فتح المجال الجوي مع الإبقاء على الصّرامة الوقائية

نحو الاستجابة لنداء «من حقّي ندخل بلادي»

استطلاع: فتيحة كلواز

تباينت آراء المواطنين حول إعطاء اللجنة العلمية لمتابعة ورصد فيروس كورونا الضوء الأخضر لاستئناف الرحلات الجوية بعد ما يزيد عن السنة من الغلق، لكنها اتّفقت على كونها نقطة النهاية لمعاناة حقيقية عجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال صور وفيديوهات لأشخاص عالقين في مختلف الدول، لتنقل معاناة من وجدوا أنفسهم مُرغمين على البقاء هناك بسبب التعليق المفاجئ للرحلات الجوية وغلق الحدود البرية، حتى وصل ببعضهم إلى المبيت في العراء، بينما نام آخرون في المطارات خوفا من وضعهم في خانة «المقيمين غير الشرعيين» بسبب انتهاء مدة الإقامة.
«افتحوا الحدود» كان عنوانا لمعاناة رعايا جزائريين أجبرتهم التدابير الاحترازية المتعلقة بفيروس كورونا على البقاء خارج أرض الوطن، وبين من سافر بحثا عن علاج أو سياحة أو دراسة أو اقتصاد كان الوصف واحدا «عالقون» بإحدى الدول، فلا هُم يملكون الإقامة للبقاء هناك ولا المال الكافي لتسيير أمور حياتهم، ولا النفس الطويل لتحمل البعد عن العائلة والوطن. «الشعب» تنقل لكم آراء المواطنين حول استئناف الرحلات الجوية.

رحلوا دون وداع أخير

أمين شيخاوي، مقيم ببريطانيا لما يقارب سنة، عاش منذ ما يزيد عن التسعة أشهر تجربة قاسية غيّرت مجرى حياته، حيث أجاب عن سؤال «الشعب» عبر تطبيق «الواتساب»، قائلا: «أنا مغترب في بريطانيا منذ عشر سنوات، جئت إلى المملكة العظمى باحثا عن المستقبل، وبالفعل وجدت نفسي بعد سنوات قليلة أعمل في متجري الخاص بالصناعات التقليدية الجزائرية التي تعرف رواجا كبيرا هنا، ما جعلني أرغب في الاستقرار بصفة نهائية، خاصة وأن أبنائي الثلاثة كلهم حاملين للجنسية البريطانية، لكن بعد انتشار الوباء وغلق الحدود أصبحت في حيرة من أمري».
واستطرد أمين قائلا: «في الـ 23 افريل 2020 اتصلت أختي لتخبرني أن والدي يحتضر ويلح على رؤيتي كثيرا، في البداية ظننت أن الأمر لا يحتاج سوى لملف صغير أو تدخل من السفارة الجزائرية حتى أستطيع العودة، لكن اصطدمت أمام رفض ومنع وغلق حوّل حياتي إلى جحيم، بسبب خوفي من وفاة والدي دون رؤيته للمرة الأخيرة، الأسوأ في الأمر وفاة والدي بعد ثلاثة أيام فقط من مكالمة شقيقتي، ووالدتي بعد شهر من وفاته، أتذكّر أنها تزامنت مع الشهر الفضيل، ليتوفى أخي بفيروس كورونا في الشهر الموالي من وفاتهما».
وأضاف شيخاوي قائلا: «بعد أن فقدتهم عدت إلى رشدي وقرّرت العودة إلى وطني للبقاء في الأرض التي تضم قبر والدي ووالدتي وأخي، خاصة وأنّ شقيقتي بقيت وحيدة، ولولا مساندة بعض الأقارب لها بعد إصابتها بصدمة نفسية قوية لوصلت مرحلة الجنون لقدر الله، لذلك كان عليَّ التفكير مليا لأخذ قرار العودة، واليوم بعد السماح باستئناف الرحلات الجوية الدولية سيكون بإمكاني زيارة أحبتي الذين رحلوا دون وداع أخير».
محمد - ب، تاجر يتنقّل بصفة دائمة بين الجزائر وتركيا، وجد نفسه بعد قرار غلق الرحلات الجوية عالقا هناك لمدة تزيد عن السنة، يرى في استئناف الرحلات الجوية الحل الأمثل لجمع شمل العائلات الجزائرية التي تفرقت قسرا بسبب إجراءات الغلق الصارمة في مختلف دول العالم، وشرح لـ «الشعب» قائلا: «كنت دائم التّنقل إلى تركيا بسبب الإقبال الكبير على السلع التركية خاصة الملابس، لكن ومنذ سنة علقت بتركيا بعد سفري إليها من أجل اقتناء بعض السلع من أجل عرضها بمحلي، لكن قرار الغلق المفاجئ وضعني في موقف محرج، ولولا بعض الأصدقاء من الجالية الجزائرية هنا أو الأتراك لكنت عشت مأساة حقيقية، فعائلتي وأسرتي خاصة أبنائي وجدوا أنفسهم بين عشية وضحايا بلا معيل، ما اضطر زوجتي الماكثة بالبيت الخروج لإدارة وتسيير المحل».
وقال محمد متأسّفا: «حزنت كثيرا عندما وضع اسمي في قائمة الانتظار لإجلاء الرعايا العالقين بتركيا، لأنّني مجرّد مسافر إليها، لذلك كان الأولى البدء بهذه الفئة عند تخصيص الجزائر لطائرات إجلاء، خاصة وأن قرار الغلق كان فجائيا، ولم نُمنح مدة معينة بين قرار الغلق وتطبيقه، ما جعلنا نعيش معاناة حقيقية، فرغم نداءات الاستغاثة التي أطلقناها مرارا وتكرارا كان علينا انتظار دورنا لإجلائنا إلى ارض الوطن».
استئناف..حذر
جميلة بن جدو، أستاذة سألتها «الشعب» عن رأيها في قرار استئناف الرحلات الجوية، حيث أجابت: « بعد حملة «من حقي ندخل بلادي» التي أطلقتها الجالية الجزائرية بالخارج الأسبوع الماضي عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح من الضروري التفكير بجدية في إعادة استئناف الرحلات الجوية، خاصة وأن الكثير من العالقين وجدوا نفسهم في وضعية صعبة بلا تأشيرة، ولا مال ولا سند ولا معيل، في المقابل وجدت عائلاتهم نفسها بلا رب أسرة يحميهم ويعيلهم على ضوء الوضعية الاستثنائية التي عاشتها الجزائر بسبب أزمة مزدوجة صحية واقتصادية، ولعل الأصعب هو فقدانهم لأحبة دون توديعهم أو الاهتمام بهم، خاصة هؤلاء الذين فقدوا آباءهم بسبب فيروس كورونا، فقد تضاعفت معاناتهم واشتد حزنهم لخوفهم على باقي أسرهم من العدوى».
واستطردت جميلة قائلة: «سيسمح استئناف الرحلات الجوية أو فتح المجال الجوي بانتعاش الحركية الاقتصادية بعد أكثر من سنة من الركود، خاصة وان الجزائر اليوم تعرف أزمة اقتصادية زادتها تداعيات فيروس كورونا حدة، حيث تطلبت خطة مجابهة انتشار العدوى غلق الحدود الجوية والبرية».
«وبالرغم من رحلات الإجلاء التي برمجتها الجزائر منذ مارس الماضي أين أجلت طلبة جزائريين عالقين بالصين التي كانت بؤرة انتشار العدوى في تلك الفترة من السنة الماضية لم تتمكن من إجلاء جميع الرعايا العالقين في مختلف دول العالم، فمن منّا لم يحزن عند رؤيته جزائريين يفترشون أرضية المطارات أو دخولهم في مناوشات مع أمن بعض المطارات، أو تلك الصرخات التي أطلقها جزائريون يعانون في ارض غريبة، خاصة وأن اغلبهم سافر لأسباب علاجية أو دراسية أو تجارية».
عبد الجليل بن محمد، موظف بوكالة سفر، قال عن استئناف الرحلات الجوية: «بالرغم من ارتباط استئنافها بشروط معينة، إلا أن فتح المجال الجوي سيسمح بانتعاش السياحة في الجزائر، فقد تكبّدت الوكالات السياحية خسائر كبيرة بعد إجراءات الغلق بل منها من سرّح عمالها مؤقتا لعجزها عن دفع مستحقاتهم، لذلك يستبشر الكثير منها خيرا بعد التقرير المقدم من اللجنة العلمية لمتابعة ورصد فيروس كورونا في الجزائر».
وأضاف عبد الجليل أنّ السماح بدخول الجزائريين والأجانب إلى الجزائر بعد غلق دام أزيد من سنة سيُعطي سوق الحرف والصناعات التقليدية انطلاقة جديدة وانتعاشا كبيرا خاصة مع اقتراب موسم الاصطياف، أين تتوافد الجالية الجزائرية على مختلف المناطق السياحية بالجزائر، ما يعني أن الفنادق والمركبات السياحية ووكالات السفر ستعمل دون خوف حتى وإن كانت ملزمة باحترام إجراءات الوقاية كارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي.
الخطر موجود والحذر مطلوب
أصرّت المختصّة في التخذير والإنعاش، نصيرة شرقي، على ضرورة توخي الحذر اتجاه استئناف الرحلات الجوية على ضوء موجة ثالثة تعرفها الكثير من الدول الأوروبية والأمريكية وحتى الآسيوية، مؤكدة أن ارتفاع عدد الإصابات في الجزائر يدعو إلى توخّي الحذر الشديد لمنع أي انزلاقات خطيرة للوضع الوبائي في الجزائر، خاصة مع وجود سلالات متحوّرة زادت من حساسية الوضعية الوبائية، لذلك كان من الضروري تطبيق إجراءات الوقاية بكل صرامة حتى وإن تطلّب الأمر إتباع إجراءات ردعية تُجبر المواطن على احترام الإجراءات الوقائية خاصة ارتداء القناع الواقي.
وأكّدت شرقي أنّ الكثير من المواطنين استبشروا خيرا باستئناف الرحلات الجوية لكنهم تناسوا أنّه فتح مقيد بشروط، حيث قدمت اللجنة العلمية لمتابعة ورصد فيروس كورونا في الجزائر توجيهات صارمة تخص الإجراءات الواجب إتباعها لمنع نقل المسافرين للعدوى خاصة السلالات المتحورة، فيتعين على الوافدين من الخارج تقديم فحص «بي - سي - آر» مدته اقل من 36 ساعة، إلى جانب خضوعهم لفحوصات محدّدة تؤكّد خلو جسمهم من الفيروس، وفي حالة ما إذا كانت النتيجة إيجابية وجب إبقاء الوافد في الحجر الصحي لمدة عشرة أيام لمنع انتقال العدوى إلى محيطهم.
في ذات السياق، اعتبرت نصيرة شرقي إعطاء الضوء الأخضر لاستئناف الرحلات الجوية بمثابة رفع غبن عن الكثير من العالقين في الخارج وأسرهم الموجودة داخل الوطن، خاصة وأن البعض منهم فقد وظيفته بسبب تركه مجبرا لمنصب عمله.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024