قرّر الرّئيس عبد المجيد تبون، التوجه لإحداث “ثورة” إصلاحات في قطاع العدالة، وهذا من خلال تكييف النصوص القانونية مع الدستور، عبر إصلاح شامل ومراجعة أساليب العمل تتماشى والتطورات الحاصلة الوطنية والدولية، من أجل الوصول إلى عدالة قادرة على صون الحقوق والحريات، في إطار تحقيق أحد التزاماته بالاهتمام بيوميات المواطن.
بعد أن ترأّس افتتاح السنة القضائية التي أعلن من خلالها عن إصلاحات تمس قطاع العدالة، مرّ الرئيس تبون إلى السرعة القصوى خلال اجتماع مجلس الوزراء، الأحد الماضي، بإصدار جملة من القرارات المتعلقة بقطاع
العدالة، تخصّ إرساء مقاربة شاملة حول مشروع القانون العضوي المتعلق بالتنظيم القضائي لعقود قادمة، وهذا بإنشاء محاكم تجارية، وهيئات قضائية، عوض نظام الأقسام، لحل النزاعات ودّيا تسبق الشروع في التقاضي، فضلا عن مراجعة آليات الفصل، في قضايا العقار والبناء، بهدف التخفيف عن القضاة، للتفرغ أكثر لقضايا الجنايات والجنح، ناهيك عن مراجعة إجراءات الاستئناف، لدى المحكمة العليا، بما يراعي اختصاصاتها القضائية الكبرى، ويقلص المدة الزمنية، للفصل في القضايا المعروضة أمامها.
كما أكّد الرئيس على إعداد نص مشروع القانون المعدّل والمتمّم لقانون العقوبات، تشديد العقوبات، بالنسبة للمتورّطين في قضايا غلق المرافق العمومية، وتعطيل مصالح المواطنين.
هذه الإجراءات الجديدة، يقول عنها الأستاذ في القانون الدكتور احمد دخينيسة، إنّها تدخل في إطار عزم السلطات العليا في البلاد على إحداث إصلاحات جذرية في العدالة، حيث يجب أن تكون المقاربة الشاملة في إطار جيد ودائم للوصول إلى حلول دائمة، وصالحة لعقود، مبرزا ضرورة مواكبة الأمر مع إدخال تعديلات على قوانين أخرى تتعلق بالمحاكم والمجالس القضائية، إلى جانب إصلاح جملة من القوانين منها قانون الإجراءات المدنية، قانون الإجراءات الجزائرية، قانون العقوبات، لتشمل التنظيم القضائي ككل، وهي مناسبة لإصلاح المرفق من حيث ميكانيزماته، لأنّه ثقيل، مكلّف ومعرقل حاليا، للوصول إلى تنظيم قضائي يتميز بأكثر دقة، وأكثر سرعة”.
تكدّس القضايا وتعطيل الحياة العامة
إلى جانب تكييف التّنظيم القضائي مع روح الدستور، يجب أيضا - في منظور المتحدث - مراعاته للتطورات الحديثة الحاصلة التي عرفت تحولات كبيرة، حيث أن بعض المنازعات أخذت حجما أكبر منها، فالمعاملات التجارية كثرت وتعقّدت كميا ونوعيا، وبالتالي تتطلّب تكفّلا تنظيميا على مستوى المحكمة التجارية، كما تتطلّب تكوينا خاصا لرجال القضاء المكلفين.
وتحدّث دخينيسة عن المنازعات القضائية التي أخذت أكبر من حجمها، وتسبّبت في تكدس القضايا وتراكمها وتعطيل الحياة العامة، وأضحت حتى الأحكام سيئة بسبب وجود ضغط في العدد والتخصص لأنّها معقّدة خاصة العقار، مبرزا أنّ إنشاء محاكم تجارية، أصبح أكثر من ضروري بعد التطورات الحاصلة، بعد الولوج إلى اقتصاد السوق، حيث تعقّدت المعاملات مع الخارج وفي الداخل، في حين كانت على مستوى الأقسام بالمحاكم تعرف نقصا في التكفل بها، من حيث الإمكانيات وتخصص القضاة وتكوينهم، وبالتالي فإنّ المحكمة التجارية تفتح آفاقا أخرى.
وحول سؤال متعلق بشق مراجعة آليات الفصل، في قضايا العقار والبناء، بهدف التخفيف عن القضاة، للتفرغ أكثر لقضايا الجنايات والجنح، أوضح رجل القانون، أن قضايا العقار في الجزائر كثيرة وتعطّل عمل القضاة، خاصة وأن آلاف القضايا لا تُحلّ في مدة زمنية قصيرة، بل أنها تصل في معظمها إلى 10 سنوات للفصل فيها، وهي قضايا تمس العقار التابع للدولة، ونزاعات الخواص، مثل ما حدث في المناطق الصناعية التي وُجد فيها إشكال كبير، حيث أن الأراضي لم يُفصل فيها لحد الساعة، خاصة ما تعلق بقضايا الإرث، وهو أمر يصنّف في خانة المعرقل الأساس للاستثمار في الجزائر.
ونوّه دخينيسة إلى ضرورة التوجه إلى الفصل بسرعة في قضايا العقار والبناء، من خلال مراجعة آليات معالجة الملفات المطروحة امام القضاء، من أجل تفرّغ القضاة لقضايا الجنح والجنايات، وعودة الأولوية للحريات وحقوق المواطنين، حيث يجب استيعاب كل هذه الأمور، بالتسريع في البت في قضايا مشاكل العقار الذي يعرقل الحياة الاقتصادية، خاصة ما تعلق بالرخص والنزاعات، ليؤكد المتحدث على أن قضايا العقار تزخر بقضايا فساد، حيث كانت الكثير من الأراضي تمنح عن طريق الرشاوى لغير مستحقيها، وغيرها من الأمور المشبوهة التي يعرفها العقار في الجزائر. وكلّها أمور تعطّل الحياة اليومية، وكل ما ارتبط بالحريات وما تعلق بالحريات العامة الإستثمارية، ضف إلى ذلك مشكلة تسوية البناءات ــ يقول الأستاذ الجامعي ــ فهي كارثة لم يتم ايجاد حلول لها، ففي كل مرة يتم تمديد المدة بشكل عشوائي غير مدروس النتائج والعواقب.
حلول قبل الوصول إلى المحكمة العليا
في السياق، أبرز المتحدث أن هناك آلاف القضايا مدرجة في رفوف المحكمة العليا، تعود إلى عشر سنوات للواجهة، بعدما أصبحت في طي النسيان، وهو مشكل كبير جدا يجب إيجاد حلول قانونية له بتسريع البت في القضايا، ودائما خدمة للمواطن وضمان حرياته وحماية حقوقه.
وشدّد محدثنا على أنّ مراجعة إجراءات الاستئناف في المحكمة العليا، جاء بالدرجة الأولى من أجل تخفيف الضغط عن الهيئة القضائية ذاتها، من خلال تبسيط الإجراءات وتفعيل حلول بديلة مثل المصالحة، الوساطة والتحكيم، وهي حلول غير قضائية، وموجودة في القانون، لكن يجب تفعليها وإعطائها ميكانيزمات جديدة، حتى تتحرر المحكمة العليا من الضغط الرهيب، بخصوص قضايا الإستئناف التي تحول إليها، فضلا عن الذهاب للوصول إلى التسريع في القرارات، وعدم إغراق المحكمة العليا بقضايا غير مهمة، وتصبح قضايا النقض تبت على مستوى المحاكم الادارية.