تبسيط إجراءات التأشـيرة ضاعـف تدفّـق السيـاح الأجانــب
تعرف السّياحة الصّحراوية في الجزائر، انتعاشا لافتا خلال السنوات القليلة الماضية، ويجب التأكيد أنها في الوقت الحالي تحاول استعادة أمجادها بفضل المجهودات المبذولة من أجل بناء وجهة سياحية تكون مقصدا لآلاف السياح في الداخل ووالخارج وبمختلف جنسايتهم، بعد توفّر كل أسباب الأمن والراحة، خاصّة بعد اتخاذ إجراءات وتدابير سهّلت من دخول السياح الأجانب، وهذا بناء على تعليمات الرئيس عبد المجيد تبون، بضرورة تحقيق تطور “حقيقي” لقطاع السياحة وجعل من التنمية المستدامة في جنوبنا الكبير سبيلا لتطوير الاقتصاد الوطني، وما ساعد في ذلك وجود استقرار أمني وتحسين النقل وتوسيع وتشجيع الاستثمار.
قال معوش زهير رئيس الجمعية الجزائرية للسياحة والثقافة والتنمية المستدامة، أنّ الجزائر سجّلت بعد الافتتاح الرسمي للموسم الصّحراوي شهر أكتوبر الماضي، إقبالا كبيرا على مستوى السياحة الداخلية والخارجية، وذلك يرجع إلى التسهيلات التي أقرّتها السلطات العليا في البلاد بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي يحرص على تحقيق تطوّر حقيقي للقطاع السياحي.
وأكّد رئيس الجمعية، أنّ السلطات أقرّت جملة من التسهيلات، على غرار منح التأشيرات الالكترونية للسياح الوافدين على الصّحراء الجزائرية بالنسبة للأجانب، حيث برمجت الوكالات السياحية المنتشرة عبر مختلف ولايات الوطن، رحلات لمناطق السياحة الصّحراوية المتعدّدة مع تسجيل عودة السياحة بقوة إلى مناطق جديدة مثل الأغواط، الجلفة، بوسعادة وغرداية وغيرها.
وأشار معوش، إلى تمكّن السياح الأجانب الباحثين عن الاحتكاك بسكان جنوب البلاد عن قرب، على غرار ساكنة بوسعادة، غرداية أو الأغواط، من زيارة وسط المدينة والوقوف على أسواقها الشهيرة، إلى جانب اكتشافهم السياحة الثقافية. وأضاف “أيضا الوقوف على مختلف الحرف اليدوية واكتشاف عادات وتقاليد تخصّ سكان الصّحراء، مثل زيارة المراكز الثقافية، المساجد، الزوايا، وكل مكان يخص السياحة الحديثة في الصّحراء، يضربون عصفورين بحجر واحد، من خلال التسوّق والسياحة معا”. وأشار إلى أنّ السياحة الصّحراوية أصبحت قبلة للشباب، مبرزا أنّ هذا الاستقطاب مردّه إلى التنوع والبرامج المتوفرة مثل ركوب الجمال والتزلّج على الرمال وتنوع الأكلات التقليدية.
وضمن هذا السياق، أكّد المختص في المجال السياحي، أنّ ما زاد من الإقبال الكبير على الصّحراء الجزائرية للموسم الثالث على التوالي، شغف الجيل الجديد من الشباب بعالم السياحة وإقبالهم كذلك على فتح وكالات سياحية، بعد التسهيلات التي أقرّتها السلطات العمومية، بحيث كان إنشاء وكالة سياحية أو شركة سياحية صعب جدّا في السابق، بل ويستغرق وقتا طويلا، ويتطلّب شروطا عديدة، على عكس الوقت الحالي مع تخفيف الشروط، وهذا ما جعل عدد الوكالات التي تنشط في المجال يرتفع.
انتعاش السياحـة الصّحراويــة
وأشار معوش إلى القرارات التي أنعشت السياحة الصّحراوية، على غرار قرار وزارة السياحة، بخصوص الإيجار أو ما يسمي “السّكن لدى الساكنة”، بهدف عدم تسجيل أي عجز في الإيواء والعمل على تسجيل الاكتفاء في الفنادق المنتشرة، ويسمح استحدث “السكن لدى الساكنة”، بعرض سعر يتناسب مع إمكانات السائح، إذ أنّ اعتماد هذه الصيغة من النشاط السياحي وتعميمها يندرج في إطار استغلال المقومات السياحية المتوفّرة لتساهم في تحسين الخدمات السياحية.
أما عن التأشيرات، قال معوش أنّ السلطات المعنية عملت منذ نهاية أزمة كورونا على إقرار تسهيلات كثيرة للحصول على التأشيرة للدخول إلى الجزائر، بحيث تعدّدت أنواع التأشيرات منها السياحية وتأشيرة الأعمال.
وفي هذا الإطار ذكّر المهتم بالشأن السياحي، أنه بقرار وزارة الداخلية مع نهاية سنة 2022، حيث أقرّت إجراء خاص يتعلّق “بتأشيرة التسوية”، للسياح الأجانب مواصلة لسلسلة الإجراءات المتخذة من طرف السلطات المعنية بهدف ترقية السياحة الصّحراوية، وتمكين السياح الأجانب الراغبين في زيارة جنوب الجزائر من تأشيرة تسوية بدل ترتيبات التأشيرة العادية، عن طريق وكالات السياحة والأسفار الوطنية المعتمدة.
ويرى الناشط في مجال السياحة، أنّ هذا الإجراء الجديد، فتح المجال واسعا للسياح الأجانب من خلال التسهيلات المدرجة في منح تأشيرة المرور أو تأشيرة التسوية للأجانب، موضّحا أنّ احتكاكه مع مختلف الجنسيات الأجنبية، جعله يتأكّد من أنّ المشكل متعلّق بالتأشيرة فقط، حيث كان للأجانب، حسب تصريحاتهم، رغبة كبيرة في زيارة الصّحراء الجزائرية.
وأضاف “لكن بعد طرح تأشيرة التسوية، التي مكّنت السائح الأجنبي من دخول بلادنا كسائح مباشر، انتعشت السياحة كثيرا وصنعت الفارق، حيث تقتصر الإجراءات على إرسال جواز سفر السائح للوكالة السياحية المعنية، لتقوم هي بدورها بإرساله لمديرية السياحة، حسب الولاية المراد زيارتها، وبعد ذلك تُقدّم له خارطة الطريق مباشرة، ويتحصّل في المطار على تأشيرة التسوية، حيث سجّلنا مثلا خلال السنوات القليلة الماضية إقبالا منقطع النظير للسياح القادمين من مختلف دول العالم، والذين أعدّوا بالآلاف خاصة أولئك القادمين من أوروبا.
وبموجب قرار صادر سنة 2022، فقد قرّرت السلطات العليا في البلاد، وفق بيان صادر عن وزارة الداخلية “تمكين الأجانب الراغبين في القيام برحلات سياحية بجنوب البلاد، عن طريق وكالات السياحة والأسفار الوطنية المعتمدة، الاستفادة من تأشيرة التسوية مباشرة عند وصولهم إلى المنافذ الحدودية، لاسيما بالولايات الجنوبية (المطارات والمعابر البرية)، عوضا عن إجراء ترتيبات التأشيرة العادية، حيث تقوم الوكالات السياحية المعتمدة بإدراج كل المعطيات المتعلقة ببرامج الزيارة السياحية والمشاركين فيها من السياح الأجانب، وذلك عبر أرضية رقمية يتم الولوج إليها بمديريات السياحة والصناعة التقليدية للولايات المعنية”.
وذكر معوش، أنه من بين الأسباب التي روّجت للسياحة الصّحراوية، دور الإعلام وصناع المحتوى الذين روّجوا للسياحة الصّحراوية، وخير دليل على ذلك أنّ مجلة أمريكية اعتبرت أنّ موقع “طاسيلي ناخر” بجنوب الجزائر، أحد أهم الوجهات السياحية عبر العالم التي تنصح بزيارتها سنة 2023، ضمن قائمة تضم 52 وجهة سياحية عبر العالم، وهو ما فتح المجال واسعا أمام هواة السياحة في العالم حيث أقبلوا على الأماكن السياحية في البلاد خاصة في منطقة الصّحراء.
مئات الآلاف من السّياح
وحسب إحصاءات وزارة السياحة، فقد تم سنة 2021 إحصاء حوالي 1 مليون سائح جزائري وأجنبي للصّحراء، كما شهد النشاط السياحي إقبالا في عام 2023، من حيث إجمالي الوافدين، حيث تمّ تسجيل 3,292,508 سائحا، بزيادة قدرها 135.5% مقارنة بعام 2022.
بينما سجّلت سنة 2024، حوالي 22700 ألف سائح أجنبي و186 ألف سائح جزائري، زاروا الجنوب في الثلاثي الأول لموسم السياحة الصّحراوية 2024 و2025. حسب تصريح وزيرة السياحة والصناعات التقليدية حورية مداحي.
كل هذه العوامل وغيرها ــ يقول معوش ــ يضاف إليها عامل الأمن والاستقرار الذي تعيشه الجزائر، وسط محيط عالمي سريع التغيرات، حيث تبقى أكثر الدول أمانا في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا وفي القارة السّمراء ككل.
وبخصوص الجالية الجزائرية بالخارج، أبرز رئيس الجمعية، أنّ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عمل جاهدا على تسهيل زيارة السياح إلى الجزائر من مختلف بلدان العالم من خلال وضع إجراءات لصالح الجالية الوطنية بالخارج، من بينها إقرار تخفيضات في ثمن التذاكر، خاصة في موعد السياحة الصّحراوية أو الصيفية.
وبعد أن كشف المهتم بالشأن السياحي، أنّ السائح الأوروبي لا يبحث اليوم عن فنادق من خمس نجوم ووجبات من مطبخ عالمي، شدّد على أنهم حريصون على الابتعاد عن مظاهر المدنية، ويسعون لاختيار وجهات جديدة تزيدهم معرفة في حياتهم وتكسبهم مهارات جديدة، مثل الأماكن التاريخية التي تمكّنهم من الغوص في تاريخ الشعوب والتعرّف على أدواتهم الصناعية التقليدية وأنشطتهم اليومية التي تعكس بساطة العيش واختلافه، فالصّحراء عبارة عن بوابة زمن تدخل السائح أمكنة غير موطنه، إذ يريد السائح العيش في الصّحراء والاستمتاع بطبيعتها وفكّ أسرارها واكتشاف الكثير عنها. وأبرز معوش، أنّ بعض الجزائريّين يبحثون عن الإقامة بالفنادق ويسعون للحصول على الرفاهية في تلك الأماكن، حيث تختلف تلك الفنادق عن فنادق المدن الكبرى ببناياتها وطابعها الهندسي، وحتى في نوعية المأكولات والخدمات التي تقدمها.