كسرت شوكة الكولونيالية المقيتة وأسست للحريّة..

الجزائــــــــــــــــــر المنتصـــــــــــــــرة..تخضّ الحالمـين بـ”الفــردوس المفقــود”

علي مجالدي

 

تحيي الجزائر، اليوم، ذكرى عيد النصر 19 مارس، والذي يمثل إحدى المحطات المفصلية في مسار التحرر الوطني، حيث أُعلن فيه وقف إطلاق النار بعد مفاوضات شاقة مع المستعمر الفرنسي. هذه المحطة ليست مجرد احتفال بانتهاء حرب التحرير، بل محطة أساسية في استكمال استقلال الجزائر، الذي بدأ بإعلان وقف إطلاق النار ثم الاستقلال سنة 1962، لكنه لم ينتهِ عند ذلك، بل تواصل في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، والأمنية حتى اليوم.

كان المسار النضالي للجزائر على جبهتين، الأولى عسكرية، جسدها جيش التحرير الوطني  بتضحيات الشهداء والمجاهدين في الجبال والمدن، والثانية دبلوماسية، خاضها وفد جبهة التحرير الوطني في مفاوضات إيفيان، التي شكلت اختبارًا سياسيًا حاسمًا للمستعمر الفرنسي، حيث حاولت فرنسا آنذاك فرض شروط تمسّ بسيادة الجزائر، خاصة عبر السعي لفصل الصحراء عن بقية التراب الوطني، لكنها وجدت أمامها مفاوضين متمرسين استطاعوا الحفاظ على وحدة البلاد وانتزاع اعتراف دولي بسيادتها الكاملة.
ومنذ ذلك الحين أدركت الجزائر أن الاستقلال السياسي وحده ليس كافيًا، فقد ظلت الجزائر تعمل على ترسيخ استقلالها في كل المجالات، متجاوزة القيود التي حاولت القوى الاستعمارية فرضها عليها، وهو ما يجعل عيد النصر اليوم أكثر من مجرد ذكرى تاريخية، بل رمزًا لمواصلة المعركة في سياقات جديدة، تتعلق بالتحرر الاقتصادي، الأمني، والتكنولوجي.
رغم مرور أكثر من ستة عقود على هذا الانتصار الذي سجلته صفحات التاريخ، لا تزال الجزائر تسعى بكل قوة بقيادتها الرشيدة لمواجهة تحديات جديدة تتعلق باستكمال استقلالها على جميع الاصعدة، ففي الجانب الاقتصادي، تعمل الدولة على تحقيق السيادة الغذائية وتحقيق الأمن الغذائى وهو الذي تم تحقيقه بشكل كبير، وتطوير الصناعات الوطنية، وتعزيز التكنولوجيا الحديثة لتقليل التبعية للخارج، أما على المستوى الأمني، فقد أدركت الجزائر أن حماية السيادة الوطنية لا تقتصر على الجانب العسكري التقليدي فقط، بل تشمل مواجهة التهديدات غير المتماثلة، مثل الإرهاب، الجريمة المنظمة، وحروب التأثير الإعلامي والاقتصادي.
في هذا السياق، لا يمكن فصل هذه الذكرى عن الوضع الحالي، حيث تحاول بعض القوى، خاصة داخل فرنسا، إعادة طرح قضايا قديمة بأساليب جديدة، في محاولة لإبقاء الجزائر ضمن دائرة النفوذ الفرنسي. وتصريحات مسؤولين فرنسيين، خاصة من تيار اليمين المتطرف، تعكس هذا التوجه، من خلال ترويج مزاعم بأن فرنسا تقدم مساعدات للجزائر، أو محاولات الضغط عبر ملف الجالية الجزائرية في فرنسا، التي ساهمت في إعادة بناء الاقتصاد الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية.
لكن الجزائر، التي انتزعت استقلالها بدماء الملايين، ليست دولة تُليَّ ذراعها أو تُفرض عليها شروط غير عادلة. وكما استطاعت في 1962 أن تنتصر على مشروع الاستعمار المباشر وفكرة “الجزائرية فرنسية”، فإنها اليوم تواصل طريقها نحو فرض سيادتها بعيدًا عن أي شكل من أشكال التبعية، معتمدة على مبدأ الشراكات الندية، والمصالح المتبادلة لا الإملاءات والضغوط.
و عيد النصر اليوم، ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل مناسبة لتأكيد أن الجزائر التي انتصرت في الماضي، كما تواصل اليوم بناء مستقبلها بإرادتها الحرة، بعيدًا عن أي وصاية أو تدخل، متجهة نحو استقلال اقتصادي، أمني، وسياسي يجعلها أكثر قوة واستقرارًا في وجه كل التحديات ويجعل منها قوة إقليمية مؤثرة في محيطها الجيوسياسي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19748

العدد 19748

الإثنين 14 أفريل 2025
العدد 19747

العدد 19747

الأحد 13 أفريل 2025
العدد 19746

العدد 19746

السبت 12 أفريل 2025
العدد 19745

العدد 19745

الجمعة 11 أفريل 2025