فاجأت جبهة القوى الإشتراكية الشّارع السياسي بإعلانها المشاركة في محليات نوفمبر المقبل، وهي التي قاطعت مواعيد سياسية ماضية، على غرار تشريعيات جوان 2021، وقبلها رئاسيات 2019، والإستفتاء على دستور 2020، بسبب أن “الجو السياسي غير متوفر”.
مبررات مشاركة أول حزب معارض في الجزائر في الاستحقاقات المحلية، أن الجبهة تريد الحفاظ على الوحدة الوطنية مثلما صرّح به مسؤولو الحزب والوقوف في وجه “حركة الماك” الإرهابية، وهي التي أعلنت بعد مؤامرة الحرائق، أوت الماضي، عن وجود “محاولة لتخريب النسيج الاجتماعي الوطني وضرب وحدة الشعب الجزائري”.
الحزب المعارض الأول في الجزائر، أو حزب “الدا الحسين” المؤسس للأفافاس، دائما ما يشهر ورقة أنه لن يخرج عن المبادئ الأولى التي أسس الحزب من أجلها من قبل المجاهد حسين آيت أحمد، وهذا من أجل الحفاظ على مبادئه وقيمه التي أقرها “الزعيم حيث أسس هذا الحزب” من اجل الجزائر ومن اجل بناء الدولة الحديثة بمعاييرها النوفمبرية المعروفة، ولم يؤسسه من اجل أن يكون سلّما للحصول على المغانم”، بحسب تصريحات قيادات سابقة في الحزب، فهل مشاركة الحزب اليوم في المحليات جاءت من باب استكمال مسار السير على نهج مبدأ الزعيم”؟، أم أن هذه المشاركة تحمل صفات وعناوين أخرى قد تكون إحداها، بقاء الحزب وتجذره في المنطقة وقطع الطريق أمام أحزاب أخرى والحفاظ على مكانته ومعاقله في المنطقة.
منذ تأسيس الحزب على يد القيادي في الثورة حسين آيت أحمد سنة 1963، لم يعترف بمصداقية انتخابات انتظمت منذ حراك 2019، بحجة عدم توفرها لأجواء ملائمة، حيث لم يشارك خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر 2019، كما قاطع بعدها استفتاء تعديل الدستور في نوفمبر 2020، ثم عزف عن المشاركة في الانتخابات التشريعية الماضية، إلا أن إعلانه المشاركة في المحليات جاء في وقت عاشت المنطقة خلال أوت المنصرم، أخطر أزمة هددت الجزائر ووحدة الشعب من خلال محاولة إحداث النعرات، وإذكاء نار الفتنة من قبل حركة إرهابية انفصالية تبرأ منها سكان المنطقة.
غير أن مراقبين يعتبرون أنّ مشاركة الأفافاس في المحليات، جاءت لأسباب عديدة، منها ما تعرضت له المنطقة من “مؤامرة”، حيث كان قد أصدر بيانا مطولا صادرا عن أمانته الوطنية بمناسبة ذكرى مؤتمر الصومام، إن “افتعال هذه الحرائق يبدو أنه يخفي مؤامرة خلفياتها وأبعادها. وشدّد الحزب على أن أي مشروع خارج التصور الوطني الديمقراطي وأي مناورة تهدف لضرب وزعزعة الاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية والمساس بالتماسك المجتمعي لأمتنا، تعد عداء للشعب وللوطن من الواجب التصدي لها بكل حزم”.
واعتبر أنه “لا مكان في جزائر 2021 لدعاة الفتنة ولمروجي الشقاق بين أبناء الوطن الواحد ولا مكان في جزائر 2021 لمناولي المشاريع الرامية لتفكيك الدول وضرب استقرارها”.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يُتهم فيها الحزب بالانخراط في “مشاريع” السلطة السياسية، حيث كانت اتهامات طالته منذ سنوات عديدة، حيث كان قد قرر المشاركة في بعض أجندات السلطة خلال عهد النظام السابق، مثل مشاورات تعديل الدستور وقبوله الجلوس الى الحوار مع السلطة سنة 2014 في إطار ما اعتبره الحزب آنذاك “أنه لكل مرحلة إستراتيجية”، وأن الأفافاس لن يخرج عن نطاق “الانخراط في كل الجهود التي تبني الوفاق”.
ويقول متابعون، إن جبهة القوى الاشتراكية التي تعتبر من أقوى الأحزاب تواجدا في منطقة القبائل، رفقة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ستكون مشاركتها مكسبا للإصلاحات السياسية التي باشرتها “الجزائر الجديدة”، من خلال رفع نسبة المشاركة ومحو تلك الصورة السائدة في المنطقة والتي لم تتجاوز نسبة المشاركة الرقم واحد بالمائة، ومحاربة مشروع “الماك” الانفصالي هناك، خاصة وأن همّ الأفافاس اليوم هو قياس مدى شعبيته في المنطقة بتسجيل حضوره من جديد في المجالس المنتخبة،، لأن أي تغلغل للماك في المنطقة يعني خسارة الحزب لأنصاره.
وهو الذي كان يفوز في الانتخابات المحلية التي جرت خلال السنوات الماضية، بحكم شعبيته وأنصاره وقواعده النضالية هناك. لكن اليوم، ومع تغير الظروف، فمهمته الأساسية هي إقناع الناخبين أولا بجدوى الانتخابات في حد ذاتها، ثم إقناعهم بالتصويت لصالحه، في مهمة صعبة جدا، لأن المنطقة قاطعت انتخابات السلطة بعد حراك 2019.