يُجمع ثلّة من المثقفين والأدباء على أنّ جريدة «الشعب» من أمهات الجرائد في الجزائر، وهي مدرسة في الإعلام، تخرّج منها خيرة الأقلام الصحفية وأكدوا أنه بعد مرور 59 سنة من التأسيس، حافظت «الشعب» على مكانتها في المشهد الاعلامي، وتواكب التطورات الوطنية والدولية في كل المجالات.
سارة ضويفي
في الذكرى 59 لتأسيس جريدة الشعب، تحدّث مجموعة من المثقفين والأدباء، عن الجريدة التي اعتبروها «مدرسة» في الإعلام، وعميدة الصحف الجزائرية، ولسان حال الشعب، وهي اسم على مسمى.
الكاتب أحسن تليلاتي: «الشعب» لسان حال الشعب
يقول أحسن تليلاني: «نعتبر جريدة الشعب، من أمهات الجرائد بعد الاستقلال، شخصيا هذه الجريدة كنت أطالعها منذ طفولتي وشبابي. نعتبر دائما أنّ جريدة الشعب هي الأقرب للشعب. تختلف عن الجرائد الأخرى العمومية، وكل ما نقرأه في جريدة الشعب هو قريب منا نصدقه ونتفاعل معه.
من الناحية الثقافية، جريدة الشعب لعبت دورا كبيرا، احتضنت الأقلام والمواهب، واهتم بالإبداعات، سواءً جيل الأدباء الكبار، مثل الطاهر وطار، واسيني الأعرج وغيرهم، وأيضا إبداعات الأدباء الشباب. اليوم، مازالت تسير في هذا الرهان، خاصة في الفترة الأخيرة. أنا أثني على الفترة الأخيرة، خاصة أنني لاحظت اهتماما أكبر بالمجال الثقافي، ما أدى إلى إصدار مجلة فواصل، هذه التي تعتبر مبادرة غير مسبوقة في الإعلام الوطني، باللغة العربية.
يبقى أنّ مقروئية الجرائد ناقصة جدا، لأنّ الناس أصبحوا يتوجهون إلى المطالعة الإلكترونية، وجريدة الشعب لم يخف عليها هذا التوجه أيضا، بدليل موقع فواصل الالكتروني الذي يعتبر إضافة إلى رصيد الجريدة. المشروع الرقمي لمؤسسة الشعب، يعتبر ثورة تضاهي بها التطورات التي تحدث في الجرائد العربية والعالمية، سواء العربية مثل الأهرام وغيرها، أو العالمية مثل جريدة «لوموند».
بالتأكيد أحيي هذا التوجه، وأتمنى لهذه الجريدة التفوّق وأنها تغطي كل ما يحتاجه المواطن من أخبار، أفكار وتحليلات. نحن اليوم في زمن الصحافة، وهي حرب حقيقة لأنها تصنع الرأي والرأي الآخر، لأنها تقدم المعلومة وتصنع الوعي. هذا التوجه هو بالتأكيد توجه مهم لا نملك إلا أن نحييه ونشجعه».
الروائية جميلة طلباوي: «الشعب استحقت لقب أم الجرائد»
تقول الروائية جميلة طلباوي: «الحديث عن جريدة «الشعب» حديث عن البدايات وعن مرحلة تأسيس صحافة جزائرية ناطقة باللغة العربية، بعد الاستقلال مباشرة، الاستقلال الذي لم يكن ليتم إلا بتحرير الصحافة وبتعريبها لتكون ناطقة بلغة الشعب الجزائري، معبّرة عن ثقافته، ولتكون منبرا لانشغالاته واهتماماته.
من هذا كله تستمد جريدة الشعب خصوصيتها وأهميتها وهي التي استحقت لقب أم الجرائد، فكانت ولا تزال منبرا إعلاميا مهما واكب التحولات، التي عرفها المجتمع الجزائري في مختلف القطاعات والمجالات. اهتمت بالحياة الثقافية وشؤون الاقتصاد وبمختلف الظواهر الاجتماعية، وهي مرتبطة في ذاكرتي برائحة الورق التي لم نكن نستغني عنها لتكون نافذة لنا، وللرعيل من الإعلاميين والمثقفين الجزائريين، على الحياة الثقافية والحياة العامة، وهي أيضا التي احتضنت الأقلام الأدبية إلى أن اشتدّ عودها.
جريدة «الشعب» اهتمت بالأدب الجزائري وعرّفت بالأدباء الجزائريين، واستطاعت أن تحافظ على خطها رغم كل التحديات التي تعرفها الصحافة في العالم ككل. أتمنى لها الاستمرارية، استمرار الكلمة الطيبة التي تضرب جذورها عميقا في وجداننا، وكل عام الشعب بألف خير».
الأديب والصحفي صالح سعودي: «الشعب مدرسة بامتياز..»
يقول صالح سعودي: «جريدة «الشعب» شاهد على مسيرة الجزائر سواء من الناحية السياسية، الاقتصادية، الثقافية.. وهذا بمواكبتها لآخر المستجدات من الناحية الإخبارية، وكانت معروفة بإنجازها للملفات الكبرى، وفي نفس الوقت أنجبت وتخرّج منها صحفيين وكتّاب كبار، والأكثر من هذا أنها كرست تقاليد خاصة في الجانب الثقافي، مثل ملحق الشعب الثقافي الذي كان يعده المرحوم الطاهر وطار في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان الملحق مرجعا وفضاء لأدب الشباب، إن صحّ التعبير، وأدب المخضرمين، من خلال نشر مختلف المقالات والأجناس الأدبية، وحقا كان فضاءً متميزا، وحظي باهتمام من طرف القراء بصفة عامة والكتاب والمثقفين، وكان محط دراسات من طرف الأكاديميين.
أيضا جريدة الشعب، واكبت مختلف التحديات والتحوّلات، وعرفت بتميّزها في فترات معيّنة، فهي كانت الرائدة في الصحافة خاصة في ثمانينيات القرن الماضي، وهي كانت الأكثر استقطابا ورواجا. وأعتبر الشعب مدرسة بامتياز، في الصحافة، في تدريس الإعلام الثقافي، وفي الإعلام الجواري، وهذا ما نلمسه اليوم في صفحاتها وعلى مواقعها الإلكترونية، حيث أنها لازالت تهتم بالمواطن البسيط في الجزائر العميقة. نتمنى أن يتجنّد الجميع من أجل أن يبقى هذا المنبر الإعلامي الهام في الجزائر مميّز، ومتألق، لأنها مكسب للإعلام بشكل عام».
الأخضر رحموني: هنيئا عميدة الصحف الجزائرية
يقول الأخضر رحموني، عضو اتحاد الكتاب الجزائريين، وعضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: «عظيم يوم 11 ديسمبر في الذاكرة الوطنية كلما لاحت تباشيره في الأفق.. إنّه يوم مظاهرات 11 ديسمبر 1960 الخالدة، التي نزلت فيها جماهير الشعب الجزائري إلى شوارع العاصمة وكانت أصواتها ترتفع هاتفة بحياة الجزائر، ومطالبة بحقوقها واستعادة كرامتها وسيادتها في الحياة الشريفة والتقدم الاجتماعي والحضاري الشامل.
في ذكرى هذا اليوم التاريخي، اختار رجال المواقف والقيم النبيلة والكلمة المناضلة تأسيس جريدة الشعب حتى تكون اللسان الحقيقي والمعبّر عن طموحات الشعب الجزائري بعد الخروج من محنته مع الاستعمار الغاشم.. لأنّها تمثل الرفض والتضحية في سبيل الهدف الأسمي والتحدي.. فجاءت الشعب لتعانق التحام الجماهير بالثورة الشعبية، فاحتضن الشعب جريدته بكل فرح وافتخار، كرسالة وفاء واستلهام الدروس والعبر وتصحيح المفاهيم ..
وتواصل مسيرتها الإعلامية إلى يومنا هذا، لا تتخلف عن موعدها اليومي مع القراء، بالرغم من العوائق والظروف الصعبة التي عرفتها في بعض محطات رحلتها كأزمة الطباعة والنسخ.. بقيت صامدة على الموقف المعتدل.. تؤدي مهمتها بكل ثبات بإرادة مؤسسيها، وعزيمة عمالها وصحفييها، وكتابها من مختلف الشرائح، ورجال الخفاء الذين يعملون من أجل إيصال صوتها في الوقت المحدد إلى القارئ.
في ذكرى تأسيس، جريدة الشعب، يعود بنا شريط الذكريات إلى أيام الزمن الجميل.. ونحتار عما نتحدث عنه، فالمحطات متعددة والرجال الذين مروا منها كثيرون، وهي التي تسكن سويداء الفؤاد، لأننا تخرجنا من مدرستها العظيمة، واستقبلت كتاباتنا الأولى يوم كان الحرف العربي محاصرا.. فكانت الشعب منبرا لمن لا منبر له، والصدر الحنون للأدباء الشباب الذين تشجع المواهب منهم بنشر نتاجهم الأدبي المتنوّع على صفحاتها مرصعا بالتوجيهات السديدة.
ولتحقيق هذا الهدف وتجسيده ميدانيا، أصدرت يوم 16 جوان 1972 «الشعب الثقافي»، وهو ملحق ثقافي نصف شهري، جاء ليسد فراغا كبيرا في الساحة الثقافية يومها، فاحتضن مساهمات أغلب الأسماء الفاعلة والبارزة في الوسط الثقافي والفكري والأدبي من أمثال محمد سعيدي والطاهر وطار ومحمد الصالح باوية ومصطفى صواق وزينب فرحات ومحمد الميلي وعبد الله شريط وأبي العيد دودو في ركنه القار (شاعر وقصيدته) وإسماعيل العربي وعبد الله ركيبي وأحمد توفيق المدني وغيرهم.. إضافة إلى مساهمات الشعراء والكتاب العرب الذين جاؤوا إلى الجزائر كمتعاونين من أمثال حسين أبي النجا وشوقي بغدادي وابن الشاطئ ومحمد طالب محمد وعمر رشراش وجميل نصيف التكريتي وعبد الأمير الحبيب ونعيم اليافي وغيرهم.
جريدة الشعب هي التي عرفتنا برموز الحركة الأدبية في الوطن العربي، من خلال نشر أخبارهم مع اللقاءات التي كانت تديرها الشاعرة أحلام مستغانمي، فكانت في كل عدد تتحفنا بحوار مع الشعراء: أدونيس ونزار قباني وعبد الوهاب البياتي ومحمود درويش وأحمد سليمان الأحمد وعبد الرحمان جيلي والناقد يوسف الخطيب والروائي السوري حنا مينة.
بل إنّها أول جريدة تنشر حوارا مع شاعر الثورة مفدي زكريا بتاريخ 05 أوت 1972 أجراه معه الكاتب أبي القاسم عبد الله، وحوار مع أمير شعراء الجزائر محمد العيد آل خليفة سنة 1975 وقد التقاه ببيته ببسكرة الشاعر عبد العالي رزاقي.
إنّ الكتابة عن جريدة الشعب تتطلب العودة إلى أرشيفها الثري بالمواضيع المطروحة، والدراسات المركزة، والمتابعات النقدية، والمعارك الأدبية التي لا زال يتذكرها من كان يعتبر الجريدة غذاءه الروحي، دون نسيان الكتابات في مختلف القضايا الثقافية من أدب بأجناسه المعروفة ومسرح وسينما وتاريخ وعمارة.
وأهيب بالدارسين خاصة طلبة معاهد الأدب العربي والسياسة والإعلام إلى الاهتمام بهذا الجانب المعرفي في رسائلهم للتخرج، والرجوع إلى مكتبة أرشيف الجريدة، فسيجدون لا محالة كنوزا متعددة من المواضيع. ويمكن أن يدرج ملحق الشعب الثقافي دراسة وتحليلا لوحده كعنوان ضمن البحوث المقترحة لرسالة دكتوراه.
وإن مرت 59 سنة على مولد جريدة الشعب فإنّ بريقها لا يزال مشعّا في الآفاق، ينبض بحيوية الشباب، كعروسة تتزين في كل مناسبة سعيدة، مواكبة عصرها وأحداثه المتجددة، تهفو إلى خدمة المواطن وإبلاغه بالمعلومة الصحيحة بكل موضوعية واحترافية، مواصلة نهجها الافتتاحي المرتبط بالوطن والشعب ومقوماته الحضارية والمكرس لنشر الوعي وترشيده، بالرغم من أنّ الساحة الإعلامية تزخر بعناوين جاءت بعد الانفتاح السياسي والإعلامي الذي عرفته الجزائر بعد دستور فيفري 1989.
والمناسبة تقتضي مباركة المبادرة الرائدة الذي شرعت فيها مؤسسة الشعب وطاقمها النشيط المتمثلة في إصدار مجلة فواصل الشهرية لتدعيم المشهد الثقافي بعد توقف المجلات الثقافية والأدبية التي كانت تصدر عن الوزارات مثل الثقافة وآمال والأصالة..
جاءت فواصل لتعوّض هذا النقص، وتفتح أبوابها من جديد لكل الأقلام التي تحب الخير للبلد من أجل التعريف بموروثنا الثقافي المتنوّع، ورجالات الفكر والأدب، وتشجيع المواهب الإبداعية، متمنيا لها الاستمرارية في الصدور والتطور.
فطوبى لك يا عميدة الصحف الجزائرية.. وتهنئة من القلب مع وردة إلى كل عامل في الشعب.. ودام العطاء».
«الشعــب» في عيــون الكتــاب والمثـقفين
شوهد:391 مرة