لما يقارب الخمسة عشر يوما ينتظر الأولياء حلا نهائيا لمشكلة أرقت يوميات أبنائهم المتمدرسين، بسبب عدم توفر الكتب المدرسية، التي أضحت في الأيام الأخيرة أهم ما يبحث عنه المواطنون، فلا المؤسسات التعليمية ولا المكتبات ولا محال بيع الأدوات المدرسية استطاعت توفيرها، وإن استطاعت ذلك يجد أصحابها أنفسهم أمام قائمة طويلة من الأولياء في انتظار دورهم للحصول على كتاب مدرسي، حتى وإن كان بأسعار مضاعفة.
تداولت صفحات مختلف المواقع الاجتماعية صور أولياء يقفون في طابور ليلي استمر إلى ما بعد ساعة الحجر المنزلي، في انتظار عودة صاحب المكتبة بالكتب المدرسية بعد أن وعدهم بإحضارها في التاسعة والنصف ليلا.
«الشعب» سألت الأولياء عن الكتب المدرسية، التي ما تزال تصنع الحدث بعد أكثر من عشرة أيام من الدخول المدرسي.
نقطة سوداء
حتى يتحصل على ما تبقى من الكتب المدرسية أوصى محمد زايدي، أب لطفلين في الطور المتوسط، أصحاب المكتبات ليضعوه في قائمة الانتظار، حيث قال لـ «الشعب»: «بالرغم من مرور ما يقارب خمسة عشر يوما إلا أنها ما تزال تعرف ندرة في المحلات، والمؤسسات التعليمية التي سجلت أسماء التلاميذ الراغبين في شرائها إلا أنها لم توفرها بعد، ما أوقع الكثير من التلاميذ في حرج أمام الأساتذة الذين يكلّفونهم في كل مرة بواجبات منزلية هي عبارة عن تمارين من الكتب المدرسية. الغريب في الأمر، أن أغلبهم لا يأخذ بعين الاعتبار الندرة التي تعرفها الكتب المدرسية، فعلى غير العادة عرفت هذه السنة نقصا كبيرا فيها، خاصة مادة اللغة العربية، التربية الإسلامية، الفرنسية والتربية المدنية، إلى جانب كتب الأقسام النهائية التي تعرف نقصا رهيبا أربك التلاميذ والأساتذة في نفس الوقت».
في هذا الصدد، تساءل محمد زايدي عن «جدوى التحضير للدخول المدرسي لشهور وطبع ملايين الكتب تجاوز عددها 80 مليون كتاب، ليجد التلميذ نفسه وأولياءه في دوامة البحث عن كتاب مدرسي كان من المفروض توفره، خاصة وأن الدخول المدرسي أجل بسبب الأزمة الصحية الاستثنائية، فلا يمكن تجاوز تأثير عدم توفرها على مستوى شرح الدروس وإلقائها، لذلك كان لزاما إيجاد حل لهذا المشكل دون أن ننسى معاقبة المسؤول عنه، لأنها نقطة سوداء في دخول مدرسي وفرت له كل الإمكانات ليكون عاديا».
وجدت مليكة.ي، نفسها أمام خيار وضع نداء في الفيسبوك من أجل توفير الكتب المدرسية لابنها المتمدرس بالطور الثانوي، حيث أطلقت نداء لجميع أعضاء مجموعة تضم أولياء تلاميذ من مختلف الأطوار التعليمية، حيث قالت في هذا الصدد: «تعودت في السنوات الماضية الحصول على الكتب من المؤسسة التعليمية التي يدرس بها إبني، لأنه مسجل في قائمة المعوزين، لكن وبسبب تأخر توزيعها على التلاميذ المعوزين، وجدت نفسي مضطرة إلى توجيه نداء في مجموعة على الفايسبوك من أجل شرائها أو الحصول على كتب قديمة، لكن لم أستطع توفير الكتب كلها، والسبب النقص الشديد الذي جعل الكثير من العائلات تتبادل الكتب ولا تشتري كتبا جديدة لندرتها».
وعن الأزمة التي عرفها الأسبوع الأول من الدخول المدرسي، قالت مليكة: «فَقَد المجتمع الجزائري الكثير من مظاهر التكافل الاجتماعي في العقدين الأخيرين، فمازِلت أتذكر جاراتنا عندما كانت تأتي بعد انتهاء السنة الدراسية لمبادلة الكتب المدرسية، حيث تعطيها أمي تلك التي يحتاجها أبناؤها وتعطينا ما أحتاجه وإخوتي، فقد كان الفارق بيننا وأبنائها سنة واحدة، ما يعني أن كل واحد يعطي كتبه المدرسية للذي يدرس في السنة الأدنى، لكننا اليوم لم يبق لهذه الظاهرة مكان، بالرغم من انهيار القدرة الشرائية حتى أصبح رب الأسرة في حيرة من أمره في ترتيب أولوياته، زادها الدخول المدرسي وندرة الكتب تأزما».
«جوميا دي زاد» جَنَّبَني الوقوع في المشكل
بالرغم من النقص الكبير الذي تعرفه الكتب المدرسية في المحال والمكتبات والمؤسسات التعليمية، توجه بعض الأولياء إلى التجارة الإلكترونية من اجل شرائها، فقد تمكنت «نَزهة دوالي»، من شراء كتب السنة أولى متوسط من موقع «جوميا دي زاد» الذي وفر خدمة بيعها. وأوضحت نزهة في هذا الإطار: «على خلاف ما فعله أغلب الأولياء بالتوجه إلى نقاط البيع أو المكتبات، وجدت إشهارا على صفحتي بالفايسبوك لبيع الكتب المدرسية، ترددت في البداية، لكن وبسبب التزاماتي المهنية فضلت شراءها عبر الأنترنت. وبالفعل بعد أيام فقط تم توصيلها إلى المنزل، لأجد نفسي بعد الدخول المدرسي أمام خيار جنَّبني مشكلة حقيقية بسبب نقص الكتب المدرسية في المؤسسات التعليمية وفي مختلف الأطوار... مشكلة لم نتعود على حدوثها، فحتى في ظروف أصعب، كنا نواجه نقصا في مادة أو اثنتين وليس كلها، ما يستدعي إيجاد السبب الحقيقي وراء هذه الندرة، فإذا كانت مجرد أزمة مفتعلة فالأمر خطير، لأننا أمام ابتزاز ومساومة أجيال كاملة في مستقبلهم».
شراء الكتب المدرسية عبر الأنترنت مع توفر خدمة التوصيل، كان خيار سميرة العام الماضي بسبب الأزمة الصحية وخوفا من العدوى توجهت إلى الانترنت لشرائها، حيث قالت: «في العام الماضي وبسبب الأزمة الصحية الاستثنائية وخوفا من إصابتي أو أحد أبنائي بالعدوى، اشتريت الكتب المدرسية عبر الانترنت، خاصة مع توفر خدمة التوصيل. وبالفعل، استطعت الحصول على جميع الكتب المطلوبة، لذلك كان خياري هذه السنة أيضا، والحمد لله استطاع أبنائي من الانطلاق في السنة الدراسية بصفة عادية».
ولاحظت في ذات السياق، غياب الترويج الإعلامي للبيع الإلكتروني للكتب المدرسية، وشرحت قائلة: «بالرغم من تعاقد ديوان المطبوعات المدرسية مع موقع جوميا الجزائر لبيع الكتب المدرسية، إلا أن العملية لم تعرف رواجا بسبب غياب حملات دعاية والترويج الإعلامي اللازم لإطلاع الأولياء على هذه العملية، خاصة وأنها تجعلهم يتفادون الطوابير ورحلة البحث عن الكتب في حالة وجود نقص أو ندرة كما نعيشه اليوم، خاصة وان مديري الابتدائيات قاطعوا عملية البيع بسبب منحة إضافية على عملية البيع، لذلك نحن اليوم أمام تحدي اعتماد بيع الكتب عبر الأنترنت كطريقة أساسية لحصول التلميذ عليها، طبعا مع توفر تدفق أنترنت يسمح بانتشارها في جميع ولايات الوطن».
إسم إضافي في قائمة سماسرة الأزمات
جمال وبعد رحلة بحث طويلة عن كتب السنة أولى ثانوي علوم تجريبية، اتجه إلى ولاية الجلفة أين يقطن أحد أقاربه من أجل الحصول على كتب ابنه الذي انتقل إلى السنة الثانية ثانوي في نفس الشعبة. سافر إلى التل الصحراوي حتى لا يبقى ابنه في حالة انتظار متى تتوفر الكتب المدرسية التي ورغم نقاط البيع المفتوحة، لم يتمكن الأولياء من توفيرها لأبنائهم المتمدرسين.
وقال في هذا السياق: «في كل سنة ومنذ التحاق أبنائي بالمدرسة اشتري الكتب المدرسية من المتمدرسين، لكن وعلى عكس ما تعودت عليه في السنوات الأخيرة، لم تباع الكتب المدرسية الى غاية حديثي معكم في الثانوية أو المتوسطة التي يدرس بها أبنائي، لذلك وجدت نفسي مضطرا الى إيجاد طريقة للحصول عليها، وبينما تحصل ابني المتمدرس في المتوسطة على الكتب من أحد الجيران، كان علي السفر إلى الجلفة للحصول على كتب السنة أولى ثانوي من أحد أقاربي الذي أنقذني من ورطة حقيقية، وإلا لكنت مازلت ابحث عمن يبيعها لي حتى وان كان في السوق السوداء».
واستطرد جمال قائلا: «استغل أصحاب المكتبات في الأسبوع الأول نقص الكتب المدرسية فضاعفوا سعرها، فبينما كان سعر كتب السنة أولى متوسط قبل النقص 3000دج، أصبح مع بداية الأزمة 3500دج لتصبح هذه الأيام 4000دج، ما يعني أن الجزائري او صاحب المكتبة انضم الى قائمة السماسرة المتربحين من الندرة، لكن أن يتحول الكتاب المدرسي الى مجرد عدد إضافي في معادلة الربح والخسارة فهذا انهيار حقيقي في مبادئ وأخلاق المجتمع».