بدأت هواجس الدّخول المدرسي لهذه السنة تهيمن على تفكير العائلات الجزائرية، واتخاذ موقعا متقدما ضمن أحد أبرز المواعيد والاهتمامات المشتركة بين المواطن والفاعلين في الميدان الاجتماعي، في محاولة للتعامل مع الحدث الأبرز وطنيا نتيجة التدني الرهيب للقدرة الشرائية على ضوء ارتفاع أسعار مختلف السلع الاستهلاكية وأخرى ذات الاستعمال الواسع ومعها الأدوات المدرسية.
بعيدا عن تجاذبات النقاش العام الذي أخذ حيّزا واسعا من أحاديث المواطنين يوميا مع اقتراب موعد الدخول المدرسي وتداعياته الاقتصادية السلبية على القدرة الشرائية للمواطن أمام الارتفاع المخيف لأسعار المواد الغذائية وباقي السلع ذات الاستهلاك الواسع، وتخوّف العائلات من صعوبة الدخول الجديد لهذه السنة في ظل الحديث عن تضاعف اسعار الأدوات المدرسية وسبل حماية هذه الشريحة الواسعة بالخصوص الفئات الهشة من التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية والمالية.
وبعيدا عن التّخمينات والتساؤلات الكثيرة التي تشغل بال المواطن حول هذا الموضوع الحسّاس وأسباب هذه الزيادات المفاجئة في الأسعار بما فيها أسعار الأدوات المدرسية، حاولنا تناول الإشكالية أكاديميا بتحليل اقتصادي في محالة لمعرفة تفاصيل دقيقة عن الحدث، وكيفية الموازنة بين هذه المعادلة الصعبة غير المتكافئة المتعلقة بتدني القدرة الشرائية والقفزة الكبيرة في الأسعار.
تداعيات جائحة كورونا
أرجع أستاذ الاقتصاد بجامعة بومرداس كمال حوشين، خلفيات الأزمة الاقتصادية والمالية الصعبة التي أثرت سلبا على القدرة الشرائية للمواطن إلى تداعيات جائحة كورونا، مؤكّدا بالقول «إن المجتمع الجزائري في فترة ما قبل كورونا كان يعيش في أريحية مقارنة مع الفترة الحالية نتيجة وفرة المخزون ونشاط المؤسسات الاقتصادية، وبالتالي نحن اليوم نعيش أزمة ما بعد الجائحة، وهي منطقية إذا تناولنا الموضوع اقتصاديا، بسبب استنفاذ مخزون مختلف المنتجات وتوقف الكثير من المؤسسات الإنتاجية وحتى إفلاسها، مقابل حزمة من التدابير والقرارات للتحكم في الوضعية وتقليص فاتورة الاستيراد».
وأوضح الباحث «لقد بدأت تداعيات جائحة كورونا التي ضربت العالم والجزائر طيلة سنتين تظهر جليا في المجتمع، وعلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي العام للبلاد، وما ظاهرة الزيادات المضاعفة والمفاجئة في أسعار السلع الاستهلاكية ومنها المواد الغذائية والأدوات المدرسية، الألبسة والمواد المستعملة وغيرها إلا تحصيل حاصل لعوامل موضوعية ومنطقية قد يراها رجل الاقتصاد منطقية، في حين ينظر إليها المواطن العادي على أنها تعدي واستنزاف لقدرته الشرائية، والتساؤل المتواصل عن مبررات هذه الزيادات، والحديث عن المضاربة وغياب الرقابة على النشاط التجاري.
في سؤال عن الحلول المقترحة للخروج من نفق الأزمة الاقتصادية الراهنة وطرق حماية المواطن الجزائري والعائلات الهشة بالخصوص، ركّز أستاذ الاقتصاد كمال حشين في رده على التساؤل «بضرورة اتخاذ جملة من الإجراءات الموضوعية لمواجهة الوضعية والخروج منها بأقل الاضرار اقتصاديا واجتماعيا، حيث شدّد في البداية «على أهمية تشريح الوضعية بدقة وفهم أبعادها وخلفياتها، بمعنى محاولة الوصول الى معرفة السبب الرئيسي لهذه الزيادات غير المبررة، هل هي حقيقية أم مفتعلة من قبل السماسرة ومافيا الاحتكار من أجل التدخل باجراءات مناسبة ردعية أو ذات بعد اصلاحي للمنظومة الاقتصادية والمالية بوجه عام.
وعن الآليات الممكنة المتاحة أمام السلطات العمومية والقائمين على الشأن الاقتصادي، دعا كمال حشين «إلى التعجيل بمراجعة الحد الأدنى للاجور ورفعها بما يتناسب مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة للموازنة ما بين الدخل والتكاليف اليومية أمام الاسعار الملتهبة»، وأضاف بالقول «إنّ الوضعية الاجتماعية الحالية للمواطن واستمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع تتطلّب راتبا شهريا لا يقل عن 7 ملايين سنتيم، والعمل على دفع القطاعات المنتجة بالخصوص القطاع الفلاحي، وتشجيعها على خلق الثروة لدعم الاقتصاد الوطني، ومحاربة كل أشكال البيروقراطية من اجل تحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود منذ عقود».
بالإضافة إلى جملة أخرى من التدابير والحلول التي اقترحها الأستاذ للخروج من الأزمة والحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة، وعدم التنازل عن سياسة الدعم التي تبقى إحدى أهم المكاسب الوطنية التي تتشبث بها اليوم العائلات الجزائرية والمعوزة المتخوفة من مواجهة المناسبات الاجتماعية الكبرى منها الدخول المدرسي، الذي تحول إلى أزمة بعدما كان يشكّل عرسا اجتماعيا وفرحة للأولياء والتلاميذ.