رئيس قسم التاريخ والآثار بجامعة باتنة 1 لـ «الشعب»:

الثّورة الجزائرية رمز وجرائم فرنسا لا تسقط بالتّقادم

حوار: حمزة لموشي

 

 يؤكّد رئيس قسم التاريخ والآثار بجامعة باتنة 1، زين الدين باشي، على أهمية الحدث الوطني الخاص بالاحتفالات المخلدة لذكرى اندلاع ثورة التحرير، ودورها الحاسم في استرجاع السيادة الوطنية بما قدّمه الجزائريّون من تضحيات جسام عكست عشقهم للتّحرّر، وإيمانهم بالقضية العادلة ورفضهم للإستدمار الفرنسي، الذي حاول طمس الهوية الوطنية بكل معالمها وأبعادها. هذا ما يفصل فيه رئيس قسم التاريخ بذات الجامعة في حوار لجريدة «الشعب».


- «الشعب»: كيف يرى الدكتور زين الدين واقع العلاقات الفرنسية الجزائرية عشية اندلاع الثورة المجيدة؟
- رئيس قسم التاريخ والآثار بجامعة باتنة 1، زين الدين باشي:
 تقوم العلاقات الدولية في الأساس على مبدأ المصلحة المشتركة، غير أنّ ملف الذاكرة والعلاقة التاريخية بين البلدين يجزم بضرورة التعاملات الدبلوماسية المتبادلة في عدة مجالات، والتي نلاحظ من خلال تاريخ العلاقات اتّسامها بالمد والجزر حسب طبيعة الطرف الآخر.
لكن يبقى عدم الاعتراف بالجريمة التاريخية من طرف فرنسا في حق وطننا الحبيب، والتصريحات المسيئة والمساس غير المقبول بذاكرة 5 ملايين و630 ألف شهيد ضحّوا بأنفسهم عبر مقاومات شجاعة ضد الاستعمار الفرنسي عائقا حقيقيا أمام فرنسا في المعاملات اليوم.

- ف ترى تمسّك فرنسا وإصرارها على عدم الاعتذار عن جرائمها الاستعمارية في الجزائر؟
على ذكر الجرائم الاستعمارية، عشنا مؤخّرا ذكرى المجزرة التاريخية 17 أكتوبر 1961 في باريس في حق جزائريين لم يقولوا إلا كلمة حق في مظاهرات سلمية، تمّ تقتيل أكثر من 100 شهيد، وهي إحدى أهم المجازر التاريخية التي يشهد عليها المؤرّخون الجزائريّون والأجانب، والتي ارتكبتها الدولة الفرنسية بشكل عنصري لا يمت إلى الحضارة بصفة، وهذا فيض من غيض من مجازر فرنسا في الجزائر.
غير أنّ فرنسا بقيت متمسّكة بعدم الاعتراف بجرائمها المرتكبة، ومثال ذلك تكتمها على أرشيف الفترة الاستعمارية الخاص بالذاكرة الوطنية، والذي يهم الجزائر بالدرجة الأولى.

- ملف الذّاكرة من الملفات التّاريخية الثّقيلة والمرهقة التي تمنع تحقيق تقارب حقيقي بين الجزائر وفرنسا، وأثار جدلا وأزمات بين البلدين، ما رأيك في ذلك؟ وكيف ترى استقبال الرئيس الفرنسي لأحفاد الحركى وتكريمهم؟
-- يكتسي ملف الذّاكرة الوطنية أهمية قصوى بالنسبة للجزائر، فهو ذاكرة أجيال لاحقة من حقها معرفة تاريخها، أمام التطورات الإيديولوجية للعالم اليوم، فمن حق أبنائنا الاعتزاز بتاريخ حافل بالإنجازات والتّضحيات للشّخصية الوطنية الفذّة، وهذا ليس وليد الأمس بل هو واقع شمال إفريقيا منذ الأزل.

- وهنا يطرح الإشكال، لماذا يتهاون الطرف الفرنسي في إرجاع ملف الذاكرة الوطنية، أمام المساعي الحثيثة للدولة الجزائرية من أجل إنجاح هذه الخطوة، خاصة وأن الرأي العام الفرنسي مشتت تجاه الماضي الاستعماري لفرنسا؟
-- في آخر خرجة للرئيس الفرنسي الحالي يصف فيها الجزائر دون وعي تام بتاريخها، زاد من هوّة تباعد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، على غرار عديد التصريحات المسيئة، لكن تبقى الجذور التاريخية للأمة الجزائرية أقدم من الجمهورية أو الملكية الفرنسية وحتى اللغة الفرنسية.
إنّ موقف الدولة الجزائرية في علاقاتها مع النظير الفرنسي، يبقى مشرفا يتّسم بالوجاهة والرجاحة وتغليب العقل في كل المواقف، على عكس الموقف الفرنسي الحالي المتّسم بالعاطفة.
إنّ تكريم ما يسمّونهم «الأشخاص المشاركين في حرب استقلال الجزائر»، ونسميهم هنا عندنا بأبناء الحركى والخونة، هو أمر لا يعنينا أساسا لأنّ فرنسا هنا تكرّم أبناءها وليس أبناء الجزائر، فهذا شأن داخلي فرنسي، نحن أباؤنا شهداء وأبناؤهم أبناء شهداء.

- كيف ترد على تساؤل الرّئيس الفرنسي حول الأمّة الجزائرية قبل الاحتلال الفرنسي؟ وماذا وراء تصريحاته في هذا التوقيت عشيّة الاحتفال باندلاع الثّورة المجيدة؟
-- إنّ الجهل بعمق جذور الأمة الجزائرية هو جهل مركب، وليس بسيطا ولا يمكن علاجه في بضع أسطر، فالنظرية القائلة أن أصل الإنسان هو إفريقيا، وأقدم أوجه ثقافية في العالم توجد بالجزائر، ترد صراحة على تساؤل الجذور التاريخية، أما الهيمنة الجزائرية على حوض البحر الأبيض المتوسط، فهي تبرز قوة الدولة الجزائرية عبر التاريخ، ولا مجال للنقاش في ما هو متفق عليه من مؤرّخي وعلماء آثار الشرق والغرب.
إنّ خطيئة ماكرون التاريخية في تصريحاته المسيئة للجزائر هي استعطاف لفئة من المجتمع الفرنسي أكثر منها تصريحات سياسية دبلوماسية، فلا يجرؤ أي سياسي التّفوّه بمعلومات تاريخية مغلوطة أمام المجتمع الدولي، غير أنّ قراءة هذه التصريحات تختلف حسب الرؤى ووجهات النظر، لكن تبقى تصريحات مقصودة في وقت تتخذ فيه الجزائر قرارات هامة في المنطقة، وهي تستقبل أهم حدث في تاريخها المعاصر، ألا وهي الذكرى الـ 67 لاندلاع الثورة التحريرية.

- وما هو تقييمكم لرد الفعل الرّسمي والشّعبي بالجزائر على «جهل الرّئيس الفرنسي للتاريخ»؟
-- يعتبر رد الفعل الرّسمي الجزائري على تصريحات الرئيس الفرنسي، مشرفا جدا وعقلانيا أمام العنجهية الفرنسية وعدم تقديم أي تفنيد من طرف السلطات الفرنسية على ما صرّح به رئيس دولتهم، حيث أنّ استدعاء السفير الجزائري لدى فرنسا للمرة الثانية على التوالي من نفس السنة يعتبر صفعة دبلوماسية قوية لفرنسا، بالإضافة إلى منع الطائرات العسكرية الفرنسية من عبور الأجواء الوطنية، وتعتبر هذه الخطوة جد إيجابية في فرض منطق الاحترام المتبادل، بالرغم من جميع الخلفيات الفرنسية التي أسّاسها التاريخ الاستعماري العنصري قبل كل شيء.
إنّ رد الفعل الشّعبي الذي حشد جميع أطياف المجتمع ضد هذه التصريحات المغلوطة والعنصرية غير المفنّدة، كان عن قناعة وروح وطنية يتّسم بها كل مواطن جزائري داخل وخارج الوطن، وحتى «ستورا» نفسه المكلف بمعالجة ملف الذاكرة مع الجزائر يكذب تصريحات رئيسه، وهذا يدل على تكذيب العلم لهرطقة الرئيس الفرنسي.

- هل تعمّد الرّئيس الفرنسي وضع نفسه وبلاده في موضع الجاهل للتاريخ بتصريحاته الأخيرة حول تاريخ الجزائر؟
-- من المفروض أنّ الدولة الفرنسية ليست مرتبطة بشخص ماكرون، ومخابر البحث العلمي بفرنسا تعلم يقينا أنّ الخطأ لا يغفره التاريخ، لتبقى مواقف الرئيس الفرنسي الحالي الجاهل بالتاريخ وصمة عار في التاريخ الفرنسي.
وعرجنا من قبل حول طبيعة العلاقات بين الجزائر وفرنسا التي تتسم بالمد والجزر، فإنّ هذه المرحلة تعتبر منعرجا خطيرا في تاريخ العلاقات بسبب الكلمات والمواقف المتوالية غير المسؤولة للرئيس الفرنسي.

- حظيت ثورة التّحرير باهتمام كبير من الباحثين والإعلام، ومن خلال أبحاث ودراسات وطنية وحتى أجنبية، حدّثنا عن سبب الاهتمام الكبير بهذه المرحلة التاريخية المجيدة، وماذا عن الوثائق والأبحاث الأجنبية حول تاريخ الثورة الجزائرية؟
-- إنّ تاريخ الجزائر حافل بالمقاومة منذ الأزل، والتي تجسّدت في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر في التنظيم المحكم لانطلاقة الثورة الجزائرية المظفّرة، وهي أكبر حدث يمكن وصفه في الكتب والمصادر العربية والأجنبية، ولم يشهد التاريخ ولا علم الاجتماع ولا علم الآثار ولا غيرها مراحل تاريخية ومقاومة كهذه، شملت كل التراب الوطني وبلغ صداها كل دول العالم، واليوم تفردها الدولة الجزائرية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي تخصّصا قائما بذاته تحت اسم «تاريخ الثورة الجزائرية 1954-1962».
وتحتضن جامعة باتنة 1 هذا التّخصّص، وتبرع فيه بفضل المساعي الحثيثة لمدير جامعة وطاقم التدريس والهيئة العلمية لقسم التاريخ وعلم الآثار، وتعقد ملتقيات وندوات دورية تضم خيرة الباحثين في الأرشيف الوطني، من أجل استشفاف حقائق تاريخية كانت مغيبة خلال فترات سابقة بسبب التكتم الفرنسي على الأرشيف.
وعلى اعتبار أنّ التاريخ يجب أن يكتبه أبناؤه، فنحن نشجّع الباحثين الوطنيين في تاريخ الثورة الوطنية، وخاصة المطلعين على الأرشيف.

- إنّ توثيق الثورة التحريرية من قبل الجزائريين والفرنسيين أثّر على البحث العلمي الذي جعله يحتوي على نظريتين لثورة واحدة، هل ساهم هذا في عرقلة التوثيق والكتابة عن الثورة الجزائرية؟
-- لا توجد نظرية خلاف النظرة الوطنية، فالرأي الوحيد للثورة الجزائرية هو الإستقلال، وكل الوثائق والمستندات تدين فرنسا، حتى مجازر 17 أكتوبر 1961 بفرنسا تمّ تقديم تصريحات من طرف رئيس الشرطة مضلّلة عن مقتل 3 شهداء فقط، في حين كذب زملاؤه فيما بعد هذا التصريح ليصل العدد الى أكثر من 100 شهيد، وهناك من يقول أكثر من 200 شهيد من أصل حوالي 65000 متظاهر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024