مصدرا للأخبار لـ 70 بالمائة من الجزائريّين

الوسائط الاجتماعية سلاح خفــي لحــرب سيبرانيـة تواجههـا الجزائـر

فتيحة كلواز

 الإعلام الإلكتروني البديـل لمواجهـة «الإشاعة»

 في خضم حرب سيبرانية، الإشاعة سلاحها الفتّاك، تعزّزت قوّة «السّلطة الرّابعة» في صناعة مصير المجتمعات وإعادة بنائها، فكانت الوسائط الإلكترونية الوسيلة الأكثر نجاعة لتحقيق أهداف حربية بعيدا عن فرضية تنقل الجيوش على الأرض لربح المعركة، فكما أعادت القنبلة النووية منتصف القرن الماضي توازنات القوى العالمية، أصبح الإعلام الإلكتروني سلاحا قويا للدفاع عن مصالح الدول في عقر دار العدو.
ولأنّ الجزائر إحدى الدول الإستراتيجية، تعرّضت في السّنوات الأخيرة إلى هجمات متتالية قادتها وسائط اجتماعية «مأجورة»، حاولت بكل أنواع الإشاعة التشويش على الرأي العام الوطني وإثارة البلبلة في المجتمع، لكنها وبالرغم من فشلها في تحقيق ذلك، أبانت عن ضرورة امتلاك إعلام إلكتروني متمرّس يستطيع أن يرتقي لأن يكون مصدر المعلومة للجزائريّين.

 صنعت الوسائط الاجتماعية فارقا في نقل المعلومة في السّنوات الأخيرة حتى تحوّلت في وقت وجيز إلى مصدر «مهم» للخبر، وعلى الرغم من صعوبة التحقق من صدقها، اتّسع فضاؤها لتبلغ درجة صناعة الرأي العام للدول والمجتمعات، ولعل ما حدث في الثلاث سنوات الأخيرة خير دليل لقوّة الوسائط الالكترونية في جعل الاشاعة خبرا تتداوله مختلف المواقع الإخبارية، لذلك كان من الضروري بما كان إيجاد بديل رقمي لمواجهة الكم الهائل من الأخبار الكاذبة المتدفّقة، خاصة تلك التي تتّخذ من كل ما من شأنه ضرب استقرار الجزائر مادة دسمة، للتلاعب بمصيرها.
..ازدواجية فارقة
 درجت الوسائط الاجتماعية منذ بداية الألفية الثالثة في الاستحواذ على اهتمام المجتمعات لتصبح بعد سنوات قليلة فقط إلى وسيلة إقناع مؤثّرة، نجحت في قلب توازنات الدول وساهمت بشكل كبير في نجاح استراتيجيات لا تظهر معالمها في الميدان، لاستعانتها بمختلف الفضاءات الرقمية من أجل تحقيق غاياتها.
ومع بروز هذه الوسائط كقوة استراتيجية ومحورية، انتقلت الحروب وتوازناتها الدقيقة إلى الفضاء الرقمي من خلال توجيه الرأي العام ليبدأ عصر جديد من الحروب اصطلح على تسميتها بالحروب السيبرانية، تنطلق من منصات التواصل الاجتماعي التي كانت نتاج ثورة للذّكاء الصّناعي وتوظيفها للتّحكّم بالمحتوى عن طريق خوارزميات متطورة تتحكم في المتلقي بوسائط تعد «البوتات الاجتماعية» أو الروبوت الرقمي، وشبكات الذّباب الإلكتروني التي تعمل على تضليل الرأي العام.
وغالبا ما يوجّه مستخدموها بأخبار كاذبة مفبركة تظهر في صورة الواقعة المتكاملة الأركان، تشكّل وقت تلقيها وانتشارها السريع نقطة مهمة في تأليب الرأي العام، وتحويل اهتمامه عن الحقيقة حتى وإن كانت ساطعة وتوجيهه الى ما هو كاذب ليكون مصدر رد فعل غير محسوب العواقب.
وهو ما وضع «التشاركية» الإعلامية محل شك بسبب انها لم تحقق تلك الوسائط ديمقراطية الاتصال مثلما كان متوقعا من قبل، بل على عكس ذلك تماما وُجدت لتمنح النفوذ والقوة الاتصالية والإعلامية لنخبة لها القدرة على الوصول الى المعلومة، ما يعطيها الاسبقية في التلاعب بها حسب ما يراد من خلالها توجيه الراي العام.
هذا بالضبط ما عاشته الجزائر بشكل مكثف في الثلاث سنوات الأخيرة، حيث عرفت هجمات غير مسبوقة لزعزعة استقرارها، خاصة بعد حراك 22 فيفري 2019 أين وُضعت أجندات خاصة لإخراجه عن الإطار الذي اوجده، لذلك كان من الضروري إعادة توجيه مستخدمي الوسائط الاجتماعية من خلال إعلام إلكتروني ذي تكوين قوي لمواجهة هجمات سيبرانية تقودها جيوش رقمية من الذباب الالكتروني.
  الوسائط الإجتماعية بالأرقام
 كشف تقرير دولي شهر فيفري الماضي، أن نصف الجزائريين يستعملون الشبكة العنكبوتية، فيما ينشط 25 مليون على شبكات التواصل الاجتماعي، وما يزيد عن الـ 26.35 مليون شخص يستخدمون الانترنيت في الجزائر أي بنسبة 59.6 بالمائة من عدد سكان الجزائر، فيما ولج 46.82 مليون مستخدم الى الانترنت بواسطة الهواتف النقالة، ما يشكل نسبة 105.8 بالمائة.
وبلغ عدد مستخدمي الفايسبوك في الجزائر الى غاية جانفي   2021 أكثر من 23 مليون مستخدم يمثلون 71.8 بالمائة من عدد السكان، الذين يتجاوز سنهم الـ 13 سنة، فيما بلغ عدد المشتركين بمنصة «تويتر» أكثر من 625 ألف مستخدم، أي ما يمثل 2 بالمائة من عدد السكان ممن يتجاوز سنهم الـ 13 سنة، بينما سجل 6.80 مليون مستخدم لمنصة انستغرام، وأخيرا يستخدم 5 ملايين جزائري منصة «سناب شات».  
تعكس هذه الأرقام الخطر المحدق بمستخدمي الانترنت بسبب امكانية تحولهم الى جزء مهم من حروب الجيل الرابع والخامس من الهجمات السيبرانية لضرب استقرار الجزائر، ما يضع الاعلام الالكتروني في موقف صعب، خاصة وانه متأخر جدا بالنظر الى التطور الذي يميز من يقفون وراءها، في وقت حرر الهاتف الذكي مستخدمه من المكان ليجد نفسه سابحا فيه في أي مكان، ولعل نسبة ولوج 105.8 بالمائة من السكان تعطي بشكل واضح المكانة التي تحتلها الوسائط الالكترونية كمصدر للخبر والمعلومة.
حرب «النّدرة»
 أعلنت الوزارة الوصية شهر مارس الماضي، أن الوسائط الاجتماعية تمثّل مصدر الأخبار لـ 70 بالمائة من الجزائريين، ما جعل إشاعة واحدة تكفي لإحداث بلبلة وحالة خوف لدى المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم في حرب الكترونية يصعب فيها تمييز الكذب من الحقيقية، فكانت «حرب الندرة» التي لعب على وترها مريدو زعزعة استقرار الوضع في الجزائر في أكثر من مرة منذ ثلاث سنوات، ولعل كثيرون يذكرون الصور التي صنعتها إشاعة ندرة «السميد» و»الزيت» بداية جائحة كورونا شهر أفريل 2020، فبالرغم من توفر المادة، إلا أن إشاعة واحدة كانت كافية لجعل المواطن يتسارع لشرائها بكميات كبيرة خوفا من عدم توفرها في الأسواق.
لتزيد «ندرة» الأوكسجين في المستشفيات الصائفة الماضية بالرغم من تأكيد السلطات الوصية أنها ليست أزمة ندرة بل هو مشكل ازدياد الطلب على هذه المادة الحيوية بسبب الموجة الثانية للمتحور «دلتا»، لكن المواطن وبسبب تلاعب الوسائط الاجتماعية بأزماته أصبحت بالنسبة له مصدر المعلومة، لذلك يهرع الى الطوابير الطويلة والسوق السوداء من أجل توفير مادة استغلت استغلالا موفقا في «حرب» الندرة، ما جعله فريسة سهلة بين فكي المضاربين.
ولا يمكن التغافل عن تفطّن المضاربين للدور الذي تؤديه الوسائط الاجتماعية في نقل المعلومة، فقد استعملوها استعمالا منافيا للأخلاق في التعامل مع الازمة الصحية الاستثنائية المرتبطة بفيروس كورونا، فكانوا الوجه الآخر أو أحد الاذرع المسمومة الموجه نحو استهداف استقرار الجزائر وامنها.
ولم تكن المواقع الإلكترونية الـ 150 كافية لصد مثل هذه الهجمات التي تعتمد على المواطن البسيط وحاجياته وسيلة سهلة لتحويله الى سلاح خفي يعمل ضد مصالح بلده، لذلك كانت كورونا تجربة ميدانية وواقعية تعكس الضرورة القصوى لإعادة توجيه الـ 70 بالمائة من الجزائريين نحو مواقع الالكترونية جزائرية آمنة تعطي المواطن المعلومة الصحيحة والحقيقة الكاملة في حينها لمنع توظيفيها خارج سياقها.
توظيف إيجابي
 ولنا أن نتّخذ من الدور الذي تقوم به الوسائط الاجتماعية في منع انزلاق الوضع بعد الجريمة البشعة لقتل وحرق جمال بن إسماعيل في شهر جويلية الماضي مثالا على قوتها إن وظّفت بالطريقة الصحيحة، ولنتخيّل فقط لو كان عجز في مواجهة تلك الهجمات في استغلال الحادثة، ستكون الحقيقة الواحدة حينها بلوغ الحرب السيبرانية هدفها، لكن مواجهة ذلك المشروع في مختلف الوسائط الاجتماعية أعطى الجزائر قوة أكبر في مواجهة الأسوأ، ففوّتت الفرصة على من يقفون وراء الذباب الالكتروني.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024