ضحايا «الفلوكة» و«البوطي» في المشهد

شبكات داخلية وخارجية تصطاد شباب الجزائر

هيام لعيون

لم تعد ظاهرة الهجرة غير الشرعية والمعروفة محليا «بالحرقة»، تحمل أبعادا اقتصادية واجتماعية فقط، بل أضحت ظاهرة تستغلّها أطراف داخلية وأجنبية في محاولة منها لاستعمالها كورقة رابحة للضغط على الجزائر، وتشويه صورتها السياسية والدبلوماسية الحافلة بالإنجازات، وهي التي تعيش إصلاحات سياسية وتسير في اتجاه استكمال بناء المؤسسات المنتخبة، بما يتوافق ومبادئ الدستور.
يشير آخر بيان صادر عن وزارة الدفاع الوطني، إلى إحباط محاولات هجرة غير شرعية بسواحلنا الوطنية وإنقاذ 357 شخص كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع، وتوقيف 133 مهاجر غير شرعي من جنسيات مختلفة بكل من تلمسان وورقلة وتبسة.
هذه عينة فقط عن صور ومشاهد، أضحت تتكرّر يوميا خلال الأشهر القليلة الماضية، زادت حدّتها الأيام الأخيرة. فالهجرة السرّية، أو غير النظامية أو الحرقة عبر البحر، في محاولة الوصول إلى السواحل الأوروبية، باتت، للأسف، مقبرة لضحايا تجار أحلام كاذبة، موازاة مع غياب إحصائيات سنوية حول الظاهرة، وأصبحت مقاطع الفيديو التي يوثقها الحراقة عبر هواتفهم مشهدا يتكرر دوريا.
السؤال الذي يطرح اليوم بقوّة، لماذا تنامت وبشكل ملفت الظاهرة، خلال الأيام القليلة الماضية، حيث كثر الحديث عنها وانتشرت صور وفيديوهات «لحراقة»، وهم يشقون عباب البحر، متجهين إلى «الجنة الأوروبية الموعودة، عنونها سراب»، بشكل لفت الانتباه يذكر بموجات هجرة غير شرعية شهدتها الجزائر في السابق، خاصة وأنها لم تعد تقتصر على الشباب فقط، بل أضحى أبطال «الفلوكة» أو «البوطي» رضعا، أطفالا، كهولا ونساء أيضا.
فالهجرة غير الشرعية رغم خطرها، أصبحت تمثل تجارة مربحة يجني منها منظموها أموالا طائلة، حيث أصبحنا أمام شبكات تنظم رحلات الحرقة وتجني أموالا طائلة، وصلت قيمة الرحلة الواحدة في عديد الحالات إلى 80 مليونا، مثلا من عنابة إلى سردينيا الإيطالية، بحسب شهادات الحراقة.
شبكات إجرامية بإياد جزائرية وأجنبية
أمر يؤكده المحامي لدى مجلس قضاء الجزائر عبد الواحد فريد، مشيرا إلى أن ظاهرة الهجرة السرية، لا ترتبط فقط بأسباب اقتصادية فقط، وإنما لديها دوافع أخرى، في محاولة لعصابات المال وشبكات التهريب الإيقاع بالشباب وإقناعهم بضرورة الهرب من البلاد ولو بمبالغ مالية كبيرة، تستغل أوقات معينة لذلك، مثل المواعيد السياسية مثلا. طبقا له.
وأوضح المحامي في تصريح لـ «الشّعب»، وجود عصابات التهريب التي تعمل في الخفاء للتضخيم والترويج للحرقة في فترات معينة، لخداع أكبر عدد من الضحايا، مبرزا أن «هناك أطرافا وجهات داخلية تعمل على تكثيف الظاهرة في وقت معيّن، لأنها منظمة بشكل كبير، تستهدف الشباب، حيث يريدون أن تصبح الجزائر «عجوزا» مثل أوروبا، لكن هذا لا يجب أن يغفلنا عن المشاكل الاجتماعية، إذ لابد من مواجهتها، موازاة والتصدي للشبكات الإجرامية والضرب بيد من حديد من قبل الأجهزة الأمنية والقضاء».
وسألنا عبد الواحد، حول بروز الظاهرة فجأة، واختفائها أو قلة حدتها في أوقات أخرى، بغض النظر عن اختيار الظروف الملائمة، مثل تحسّن الجو وغيرها، فكان رده بأن «هناك تنظيمات وعصابات تقف وراء الأمر، هناك شبكات داخلية بالتعاون مع أطراف خارجية تستغل هذه الظروف، لكسب زبائن جدد، وأموال طائلة. فالحرقة أضحت تدرّ ذهبا على تلك العصابات، المستفيد الأول، لذلك تسمى «عصابات الموت».
أمّا بخصوص أسباب الظاهرة، فيعتبر الأستاذ فريد، أن «الاعتقاد بأن الأسباب الحقيقية التي تحرك الأفراد نحو الهجرة السرية هي اقتصادية محضة غير كاف، فالعصابات تعمل على وتر تلك المشاكل الاجتماعية لصالحها لتنظيم رحلات لقوارب الموت»، غايتها الحصول على أموال بطريقة سهلة وإن كان ثمنها حياة شباب.
ويبرز الأستاذ عبد الواحد فريد، أنّ ظاهرة «الحرقة» هي ظاهرة اجتماعية خطيرة على المجتمع، خاصة على الشباب الجزائري، مع وجود تنظيمات إجرامية تسيّر علمية الحرقة، ويتسببون في مآس لعائلات الضحايا، لأن فلذات أكبادها يتوفون في عرض البحر، وحتى للذين يصلون إلى الضفة الأوروبية الأخرى، أصبحوا ورقة ضغط على الدولة، لأنهم يثقلون كاهلها».
وأضاف محدثنا، «هناك من الحراقة من يقومون بإتلاف كل وثائق الهوية التي تثبت انتماءهم للجزائر، على غرار بطاقة التعريف الوطنية، وجواز السفر وكل ما هو جزائري، ليصعب التحقق من هويتهم عند محاولة إعادة ترحيلهم، مع مخاوف من دخول البلاد مجرمين أو حتى محسوبين على شبكات عالمية مشبوهة، حيث أن هناك آلاف الأشخاص اعتبروا الجزائر كورقة عبور مثل الأفارقة».
وحول سؤال متعلق بالتصدي للظاهرة من الناحية القانونية، أكد الأستاذ أن «المشرّع تصدى لها عن طريق إلحاق عقوبات حسب تكييف الجريمة، بدءا من الحرقة وصولا إلى المنظمين، حتى أنها وفي بعض الحالات تصنف جناية حسب الجرم المنسوب، في وقت تعجّ المحاكم بالمئات من القضايا المرفوعة أمام القضاء الجزائري».
بوهيدل: يستغلون الحرقة لمحاولة تشويه صورة البلاد
من جانبه، حذر الأستاذ بجامعة الجزائر والمحلل السياسي، رضوان بوهيدل، من وجود جهات أجنبية تستغل الظاهرة لمحاولة تشويه صورة الجزائر، وهذا ما يسمى بالتوظيف السياسي الخارجي، من قبل دوائر معادية للجزائر التي تصطاد في المياه العكرة».
وأوضح بوهيدل لـ»الشعب»، أن وجود إصلاحات سياسية، ومحاولة الوصول إلى تغيير واستكمال بناء مؤسسات الدولة، زادها التحرك الدبلوماسي الجزائري الكبير في المنطقة، كلّها عوامل تجعل من الأعداء يتكالبون على الجزائر ويستغلون مثل هذه الظواهر الاجتماعية، للضغط أكثر على صنّاع القرار في البلاد، وهذا طبقا لمتابعاتي لصحافة المغرب التي تتكالب على الجزائر وتستغل الظاهرة لصالحها».
لذلك، يضيف، لابد من إيجاد حلول تقنية وعملية وأمنية واقتصادية وسياسية وقانونية. علما أن ثمن رحلة الموت وصل اليوم إلى 90 مليون سنتيم، وهو مبلغ مالي يمكّن الشاب من فتح مشروع صغير، لذلك يجب الإسراع في إيجاد حلول نفسية واجتماعية، تربوية واقتصادية لتصحيح المعادلة.
وشدد على أن الحرقة «ظاهرة موجودة، وتزداد في أوقات معينة. فالجهات الأجنبية تستغل الأمر للتخلاط في البلاد، مبرزا أن منحة البطالة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، قد تساهم في الحد من الظاهرة».
دخينيسة: لا حلّ للحرقة دون دراسات وإحصائيات
من جانبه، أكد أستاذ القانون العام بجامعة الجزائر الدكتور أحمد دخينيسة، «ضرورة المعالجة القانونية لظاهرة الحرقة، بعد أن تم تجريم الفعل والعملية ككل، ولكلّ الذين يسهمون فيها، فهي عمليات غير قانونية ومخالفة للنصوص الوطنية والدولية، مشددا على أن «المعالجة القانونية للظاهرة لم تسبقها دراسات معمقة تجريها مراكز بحوث، وتصاحبها حلول اجتماعية واقتصادية. فالقانون اليوم وبعد سنوات من سنّه، لم يردع الظاهرة التي هي في تزايد، حيث لا نملك إحصائيات دقيقة حول الحرقة، كما لا يوجد إعلام يتناول الظاهرة من نواح مختلفة، مثل ما حدث في دراسة ظاهرة حوادث الطرق، حيث ظهرت دراسات وإحصائيات حول الأمر».
وأضاف يقول، «وعلى ضوء غياب كل هذه المؤشرات، كيف لنا من إيجاد حلول ناجعة للحرقة. لذلك لابد من وضع تأثير القانون القبلي والبعدي على الظاهرة، الذي يقتضي توفير إحصائيات وأرقام ومعطيات حول الظاهرة»، قائلا: «السؤال المطروح اليوم من يزودنا بمعطيات حول الحرقة، وأي وزارة تتابع الملف حتى نصل الى مقاربة علمية وليس مقاربة الأخبار المتفرقة فقط».
وتشير بعض الإحصائيات، أنه وفي مارس 2021 كشفت بيانات حديثة لوزارة الداخلية الإيطالية عن وصول 5808 مهاجر غير شرعي إلى شواطئها منذ بداية السنة، يشكل الجزائريون منهم نسبة 5٪.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024