يقف اليوم المترشّح ضمن قوائم الأحرار والأحزاب المهيكلة، على مسافة واحدة من صندوق الإنتخابات، بعد أن ظلّ المترشّح الحر لسنوات مهمّشا بسبب نظام «الكوطة» الذي كان يحسم نتيجة الإقتراع قبل بدايته، ولأول مرة يصعب التكهن بتركيبة البرلمان القادم، بالرّغم من أنّ توقّعات الخبراء تشير إلى حظوظ أكبر للمترشّحين الأحرار، بعد تراجع شعبية الأحزاب المهيكلة بسبب تورّط بعض قياداتها ومناضليها في قضايا فساد، ومتاجرتها لسنوات بأحلام وتطلّعات الشّعب، ولكن يتّفق المترشّحون من كلا الجانبين أنّ من يصنع النّجاح «كفاءة» المترشّح وليس «شعبية» الحزب، في انتظار قول الناخب كلمته يوم الحسم.
فتحت قرارات السّلطات العليا للبلاد، المتضمّنة في قانون الإنتخابات الجديدة، «شهيّة» المترشّحين الأحرار من الشباب والكفاءات، لدخول غمار الانتخابات التّشريعية المبكّرة المقرّرة يوم 12 جوان الداخل، وتجاوزت لأوّل مرة قوائم الأحرار عدد قوائم الأحزاب المهيكلة، التي استحوذت على المشهد السياسي لعقدين من الزّمن، وظلّت تمتلك الأغلبية ما كان يسمّى بأحزاب الموالاة، وتمثيل لابأس به للأحزاب الإسلامية والمعارضة، مقابل مقاعد محدودة للأحرار.
قرارات تفتح شهيّة التّرشّح
مهّدت الإجراءات المسبوقة التي بادرت إليها سلطات البلاد، منها إعادة النّظر في النمط الانتخابي، وفصل المال عن السياسة، لقطع الطريق عن رجال المال والفساد، بروز فئة جديدة من المترشّحين للبرلمان تحمل الشهادات الجامعية والمناصب العليا في الإدارات والمؤسّسات الجزائرية، بعضهم اختار التخندق مع أحزاب مهيكلة وآخرين فضّلوا القوائم الحرّة لعدّة اعتبارات.
وبالنّسبة للمترشّح الحر ضمن قائمة شباب ورقلة، نور الدين لروي، كان «التّرشّح لتشريعيات 2021 من سابع المستحيلات لو بقي نفس النّظام الانتخابي السّابق لأنّ عقديتنا وأخلاقنا تمنعنا من ذلك».
وأعاد القانون الجديد للانتخابات مثلما ذكر لروي «الأمل للمترشّحين الأحرار وجعلهم يترشّحون بقوّة هذه المرة»، ويعتقد أنّ «الكفاءة التي ستكون الفاصل في هذه الانتخابات بسبب أنّ الانتخابات هذه ليست كما السّابقة التي عرفت بشراء متصدّر القائمة، وهذا كان حاجزا أمام الأحرار ومنعهم من دخول المنافسة بسهولة، ولكن القانون الجديد نزع هذا الحاجز، وأكبر دليل على ذلك لأول مرة تشارك القوائم الحرة بقوة».
من جهته، قال المترشّح عن قائمة حركة الإصلاح الوطني بولاية الجلفة، الدكتور أحمد سواهلية، إنّ «الإجراءات التي بادرت بها السلطات في إطار التحضير لهذا الاستحقاق الإنتخابي هيّأت الأجواء المناسبة، وبعثت بالراحة الإنتخابية، خاصة الإجراءات المتعلقة بمنع التزوير وقطع الطريق أمام المال الفاسد، وكل مسؤول فاسد استعمل السّلطة في غير محلها»، وهذا بالنسبة له كان الدّافع له و»للشباب مثله لمرافقة السلطات العليا للبلاد في إرادتها في إيجاد مؤسّسات شرعية منتخبة ليست كسابقاتها، لأنّ هذه الانتخابات تختلف عن التّشريعيات السّابقة لاسيما في التحضير بإقصاء الفاسدين أو ما تضمّنه قانون الانتخابات أن المترشّحين سواسية ولا وجود للتّرتيب، والأجدر لمن يقنع الناس ومن يقوم بحملة قوية».
وأضاف بالقول «هناك تناوب داخل القائمة وليس تنافسا فقط، وهذا ما يجعل نسبة المشاركة في اعتقادنا تكون أقوى، لأنّه في ظل القوائم الموجودة التي هي عبارة عن مجموعة من المترشّحين، اليوم، الانتخاب سيكون على الأشخاص وليس القوائم، وهذه إضافة نوعية قامت بها السلطات، كما أنّ إتاحة فرصة الترشح للشباب جعلت موازين القوى الانتخابية عادلة».
الخطاب الواقعي طريق إقناع
أمام المترشّح لتشريعيات جوان 2021 مهمّتان، «إقناع المواطن بالانتخاب وبالتصويت لصالحه»، وهي مهمة لن تكون سهلة، بالنظر لمخلفات المرحلة السابقة التي أفقدت ثقة الناخب في العملية الإنتخابية لأنها كانت تحسم النتيجة خارج الصندوق، وتعرف حصة كل حزب قبل بداية التصويت، وهذا ما رفع نسبة العزوف الانتخابي والتخلي عن أداء الواجب رغم كل المغريات والتحفيزات المقدمة طيلة أيام الحملة الإنتخابية.
ويتّفق المترشح الحر، لروي، والمتحزّب، سواهلية، على أن «الخطاب الواقعي» الخالي من الوعود الكاذبة الطريق الأقرب إلى الناخب، ومنه إلى قصر زيغود يوسف.
ويقول لروي، أنّ المترشّح عليه «إبراز دور البرلماني واعتماد برنامج يعكس مكانة الولاية التي يمثلها، فمثلا ورقلة قطب اقتصادي ضخم واستراتيجي من جميع النواحي إقليميا، تجاريا واقتصاديا، والتوليفة السكانية لورقلة تشبه العاصمة فقط فهي تجمع كل الولايات وتستقطب 60 جنسية، وبالتالي هي تحتاج إلى تصور ليس محليا، وأن يكون لها ممثلين أقوياء في البرلمان يقدّمون اقتراحات للوزارات ويسعون لتجسيد في شكل مشاريع، وهذه مهمة الأكفاء من يفهمون في الاقتصاد ولديهم قوة إقناع».
ويخوض المترشّحون الأحرار «حملة انتخابية تقنية» تعتمد على النشاطات واللقاءات الجوارية، بدل التجمّعات الشعبية الكبرى في القاعات المغلقة، ويرى المترشح الحر، لروي، أنّ «هذه الطريقة التقليدية القديمة تتمسّك بها الأحزاب التي كانت تقوم بحملة انتخابية نتائجها محسومة سابقا، وبقيت في نفس السياق القديم، ملء القاعات بحشود نصفها لا يملك بطاقة ناخب، من أجل فقط التغطية الإعلامية والبهرجة»، ولكن يضيف «نحن نرفض ملء القاعات ونفضل استهداف 30 حيّا أو منطقة، ونتحدث مع مواطنين يملكون بطاقة ناخب في جلسة صغيرة يقتنعون فيها، ويمكن أن يقنعوا فيما بعد أصدقائهم وعائلتهم، ونعتقد أن هذه الطريقة وسيلة ناجعة لإقناع الهيئة الناخبة بالتصويت الايجابي بالابتعاد عن الخطاب الانهزامي، ونركّز على عوامل القوة».
ويتقاطع رأي المترشح سواهلية فيما ذهب إليه لروي، ويؤكّد أنّ المترشح عليه أن «يعتمد خطابا انتخابيا توعويا، يبرز للمواطن دور النائب البرلماني، وتوضيح الرؤى عن مهامه التشريعية، لأن المترشح قد يمتلك القوة التحليلية والاستشرافية لكل مواضيع الاقتصاد التي يناقشها البرلمان، ولكنه تنقصه القوة الرقابية والتشريعية التي يمتلكها عن طريق الانتخاب».
ويختلف الخطاب الأكاديمي عن السياسي، فما يوجّه للطلبة في الملتقيات أو عبر المجلات ليس نفسه الذي يلقى في التجمعات الشعبية، ويقول سواهلية إن «الخطاب السياسي أوسع من الخطاب الأكاديمي، له حكمة ويوظّف فيما ينفع ويفيد ويجمع، وحتى يكون ناجحا لا يكفي أن يكون في القاعات والتجمعات، ويجب أن يكون صريحا وواضحا وليس وعودا وهمية، خاصة بالنسبة للمشاريع، لأنّ صاحب المعرفة والخبرة يعلم جيدا أن السلطة التنفيذية هي التي تبرمج المشاريع لكن بإمكان النائب، أو السلطة التشريعية مرافقة هذه المشاريع وتوجيهها وليس العكس».
ويرى سواهلية أنّ الخطاب المقنع «يعتمد على كفاءة المترشح، وليس بالضرورة أن يكون خطاب القيادة المركزية للأحزاب التي ينحصر دورها في توضيح البرنامج السياسي العام، الذي قد يمتلكه الحزب لقيادة الحكومة إذا امتلك الأغلبية البرلمانية وفقط، أما النجاح الحقيقي أن يكون خطاب المترشح واضحا ومعلوما، ويتطلب خبرة وكفاءة في المجال التشريعي والرقابي، هذا هو الأصل، وليس شعبية الحزب أو جماهيرية الحزب أو جماهيرية قيادة الحزب، فالمواطن في كل ولايات الوطن، يؤمن بكفاءة المترشح إضافة إلى معيار العروشية الذي يلعب دورا في اختيار المترشح».
أحزاب تبحث عن ثقـة
أظهر السباق نحو قبة البرلمان، في الأسبوع الأول من الحملة الإنتخابية، تنافسا بين القوائم الحرة والأحزاب السياسية من أجل استمالة وإقناع الكتلة الناخبة في التصويت على مترشحيها، خاصة مع عودة الأغلبية المسحوقة إلى قوقعتها المعتادة.
ويرى الباحث في الشؤون القانونية والسياسية، محمد مقراني، في تصريحه لـ «الشعب ويكاند»، أن الجميع يدرك أن التلاعب بمشاعر المواطن لم يعد مطروحا، وأن يكون النجاح اليوم مقرونا فقط بالعمل الناضج الذي يخدم الصالح العام والكفاءة المشهودة، ومع ذلك سجل تمسك بعض الأحزاب بأسلوبها القديم، حيث استعانت بما أسماه «الفولكلور والزردات»، ناهيك عن خطاب قيادتها الذي اتسم مثلما قال «بتصريحات محظورة في قانون الانتخابات مثل توظيف تشبيهات وإسقاطات دينية على أرقام حملاتهم على أساس أنها إشارات يقصد بها التصويت عليهم، هذا وإن دل فإنه يدل على أن الأحوال المغضوب عليها لم تبق لها سوى ورقة المتاجرة الدينية التي يراد بها تغطية عجزهم في إقناع المواطنين الذين فقدوا كل الثقة فيهم».
ويعتقد مقراني أنّ «خطاب قيادة الأحزاب لم يعد يمتلك ذلك التأثير في إستقطاب الشعب حتى يعود بالفائدة المرجوة على الحزب ومناضليه، على النقيض صار خطابهم يشكل معول هدم للثقة بين الشعب ومترشحي حزبه، أي أنه صار يقبر كل الكفاءات التي تشكّل قاعدة الحزب الذي تنتمى إليه رغم امتلاك هؤلاء مستوى ومشروع عمل يصطدم دائما بقيادة حزب تشكل حجر عثرة أمام تجديد الدماء في الحزب، إحداث ديناميكية جديدة تساير طموحات والخطاب الذي يواكب تطلعات الشعب»
في مقابل ذلك، قال إنّ «المترشّحين الأحرار انطلقوا في جس النبض عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة مدى تقبل محيطهم لترشحهم وعرض بعض المنشورات والفيديوهات التي تروج لمشروع عملهم، فأغلبية المترشحين الأحرار، اليوم، ينقسمون بين منشقين عن أحزابهم السابقة أو شباب أصحاب كفاءة ومستوى مقبول يستعدون لخوض هذه التجربة الأولى لهم بخطاب واقعي في أغلبه، وإاتسم بالواقعية في الطرح متفادين كل انواع الوعود من باب فصل الخطاب الحزبي عن خطابهم».
وفي رأيه «المواطن اليوم لم يعد يثق كثيرا في الوعود التي يقطعها المترشحون مهما كان انتماء المترشح بل إنّ المواطن صار يستقبل بصدر رحب أي مترشح يتحلى بالشجاعة اللازم ليصارحه بأنّه يسعى لولوج قبة البرلمان من أجل الكسب الشخصي دون تصنّع أو قطع وعود كاذبة يراها المواطن استفزازا له يقودها متاجرون بأحلامه ومعاناته في سبيل تحقيق هدفهم المتمثل في الوصول إلى البرلمان»، على حدّ تعبيره.