دخلت التحضيرات للانتخابات المحلية المسبقة، المقررة في 27 نوفمبر المقبل، مرحلة في غاية الجدية، حيث تعكف الأحزاب والقوائم المستقلة، على جمع توقيعات الاكتتاب الفردي. في وقت تؤكد السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، قدرتها الكاملة على “تأمين” أصوات الناخبين وضمان نزاهة الاقتراع.
على الرغم من هواجس مرتبطة بنسبة المشاركة، إلا أن ما يعرف “بحمّى الانتخابات” مازالت لصيقة بشكل واضح بالانتخابات المحلية، إذ انطلقت عمليات جمع التوقيعات بكافة الدوائر الانتخابية.
وبالنظر للطابع الجواري الخاص الذي يميز المجالس البلدية والولائية، بحكم التقارب والتعارف المباشر والشخصي، للمترشحين بالمواطنين، فقد بدأت رقعة التنافس الافتراضي، تزداد يوميا، ووصل الأمر في بعض بلديات الوطن إلى ما يمكن تسميته بحملة انتخابية مسبقة.
وباستثناء بلديات مقرات الولايات، لازالت أسماء الأشخاص وحضورهم الشخصي، في الحياة العمومية، المحدد الرئيسي في بناء توقعات النتائج، حيث يتداول المواطنون أسماء معينة باعتبارها الأكثر حظا، بغض النظر عن حاضنتها السياسية.
في وقت سجلت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، سحب 48 حزبا، لملفات الترشح للانتخابات البلدية، فيما أبدى 47 حزبا نية المنافسة على مقاعد المجالس الولائية، إضافة إلى عشرات القوائم المستقلة.
ومع سحب أزيد من 11 مليون ونصف استمارة ترشيحات، إلى غاية 19 سبتمبر، يتأكد مرة أخرى ارتفاع مؤشر الانخراط والرغبة في التمثيل السياسي لدى فئات واسعة في المجتمع بما فيها الشباب، الذين خصهم القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، ببنود تشجع وتحمي ترشحهم ضمن القوائم الحزبية أو المستقلة.
وبعيدا عن الخارطة السياسية، التي تعكس قدرة انتشار الأحزاب على المستوى الوطني، يجتاز الراغبون في الترشح، امتحان استيفاء أحد أهم شروط دخول التنافس، والمتمثل في التوقيعات.
وتشتكي أحزاب عديدة، من ارتفاع العدد المحدد بـ20 توقيعا لكل مقعد، سواء في المجالس البلدية أو الولائية، بعدما كان المطلوب 35 توقيعا. وجاء التخفيض بناء على أمر رئاسي معدل للقانون الانتخابي أقره رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، نهاية أوت الماضي.
وعلى الرغم من تقليص التوقيعات، إلا أن البعض يرى فيها نقطة تعجيزية للكثير من التشكيلات الراغبة في خوض المنافسة عبر أكبر عدد ممكن من المجالس، خاصة وأن العملية مرتبطة بآجال تنتهي يوم 7 أكتوبر المقبل، أي أن أمام الراغبين في دخول غمار المحليات حوالي أسبوعين فقط لتقديم ملفات الترشح أمام المندوبيات الولائية للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وبعد هذا الامتحان، سيأتي الدور على اختبار آخر لا يقل أهمية، وهو ما صار يطلق عليه منذ التشريعيات الماضية بـ “الغربال”، وهو البند المتعلق بفحص ارتباط الراغبين في الترشح من عدمه بأوساط المال الفاسد الذي تنص عليه المادة 200 من القانون العضوي للانتخابات.
ولم يطرأ على صياغة هذا البند بالغ الأهمية، أي تعديل لحد الآن، ويعتبر بمثابة حائط الصد الأول، أمام دخول المال الفاسد أو غير الفاسد إلى المجالس المنتخبة، ضمن مبدأ “فصل المال عن السياسة”، الذي كرسه رئيس الجمهورية.
السلطة جاهزة
وفي خضم هذا الزخم، تؤكد السلطة المستقلة للانتخابات، وبثقة كبيرة، قدرتها على ضمان إدارة ونزاهة المحليات المقبلة، متسلحة بتجاربها السابقة، بدءاً من الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، واستفتاء تعديل الدستور والانتخابات التشريعية.
وقال رئيس السلطة محمد شرفي، الأثنين، “إن الهيئة تجاوزت بكثير مسألة مدى استعدادها للانتخابات”، مشددا على أنها ماضية بكل “عزم” في إنجاح المحليات انطلاقا من مبدإ “حماية صوت المواطن”.
وتابع: “أثبتنا أننا قادرون، نظمنا 3 انتخابات، شهد فيها القاصي والداني بتحكم السلطة وعدم وقوع أية عمليات تزوير وبالتالي فلا أحد يطعن في قدرتنا على تنظيم استحقاقات جديدة”.
وتراهن السلطة المستقلة على موارد بشرية تفوق 800 ألف شخص، و350 ألف آخرين في الاحتياط، يؤطرون العملية الانتخابية في مكاتب ومراكز التصويت. وينتظر منها أن تبدو بأداء أفضل في المحليات، بعد الملاحظات التي طالتها من قبل رؤساء أحزاب في التشريعيات، اعتبروا أنها لم تتحكم بالشكل المطلوب في العملية ببعض المكاتب، خاصة بعد تسجيل حالات رفض تسليم نسخ من محاضر الفرز.
ويبدو أن محمد شرفي، لا يريد ترك ثغرة بهذا الحجم في استحقاقات نوفمبر المقبل، إذ أسدى تعليمات للمنسقين الولائيين، بضرورة تسليم نسخ محاضر الفرز، وسيقع على كل من يرفض عقوبات جزائية، وفق ما أفضى إليه اجتماع اللجنة التقنية المشتركة بين السلطة المستقلة وممثلي الأحزاب.