المحلل عبد القادر مشدال:

الشّراكة الصينية ستجسّد استغلال منجم غار جبيلات

فتيحة كلواز

 اعتبر الخبير الاقتصادي، عبد القادر مشدال، قطاع المناجم أهم خيار استراتيجي لإنشاء الثروة والخروج من الاقتصاد الريعي، رابطا تحقيق الانتقال من الريع الى اقتصاد منتج ومتنوع باستغلال أمثل للمناجم الموجودة من خلال اطلاق صناعة تحويلية تساهم في تصدير منتجات هي مشتقات المواد الخام كالحديد والفوسفات لأنها السبيل لتحقيق قيمة مضافة عالية، ما سيرفع من مداخيل العملة الصعبة للخزينة العمومية، مع توفير مناخ اعمال مستطب وجالب للاستثمارات.
أكّد عبد القادر مشدال في اتصال مع «الشعب»، أنّ تشديد رئيس الجمهورية على الشروع في الاستغلال الفعلي لمنجم الحديد بغار جبيلات في أقرب وقت ممكن، ومواصلة تنفيذ جميع المشاريع المرافقة لاستكمال مخطط الاستثمار المعتمد، وكذا استكمال كل الترتيبات الخاصة بإطلاق مشروع الفوسفات المتكامل لتطوير الموارد الفوسفاتية الطبيعية بمنجم «بلاد الهدبة»، ومشروع تطوير واستغلال منجم الزنك والرصاص بواد أميزور في ولاية بجاية، يدخل في إطار إيجاد بدائل فورية لمداخيل النفط بسبب تأرجح أسعاره في السوق العالمية في انتظار عودة النمو على المستوى العالمي.
وقال إنّ أسعار النفط لن تعرف ارتفاعا يسمح بتغطية حاجيات الميزانية، لأنها تحتاج إلى سعر يتجاوز الـ 100 دولار للبرميل الواحد، بينما هو يتأرجح الآن في حدود الـ 65 دولار في أحسن الأحوال، ما اعتبره غير كافيا، بسبب تحقيقه لمداخيل بـ 27 مليار دولار نهاية السنة.
ويرى في نفس الوقت ان الوضعية الحالية تتطلب حلولا فورية مرتبطة بتعبئة الموارد المنجمية التي تتوفر عليها البلاد خاصة الحديد، الفوسفات والزنك الموجودة بمناجم معروفة وقابلة للتعبئة، خاصة الحديد الفوسفات والزنك، لما لها من إمكانيات للإنتاج ولتغطية السوق الوطنية بالإضافة الى قدرتها على التصدير.
وكشف ان التجربة الناجحة للشراكة الجزائرية مع مركب «توسيالي» التركي للحديد والصلب ومشتقاته حيث وضع أهدافا لتصدير 700 مليون دولار في السنة، وهي قدرات تصدير عالية بالنسبة للجزائر، شجّعت على تعبئة الموارد المنجمية لانها قابلة للاستغلال.
غير أن هناك مشكلين مهمين يقفان في وجه استغلال أمثل لها او تحقيق الأهداف المرجوة، يرتبط الاول بالتمويل لعدم وفرة التمويلات الكافية، فغار جبيلات ومنذ عشرات السنين في حالة انتظار بسبب التعبئة المالية التي يحتاجها، حيث يتطلب قدرات مالية كبيرة لإطلاقه.
ولا توضع التمويلات المالية في العمليات البسيطة فقط بل تستغل أيضا في اقتناء التكنولوجيا، من اجل الوصول الى انتاج ذي ربحية مرجوة لغار جبيلات، فهناك مستوى معين من الإنتاج يحتاج الى تكنولوجيا عالية ومتطورة تسمح باستغلال أمثل له، والملاحظ أن القدرات التكنولوجية المتوفرة غير كافية لتحقيق مداخيل مهمة، لذلك كان لا بد من رسم استغلال في إطار الشراكة مع الطرف الصيني، الذي يرى فيه الحل الفوري الممكن حاليا لدعم قدرات الصادرات خارج قطاع المحروقات.
وقال المتحدث إنّ إطلاق مشاريع مشتركة مع أطراف تملك قدرات مالية وتكنولوجية فرصة للسلطات العمومية لتحريك العملية الإنتاجية والانطلاق في عملية تصدير تسمح بتغطية مستويات معينة من الحاجيات بالعملة الصعبة، في إطار الخطة المطروحة من طرف رئيس الجمهورية بتصدير 5 ملايير دولار خارج المحروقات مع نهاية 2021، مؤكدا في الوقت نفسه أنّه غالبا ما يكون الطرف الصيني هو الخيار الأول للشراكة لأنها مستعدة لتمويل مشاريع كبيرة في اطار خطة طريق الحرير، سواء تعلق الامر بغار جبيلات او بإنجاز ميناء الحمدانية بشرشال.
واستطرد مشدال «على ما يبدو هناك صعوبات كبيرة في تجاوز الصادرات 2 مليار دولار، ليست مرتبطة فقط باللوجستيك بل مرتبطة أيضا بإنتاج ونوعية المنتوج وتوسيع قائمة المنتجات القابلة للتصدير»، مؤكدا ان «هذه المنتجات المنجمية إذا بيعت في صورتها الخام ستتحصل الدولة على مداخيل في الحدود الدنيا، وهي وضعية غير محبذة لأن الجزائر ستعود الى نفس ما كانت عليه من قبل في تصدير البترول في صورته الخام، بدون تكرير ما يجعلها تضيع فرصة مهمة لخلق الثروة».
وواصل حديثه «إذا سيَّرنا قطاع المناجم بنفس العقلية بتصدير المادة الخام دون تحويلها، سنبقى في نفس النموذج الريعي الذي انتهجته الجزائر إلى حد الآن، ونفس الشيء ينطبق على الفوسفات، فمن الأهمية بما كان استغلاله في انتاج مشتقاته لان سعرها اعلى، لذلك سيقلّص بيعه كمادة خام استفادة الجزائر الى الحدود الدنيا، حيث تبقى مرتبطة ومتعلقة بتطور اسعار المواد الخام في السوق العالمية».
واعتبر المتحدث هذا السيناريو غير مريح، خاصة «وأنّنا ننادي بالذهاب الى تنويع الإنتاج ومصادر الدخل، فيجب ان تكون هناك خطة لاستغلال هذه المواد الخام داخليا، وبيع مشتقاتها لأنها تمثل قيمة مضافة أعلى بكثير من المادة الخام».
استقطاب الاستثمار أوّل خطوة
 أما فيما يتعلق بمراجعة النظام القانوني للوكالة الوطنية للنشاطات المنجمية، من أجل إيجاد آلية أكثر نجاعة وفعالية للتحكم وضبط استغلال الثروات المنجية التي تزخر بها بلادنا، قال مشدال إن الأطر القانونية في الجزائر ليست مشكلا لأن المشكل الحقيقي في الاقتصاد الوطني مرتبط بعدم القدرة على إطلاق مبادرات على مستوى السوق بالنسبة للشركات الراغبة في اقتحام هذا النوع من النشاطات.
في ذات الإطار، أوضح أنّنا «لا نملك القدرة على تشجيع الاستثمار وتنويع عدد المتدخلين الجزائريين أو الأجانب لاقتحام عالم الاستثمار لان لزيادة عدد المتعاملين الاقتصاديين يتيح تحويل المنتجات الخام، فإذا لم نصل إلى إنشاء عدد كبير من الشركات ولم نستقطب ولم نشجع الاستثمار ستكون النتيجة إنتاج المنتجات الخام وبيعها خام».
وأكّد في الوقت نفسه أنّ وكالة النشاطات المنجمية سيكون لها دور في مرافقة هذه المشاريع ووضع القواعد الضامنة لحق السلطات العمومية في الإنتاج والمداخيل، يؤهّلها لأن تكون بمثابة سلطة الضبط، نافيا أن يكون المشكل الأساسي مرتبطا بالصيغة القانونية لامتلاك الدولة الصيغ القانونية الكافية لحماية مستحقاتها، لذلك يرى أن المشكل الأساسي هو عدم قدرتها على تفعيل عدد كبير من المتعاملين الاقتصاديين، الذين يستطيعون الدخول كمنتجين ومستثمرين، بحيث تؤدي استثماراتهم وإنتاجهم إلى استحداث قدرات تصدير ذات قيمة مضافة عالية، وهو ما تحتاجه الجزائر في الوقت الحالي لتحريك عجلة خطة إنعاش الاقتصاد الوطني.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024