المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث:

الجزائر «ورقة رابحة» للهروب من الأزمات الداخلية الفرنسية

حوار: فتيحة كلواز

 لا نيـة فرنسيـة للتنـازل عن ملف «الأقدام السوداء»

 ماكرون مُسير من طرف لوبيات صهيونية نافذة في باريس

في كل مرة تواجه فيها فرنسا أزمات داخلية تطفو على السطح أزمة دبلوماسية يثيرها «قصر الإليزيه» مع الجزائر، يعتبرها المختصون انعكاسا لسياسة تمدرس أصحابها على يد كولونيالية لم يستوعب أصحابها بعد استقلال الجزائر ولم يتأقلموا مع حقيقة أنها أرض ذات سيادة. قال المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث، في حوار مع «الشعب ويكاند»، إن ماكرون في سقطته الدبلوماسية أساء إلى الشعب الجزائري وتاريخه، متجاوزا بذلك كل الأعراف الدبلوماسية والعلاقات الدولية، لتضع الإجراءات المتخذة من طرف الجزائر تجاهها النقاط على الحروف، ما جعل الرئيسي الفرنسي يغير لغة خطابه مع الجزائر دولة وشعبا.

أكد المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث، أن العلاقات التي تجمع بين البلدين مرهونة بتسوية عدة ملفات، لخصها في أربعة ملفات هي: الجيش الاستعماري الإجرامي الذي تسبب في إبادة ما يزيد عن عشرة ملايين من الشعب الجزائري، والديون التي في حوزة الفرنسيين تجاه الجزائر والتي تزيد 24 مليون قطعة ذهبية، بالإضافة الى ملف المفقودين وأخيرا التفجيرات النووية.
الشعب: كيف ترون إثارة فرنسا المشكلات مع الجزائر في كل مرة تواجه فيها أزمات داخلية؟
محمد الأمين بلغيث: يبدو أن أطروحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذه المرة، جاءت وفقا لسوء تقدير أوضاع الدنيا في هذه الألفية، حيث يبحث الناس عن الانعتاق من هيمنة الدول الاستعمارية التقليدية. لكن هذه المرة، وفقا للقراءات المتأنية، ساكن الإليزيه تجاوز كل الأعراف الدبلوماسية في العلاقات الدولية.
فمنذ بضعة أشهر أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومن دون سابق إنذار، اقتناعه بـ»ضرورة إعادة النظر في ملف الذاكرة الجزائري»، ما اعتبر في الجزائر استباقاً لشروط فرنسية، رداً على طلب وزير خارجية الجزائر فتح هذا الملف خلال لقاء جمعه بجون إيف لودريان، فما هي الشروط الفرنسية يا ترى؟.
يعتقد أكاديميون أن لا نية لدى السلطات الفرنسية للتنازل عن ملف «الأقدام السوداء»، وهذه فئة كبيرة من الفرنسيين ولدوا في الجزائر وغادروها بعد الاستقلال. والملف يشمل، وفقاً للنظرة الفرنسية، ملف «أملاك المعمّرين» وجعله في صلب المحادثات الرسمية بين البلدين. علماً أن كثيرا من المعمرين المعروفين بـ «الأقدام السوداء» شرعوا برفع دعاوى قضائية محلياً لاسترجاع عقارات تركوها بعد الاستقلال.
و»الأقدام السوداء» هم آلاف من الفرنسيين الذين غادروا الجزائر، بعد استفتاء تقرير المصير الذي جرى في 1 جويلية 1962. وتطالب جمعيات تدافع عنهم منذ سنوات، السلطات الفرنسية برفع طلب تعويض من نظيرتها الجزائرية عن ممتلكات تركوها في الجزائر بعد مغادرتها.
ومنذ أقل من أسبوع أصبح الحديث عن مظالم طالت الحركى وأبناء الحركى وأحفادهم حديث الساسة والإعلام في فرنسا وقلنا هذا شأن فرنسي. لكن هذه المرة، الرئيس الفرنسي تجاوز كل الأعراف الدبلوماسية، وتدخل في تاريخ الجزائر الحديث، وأعتقد أنه ليس مستغربا من أبناء وأحفاد المدرسة الكولونيالية.
- ما تفسيركم لتصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة، والتي جاءت أقل حدة من الأولى أو مغايرة لما قبلها؟
 استمعت، ككل المتابعين للشأن الفرنسي المتعلق بالجزائر، للغة جديدة في خطاب ماكرون بعد الانزلاق الذي أدى إلى اتخاذ إجراءات سيادية من طرف الجزائر، مثل غلق المجال الجوي الجزائري في وجه الطائرات العسكرية الفرنسية، ويبدو أن هذا الإجراء كان مؤلما، خاصة أن فرنسا تأخذ كل يوم صفعة من خلال تعاطي حكومة ماكرون مع الشأن الدولي.
- ما تعليقكم على رد الفعل الدبلوماسي للجزائر تجاه تساؤل ماكرون إن كانت هناك أمة قبل الاحتلال الفرنسي؟
 الجزائر دولة قبل دولة فرنسا التي صنعتها الإمبراطوريات الألمانية فسموها «فرانكا» بعد ما كانت تعرف في التاريخ (بلاد الغال). وهم من حاولوا أن يرسخوا في ذاكرة مستعمراتهم الإفريقية قولهم «أسلافنا الغاليون».
الجزائر في الخرائط الإيطالية منذ النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي معلومة ومهابة هي الجزائر بالإيطالية الجميلة (ALGERI) أو (ALGERII).
والوثائق الفرنسية تدون في سجلاتها وحولياتها علاقتها التجارية والدبلوماسية والسياسية من أكثر من ممثل فرنسي منذ 1564 إلى غاية 1827 من دارتهولي (Dartholle) إلى بيير دوفال سيء الذكر (pierre Duval).
وكانت فرنسا تحت حماية الأسطول الجزائري لفترة طويلة جدا. ومن يعود إلى موسوعة المرحوم مولود قاسم، يجد الإجابة الوافية بكل المعاهدات وأسماء القناصل الفرنسيين. ولكن يبدو أن ساكن الإليزيه تحول من مسير للشأن الفرنسي إلى مؤرخ إيديولوجي، هو خميرة صادقة للفكر الاستعماري الذي لا يزال عالقا بأذهان الناشئة في فرنسا، على الرغم من شروق شمس الحرية على بلدنا منذ أن طردنا أحفاد شذاذ الأفاق من بلدنا. لكن يبدو أن السرطان المتقدم الذي لا يزال يجد من يدافع عنه ثقافة ولغة سموها «غنيمة حرب»، هي التي جرأت ساكن الإليزيه على أحفاد بن مهيدي. ويكفي أن نعرف أن الأفارقة إذا أرادوا التخلص من «السوسة المدسوسة» عندهم قالوا كونوا كالجزائريين أحفاد العربي بن مهيدي.
- كيف ترى حقيقة المشكل الموجود بين الجزائر وفرنسا؟
 ما بيننا وبين الفرنسيين، كما أتصور، ملفات عديدة، أرتبها بحسب اجتهادي وهي الملفات المؤجلة إلى اليوم.
 أولا: ملف الجيش الاستعماري الإجرامي الذي تسبب في إبادة ما يزيد عن عشرة ملايين من الشعب الجزائري بحسب تقديرات الدكتور المجاهد والمؤرخ يحيى بوعزيز، انطلاقا مما سجله حمدان بن عثمان خوجة صاحب المرآة وما أكده الصحفي الفرنسي النزيه ميشال أبار في كتابه الشهير «قصة نكث عهد» (Histoire d’un parjure).
ثانيا: ملف الديون التي في حوزة الفرنسيين تجاه الجزائر والتي تزيد 24 مليون قطعة ذهبية وكل قطعة تزن ما بين 3,7 و3,1 غرام بحساب هذا الزمن. فعلى فرنسا دفع ما نهبته أو استدانته والذي كان سببا رئيسا في الاعتداء على سيادة دولة ذات سيادة أطعمتها بعد أن جاعت، لكن يبدو أن أحسن وصف لهذه السلوكيات من الدولة الفرنسية هو ما سجله شاعر الجزائر مفدي زكريا رحمه الله في الخالدين
وجاعت فرنسا فكنا كراما
        وكنا الألى يطعمون الطعاما
فأتْخَمها قمحُنا الذهَبيُّ
         وكم تُبطرُ الصَّدقات اللئاما.
ثالثا: ملف المفقودين طيلة الثورة الجزائرية وقبل ذلك مأساة الجزائريين المنفيين إلى آخر الدنيا في كاليدونيا الجديدة وسان مارغريت وغيرها من المنافي التي لا تليق بالحيوانات، فما بالك بالبشر.
رابعا: ملف التفجيرات النووية أو الجريمة النووية الفرنسية التي ستبقى أثارها الخطيرة على الأرض والإنسان لملايين السنين.
وبعد ذلك خلاصة هذا بيننا وبين فرنسا، مسألة الاعتذار والتعويضات واسترجاع الأرشيف وكل ما يمت بصلة للدولة الجزائرية من اقتحام مغول القرن التاسع عشر والقرن العشرين حياضنا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024