنتاج السمك البلطي وسلاسل الإنتاج من إنتاج الأعلاف الصناعية محليا و إنتاج صغار الأسماك وبنوعية جيدة، حيث تجدر الإشارة إلى أنه تم إطلاق مؤخرا مشروع بعين وسارة، بولاية الجلفة وقد أنتج لحد الآن أكثر من 1.5 مليون صغار السمك البلطي وحيد الجنس ذو النوعية الجيدة، بشراكة جزائرية -هولندية عبر نقل الخبرة التقنية.
أما بالنسبة لأسماك المياه البحرية حتى وأنه حاليا نسعى للتحكم في سلال القيمة من صناعة الأعلاف الصناعية وإنتاج صغار الأسماك، غير أن هذه الشعبة لسمك القجوج الملكي (الدوراد) وذئب البحر يتم التحكم في سلسلة التوريد، بحيث توجد عدة إمكانيات لجلب احتياجات المستثمرين، خاصة مع الشراكة الايطالية، التي ترتقي يوما بعد اليوم عبر نقل التقنيات والدراسات والخبرة للمختصين الايطاليين تحت غطاء مشاريع التعاون بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، ثم تطورت إلى المزارع الجزائرية التي وردت الأقفاص العائمة من إيطاليا ونسبة كبيرة من صغار الأسماك، التي نستزرعها فضلا عن دول أخرى في أوروبا، ومنذ فترة تم عقد عدة لقاءات بينية مع الشركاء الايطاليين لإطلاق استثمارات مباشرة عبر الرأس المال المباشر في الجزائر في عدة مجالات ليس فقط تربية المائيات، بل تشمل الصيد البحري، صناعة وصيانة السفن، صناعة تربية المائيات، تفريخ الأسماك، تسمين التونة الحمراء، وتربية المائيات البحرية.
كل هذه العوامل يقول عنان دفعت الجزائر “إلى التفكير في اختيار هذين الصنفين وتركيز الجهود عليهما دون إهمال الأصناف الأخرى، والشعب الأخرى التي نستمر في تطويرها ولكن هذه العملية تدخل في إطار تركيز الجهود واستغلال الطاقات من أجل تسريع وتيرة نمو القطاع”.

تحفيزات تُنعش المشاريع المتوّقفة
حركت التحفيزات التي أقرها رئيس الجمهورية في قانون المالية 2022، والمتعلقة بتخفيض قيمة الضريبة على القيمة المضافة من 19 بالمائة إلى 9 بالمائة أي بتخفيض نسبة 10 بالمائة، المشاريع المتوقفة نتيجة الأزمة المركبة العالمية الاقتصادية والصحية، وستسمح بتخفيض كلفة إنتاج تربية المائيات البحرية والقارية بنسبة 10 بالمائة، مثلما قال عنان، بالإضافة إلى تخفيض الرسوم الجمركية على المدخلات من صغار الأسماك والأعلاف والعتاد من 35 بالمائة إلى 5 بالمائة، وكل هذا من شأنه أن ينقص تكلفة الإنتاج.
 وقد تم ملاحظة هذا الأثر الإيجابي، بحسب عنان، في عملية بيع الأسماك من المنتج إلى المستهلك في شهر رمضان التي يشرف عليها القطاع، والتي لمسنا من خلالها انخفاض محسوس في سعر سمك “دوراد” حيث وصل إلى 1000 دج بالرغم من أنه ليست فترة الإنتاج الواسع، لأن عملية استزراع الأقفاص العائمة ( حوالي 16.3 مليون من الأسماك البحرية) أغلبها كانت، خلال سنة 2021، وهي الآن في طور النمو لم تبلغ بعد مرحلة البلوغ والاستهلاك، بدأت فقط دخول الكميات الأولى للإنتاج أو ما نسميه باكورة الإنتاج، ثم تصل الكميات الأخرى تباعا.
وأضاف عنان أن إنتاج تربية المائيات قد يشهد كميات هائلة،ابتداء من شهر جوان وجويلية القادم، ويمتد إلى غاية نهاية السنة، مع العلم أن دورة إنتاج أسماك المياه العذبة البلطي الأحمر تمتد من 4 إلى 6 أشهر، أي كل العوامل الاقتصادية تتم خلال نفس السنة المالية، معناه شراء المدخلات، اقتناء صغار الأسماك، الاستزراع ثم الجني في نفس السنة، عكس تربية المائيات البحرية التي تمتد دورة إنتاجها 10 أشهر إلى 14 شهرا، وإذا كانت بالنسبة لسمك القاروس، ذئب البحر تمتد إلى 16 شهرا، لهذا نجد الأسماك المستزرعة في السداسي الثاني في السنة الماضية 2021، هي التي يتم تسويقها، خلال سنة 2022، ولهذا أثر تطبيق تخفيضات الرسوم الجمركية بالنسبة لأسماك المياه العذبة على السوق يظهر في نفس السنة، ولكن بالنسبة للأسماك البحرية، سنرى الأثر خلال السنة المقبلة.
من ضمن التحفيزات أيضا التي يقدمها القطاع، لتشجيع إنشاء مزارع تربية المائيات، تقديم قروض استغلال لأصحاب المشاريع التي دخلت المرة الأولى طور الإنتاج من قرض استغلال بالنسبة لأسماك المياه العذبة يتراوح من بين 10 مليون دينار أي مليار سنتيم، إلى 50 مليون دينار، بحسب طاقة الإنتاج وحجم المزرعة، بالنسبة للأسماك البحرية أيضا يصل إلى 170 مليون دينار، أي 17 مليار سنتيم، بحسب طاقة الإنتاج، بالنسبة لإنتاج 600 طن، أو 300 طن نقدم 85 مليون دينار، أي 8.5 مليار سنتيم قرض استثمار دون فائدة لمدة سنتين قابل للتجديد مرة واحدة.
إضافة هذه التحفيزات تقدم الوزارة الوصية مرافقة إدارية وتقنية عبر مختلف هياكل القطاع سواء المركزية أو المحلية، أو المؤسسات تحت وصاية القطاع سيما المعهد التجريبي والمركز الوطني للبحث، وهي التي عمق صلاحيات نحو المهنة والمستثمرين عبر توفير الخبرات والدعم التقني للمستثمرين.

111 عقد امتياز غير مستغل مرشح للاسترجاع
أحصى مدير تربية المائيات بوزارة الصيد، وجود عدة طلبات الاستثمار تخص مختلف الشعب تربية المائيات، مقابل تشبع المساحات البحرية، وقال إن وزارة الصيد قامت السنة الماضية بتطهير ملفات المستثمرين الحائزين على عقود الامتياز الذين لم يوفوا بالتزاماتهم وينجزوا مشاريعهم، وبعد عملية إحصاء تم تحديد 111 عقد امتياز دون استغلال مرشح للاسترجاع، شرع منذ نهاية السنة الماضية إلى غاية الأشهر الأولى من 2022 بالتنسيق مع وزارة الداخلية والجماعات المحلية وولاة الجمهورية وبإشراف مديريات الصيد البحري وتربية المائيات بالولايات على المستوى الوطني، في استرجاعه وفق الشروط القانونية التي تمر عبر الاتصال بالمستثمرين، تقديم الاعذارات.
وأوضح عنان أن بعض المستثمرين أبانوا عن نية صادقة لاستكمال المشاريع، ومنهم من قام باستيراد أو تصنيع محليا للعتاد ومباشرة طلبات اقتناء المدخلات بعدما عطلتهم الأزمة الصحية والاقتصادية العالمية، وهؤلاء تم تقديم لهم مهلة إضافية وشرعوا في الانجاز، أما باقي الرخص تعكف اللجان الولائية بإشراك الولاة على استرجاعها بالطرق القانونية المعمول بها لتقوم آليا بتقديمها لمستثمرين آخرين، من أجل تجسيد مشاريعهم.
في هذا الإطار، سجلت على سبيل المثال لا الحصر استفادة ولاية تلمسان من 5 مشاريع جديدة، واستفادة كل من ولايات تيبازة، بومرداس، سكيكدة، مستغانم، من عقود امتياز فضلا عن عقود امتياز أخرى بمناسبة عيد النصر، حيث قام والي الوادي بتقديم 21 عقد امتياز في مساحات أرضية بالولاية لمستثمرين في مجال تربية أسماك المياه العذبة لإنتاج السمك البلطي بالتحديد.

أسماك تربية المائيات.. الطريق إلى مائدة الجزائريين
يؤكد عنان أن القيمة الغذائية للأسماك المستزرعة سواء في المياه البحرية أو العذبة، مثبتة علميا وتقنيا، لديها قيمة غذائية عالية، لكن حب المستهلك الجزائري للسردين خاصة، هي ظاهرة معروف بها كل سكان البحر الأبيض المتوسط وليس الجزائر فقط، فمن تونس إلى الجزائر المغرب، اسبانيا، ايطاليا، فرنسا، مالطا، كلهم مهووسون بسمك السردين، ولديهم تقاليد في استهلاكه، وهذا موجود في كل السلال الغذائية الأخرى مثل الخضروات والفواكه.
ويحبذ المستهلك نوع معين ولا نستطيع منعه من حب هذه الأنواع، ولكن الواقع يفرض ذلك، إذ أن تنويع الاستهلاك، على ضوء عدم توفر الكميات الكافية مع النمو الديموغرافي المتزايد في البحر الأبيض المتوسط، يفرض علينا التوجه إلى أنواع أخرى خاصة وأننا نعرف في السنوات الأخيرة ظهور أمراض مزمنة كثيرة مثل السكري، الضغط، الكوليسترول نتيجة الدهنيات، وبعض المنتجات الحيوانية الأخرى التي تؤثر سلبا، لذلك ينصح الأطباء باستهلاك البروتين المائي لما يعرفه من تشبع بالأوميغا 3 و الفيتامينات والأملاح المعدنية، وخلوها من الكوليستيرول والأوميغا 6 و9 الضارة.

تسويق أكثر من 1.5 طن في 3 أيام
ومن أجل توسيع استهلاك المنتجات السمكية القادمة من تربية المياه العذبة والبحرية، يقول عنان: “تم تسطير برنامج إرشادي منذ سنوات عبر الصالونات الجهوية وحصص التذوق وعبر عمليات البيع لسمك البلطي الأحمر مباشرة من المنتج للمستهلك التي انطلقت منذ شهر نوفمبر الماضي في مسامك العاصمة والتي لقي رواجا كبيرا، خلال شهر رمضان، حيث في ظرف 3 الأيام الأولى في نقطة بيع ساحة الشهداء وصلنا إلى تسويق أكثر من 1.5 طن، أي بمعدل 500 كلغ في اليوم، معناه إذا كانت في الشهر تصل إلى 4 أو 5 طن،  وفي عدة نقاط بيع ولائية وفي أكثر من 58 ولاية، كم نستطيع تسويق من منتجات في الشهر، أما العملية التي تمت من شهر نوفمبر إلى جانفي، فقد تم تسويق 7.8 طن من سمك البلطي الأحمر على مستوى العاصمة وحدها”.
وأضاف أن هذه العمليات شجعت المستثمرين على تقديم طلب الاستثمار في سمك البلطي الأحمر، لأنه بدأ يلقى رواجا، على غرار ولايات أخرى بسكرة، خنشلة، أم البواقي، الوادي، ورقلة، تبسة، وتوجد عملية أخرى في عين الدفلى تخص تسويق سمك السندر، وهو سمك نبيل وعالي القيمة الغذائية والمالية في أوروبا حيث يتراوح سعره، من بين 10 إلى 15 أورو للكلغ الواحد، وفي الجزائر يتم تسويقه بـ 700 دج، وهو منتج بالسدود الجزائرية، حيث استطاع مركز البحث، منذ 5 سنوات التحكم التقني في التفريخ النصف اصطناعي للبيض، وتم إلقائه في السدود ومتابعته والآن يتم صيده وتسويقه.

12 طلبا للاستثمار في الصناعة التحويلية
الإهتمام بأسماك المياه العذبة والبحرية، لم يقتصر على الاستهلاك، بل أصبح محطة أنظار أصحاب مصانع تحويل المنتجات الغذائية، حيث تلقت وزارة الصيد إلى غاية اليوم 12 طلب استثمار في الصناعات التحويلية للسمك البلطي الأحمر، وصناعة الأعلاف السمكية بحسب عنان، ولكن تجسيد هذه المشاريع التحويلية مرهون بالإفراج عن قانون الاستثمار، لأنها تحتاج العقار الصناعي والشراكة الأجنبية.
واستطاعت مشاريع تربية المائيات أن تشغل 2000 و 2400 عامل، وهذا الرقم يقول عنان: “مرشح للارتفاع لأن معظم المشاريع المنجزة السنة الماضية ستدخل الاستغلال هذا العام، والمشروع لما ينجز المستثمر يوظف بعض العمال، ولكن بعد الدخول في الاستغلال يحتاج إلى يد عاملة أخرى، ومشروع تربية مائيات البحرية يوفر 60 منصب عمل مباشر، و 180 منصب شغل غير مباشر، ومشروع تربية المائيات في المياه العذبة بحسب حجمه يوفر من 23 إلى 45 عاملا بصفة مباشرة، و120 بشكل غير مباشر”، مثلا المشاريع الرائدة ببني حواء يوظف أكثر من 70 عاملا وتقني بصفة مباشرة، وقامت ببعث حركية في محيط المشروع، عبر سلاسل التوزيع والتبريد، وهذا النشاط أدى إلى بروز نشاطات أخرى بالمناطق القريبة من مزرعة تربية المائيات التي تنتج آلاف الأطنان كالإطعام السريع والنقل، وهذه من شأنها خلق حيوية وديناميكية اقتصادية خاصة وأننا نعرف أن مزارع التربية المائيات العذبة أو البحرية دائما تنجز في مناطق معزولة، إضافة إلى أن نشاط تربية المائيات تدخل ضمن نشاطات توفير الأمن الغذائي، هو نشاط اقتصادي في إطار تنويع الاقتصاد، وهو أيضا نشاط اقتصادي في إطار فك العزلة وتنمية مناطق الظل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024