«سيال» كانت تسيّر بمنطق تجاري لا استشرافي
أكد وزير الموارد المائية مصطفى كمال ميهوبي، أن التذبذبات المسجلة في التزود بماء الشروب ناتجة عن تراجع منطقي في إنتاج المياه نتيجة التغيرات المناخية، التي تسببت في إحداث الظواهر المتطرفة كالجفاف والفيضانات، وكذا سوء تسيير المؤسسات المشرفة على تسيير مرفق الماء، من بينها شركة المياه والتطهير «سيال»، مشيرا إلى ضرورة تحمل أخطاء المرحلة السابقة التي يجب أن تصحح، بحيث ستكون المشاريع من اليوم وصاعدا بنظرة مندمجة ومتكاملة.
أوضح ميهوبي، في حوار خص به مجلة «التنمية المحلية» الصادرة عن مؤسسة «الشعب»، أن شركة «سيال» لم تأخذ في الحسبان بأن الجفاف ظاهرة دورية بالجزائر، بل واصلت التعامل مع الماء وكأنها في حالة وفرة دون أخذ الاحتياطات لمواجهة الأسوإ، خاصة وأن استرجاع السدود لمنسوبها السابق صعب جدا حاليا، على ضوء شح التساقطات، فهي تحتاج أكثر من 4 سنوات إذا ما أخذنا السيناريو الأسوأ.
وأشار، أن المؤسسات المسيرة للمياه مطالبة، أكثر من وقت مضى، بالاستشراف الذي كان غائبا. فهي كانت تقوم بتسيير تجاري بحت وتفتقد لرؤية استشرافية، ناهيك عن افتقادها للتقييم وأداة التقييم المتمثلة في وكالة الضبط، فهي لم تأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية، بالرغم من تحذيرات العلماء وتوقعهم الأسوأ منذ 30 سنة خلت، قائلا: «إن «سيال» انتهت وستسير بإطارات جزائرية وسيكون نشاطها كـ «سيور»، خاصة وأن نشاطها خضع لتقييمين وثبت أنها سيّرت فقط في وقت الوفرة، ولم تسير يوما وقت الأزمة».
وأوضح ميهوبي، أن ظاهرة التغيرات المناخية أثرت كثيرا على نسبة التساقطات، خاصة في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى نفاد منسوب بعض السدود. هذه الأخيرة التي تستعمل في التزود بالمياه الصالحة للشرب، خاصة إذا علمنا أن هناك مدن كثيرة يرتكز تزويدها على المياه السطحية بنسب كبيرة وبعضها لديها مصادر متنوعة بين الجوفية والسطحية وبالتالي تأثيرها يكون على حسب نسبة التبعية للمصدر، فكلما كانت المياه سطحية كان الأثر كبيرا على مرفق الماء.
ولعل هذه الإشكالية طرحت بقوة بالنسبة للجزائر العاصمة، فهي تتزود بنسبة 55٪من المياه السطحية 24/24 ساعة وتستهلك مليونا و200 م3 يوميا، وهي كمية كبيرة جدا ومبالغ فيها ولا تصل كاملة للمواطن، بسبب التسربات التي تشكل 45٪ والتي نعمل على الحد منها منذ سنة، الربط العشوائي، الكميات غير المفوترة والسرقة.
ولا تتماشى مع معايير المدن الكبيرة في أوروبا كباريس مثلا، التي تضم 9 ملايين نسمة، فالتزود بماء الشروب فيها لا يتجاوز مليون م3، بل هو في حدود 800 ألف م3، ما يعني وجود تبذير كبير لهذا المورد الثمين.
وأشار المسؤول الأول عن القطاع، أن من بين الأمور التي تؤاخذ عليها «سيال»، هو عدم نجاحها في محاربة ضياع المياه الذي يجب محاربته ولم تأت بأي مشروع في هذا الخصوص منذ مجيئها في سنة 2000، سواء في الاتفاقية الأولى، بل على العكس ساهمت في تعميق الأزمة، بحيث كلما كانت تسجل عجزا في المياه الجوفية مثلا، تلجأ إلى المياه السطحية أي من السدود وهذا ليس بتسيير.
نحو رفع الإنتاج إلى 6 ملايين م3 يوميا
وأمام هذا الوضع، أكد الوزير أن توفير الماء 24/ 24سا مستحيل في الوقت الحالي، لأن ذلك سيتسبب في نفاد مخزون المياه، متطرقا إلى برنامج استعجالي تم البدء فيه منذ أوت الفارط، من خلال 73 منقبا سمحت بإنتاج 110 ألف م3 (13 بتيبازة، 60 بالجزائر العاصمة، منها 4 حقول مازافران 1 و2 وبمتيحة)، وتم تبني برنامج استعجالي آخر سيكتمل في 15 جويلية في بناء 100 منقب موزعة على أربع ولايات منها تيبازة، بومرداس، البليدة، تيزي وزو بهدف إنتاج 140 ألف م3.
وأشار إلى أنه قبل سنة 2020 كان إنتاج المياه الجوفية بالجزائر العاصمة 220 ألف م3، وبفضل هذه الآبار سيتم الرفع بالإنتاج إلى 370 ألف م3، كما هناك برنامج آخر لإنجاز 120 منقب لإنتاج 180 ألف م3.
وبهدف تعزيز وتنويع المصادر غير التقليدية للمياه بالعاصمة، تحدث الوزير عن الاستعانة بمحطات تحلية مياه البحر، بحيث يجب الوصول إلى رفع إنتاج المياه الصالحة للشرب إجمالا إلى 6 ملايين و600 م3 يوميا، وذلك بالرفع من المياه المحلاة من 1.700 مليون م3 إلى 3 ملايين و400 ألف م3 يوميا في حدود سنة 2030.
3 محطات تحلية أحادية الكتلة شرق العاصمة
في هذا الإطار، كشف ميهوبي عن اقتراح مشاريع مستعجلة، من بينها 3 محطات جديدة أحادية الكتلة منها بمنطقة المرسى لإنتاج 60 ألف م3، قورصو لإنتاج 80 ألف م3، برج الكيفان وتحديدا بموقع الباخرة المحطة لإنتاج 10 آلاف م3، أي بإجمالي 15 ألف م3، والتي تضاف إلى محطة فوكة 200 ألف م3 وكاب جنات 300 ألف م3، ما سيساهم في التخفيف من الأزمة.
وستمكن هذه الإجراءات من رفع هامش مناورات كبير في تسيير الماء، ما سينعكس حتى على طريقة تسيير التزود بالماء، خاصة وأن هذا الوضع سيستمر لشهور وبحجم ساعي يتراوح بين 8 إلى 10 ساعات، إلى تحديد نشاط محطات غسل السيارات، مؤقتا، فهي مطالبة أكثر من أي وقت مضى بترشيد استخدامها للماء واعتماد الطرق الحديثة.
تعميم المعالجة الثلاثية للاستخدام الفلاحي
بالنسبة للسقي الفلاحي، أوضح الوزير أن للجزائر 200 محطة تطهير بقدرة إنتاجية تصل إلى 900 مليون م3. لكن للأسف، هي لا تنتج حتى نصف الكمية، إذ لا تتجاوز 400 ألف م3، 18 منها فقط يستخدم في السقي الفلاحي، لأنها ثلاثية المعالجة من بين 30 محطة. ولهذا سيتم تعميم هذه التقنية مستقبلا على الباقي، وسيتم بناء محطات جديدة للوصول إلى إنتاج 2 ملياري م3 سنويا واستخدامها في الفلاحة.
وتسيّر 162 محطة منها من طرف الديوان الوطني للتطهير، 28 محطة تسيرها البلديات و10 محطات من الشركات ذات الأسهم.
وحسب التركيبة الهيدروغرافية، تتوزع هذه المحطات بـ68 محطة في منطقة وهران، 46 الجزائر- الحضنة- الصومام، 32 قسنطينة- ملاق- سيبوس، 32 الصحراء، و22 بالشلف.
36 مليار دينار لإزالة أوحال 14 سدا
بالنسبة لاستعادة مردودية السدود والرفع من منسوبها، كشف الوزير عن وجود برنامج لنزع الأوحال بغلاف 36 مليار دج، موجه لـ14 سدا وقد انطلقت العملية بالفعل، مشيرا إلى أن العملية لا تمس فقط السدود القديمة، بل حتى السدود الجديدة، مرجعا أسباب الإشكالية إلى الظواهر المتطرفة التي تأتي محملة بالأتربة والصخور، على ضوء غياب التشجير على طول محيط السدود التي تحجزها، أو مصدات إسمنيتة، مشيرا إلى منطقة الغرب الجزائري تعاني كثيرا من هذه الظاهرة.
في المقابل تحدث عن التفكير في رفع ارتفاع السدود في الأرضيات التي تسمح بذلك من أجل رفع منسوب السدود في حال استحالة تنقيتها من الأوحال.
وفيما تعلق بالمخطط التوجيهي، ستكون استراتيجية للسنوات المقبلة والإطار العام للسيناريوهات والخطط المعتمدة بناء على تقييمات وخطط استشرافية، مع التركيز على المصادر غير التقليدية للماء، وإعادة النظر في السلوكيات والترشيد بصفة دائمة في استعمال الطرق الحديثة في التسيير عن بعد، القياسات عن بعد لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، والعمل على تغيير السلوكيات.