صعوبة كتابة التاريخ وهم يحتفظون بالذاكرة

ما ورد في تقرير ستورا يرضي الطرف الفرنسي أكثر

خالدة بن تركي

 

 

 

أكد الباحث في التاريخ الصادق بخوش، أن إعلان الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون بتسهيل الاطلاع على الأرشيف الفرنسي السري الخاص بالثورة الجزائرية، فيه نية لحل الإشكال والمضي بالمصالحة بين الطرفين، ومحاولة واضحة لإيجاد حلول ترضي جميع الأطراف، غير ان ما ورد في التقرير يرضي الطرف الفرنسي أكثر.

قال الصادق بخوش «إن قرار الاطلاع على الأرشيف السري للثورة جاء بناءً على الطلب الذي رفعته الأسرة الجامعية التي تريد معرفة الحقائق التاريخية وكتابة التاريخ، مؤكدا أن الجزائر لها رغبة أكثر في كتابة تاريخها وإظهار الحقائق»، مستندا في ذلك على ما جاء في نص رسالة الرئيس الفرنسي بقوله «يجب على جيل الماضي أن يتجاوز جراح الأمس، ولا يحرج بكتابة تاريخه بوصفه عملا للذاكرة، الحقيقة والمصالحة وهذا من أجلنا ومن أجل ارتباطنا بالجزائر، وهذا أمر لم ينته وإنما يستمر»، يضيف نص الرسالة.
وأشار بخوش، إلى صعوبة كتابة التاريخ وهم يحتفظون بالذاكرة، إلا أن هذا لا يمنع من وضع تصور للذاكرة بما هو موجود ومتوفر من شهادات في الجزائر، مشيرا الى أن كتابة التاريخ لا يمكن أن تكون من منطلقات رؤية المدرسة الكولونيالية في بلادنا.

الثورة حررت الفرنسيين أيضا

أوضح الأستاذ، أن التاريخ يحمل مسائل مشتركة بين الطرفين. الذاكرة كما يسميها المؤرخ «المخيال» أن الثورة في الحقيقة حررت الجزائريين، غير انها في المقابل حررت الفرنسيين من أفكارهم، كونهم فوق كل الأجناس، وأنهم جاؤوا لوقف الفوضى التي كان يعيش فيها الشعب الجزائري أنذاك، وأن لهم حقوق علينا.
وأضاف في ذات السياق، ان الكثير منهم استفاقت ضمائرهم، فكتبوا مسائل مهمة، على غرار ما جاء به المؤرخ أوليفي غرون ميزون «و»ميخاييل هاربت» وغيرهم من المؤرخين، الذي ربطوا الذاكرة بمصالح آنية، حيث نبه أحد المؤرخين إلى أمر مهم يتعلق بالاستثمار الفرنسي في الجزائر عندما قال، إن المتعامل الاقتصادي الاول مع الجزائر هي فرنسا «وانه إلى سنوات قليلة كانت توجد 8 آلاف شركة فرنسية في الجزائر، رغم أن الوقائع تقول عكس ذلك، موضحا أن الجزائر هي سوق لفرنسا.
وبحسب الباحث، فإن التاريخ يشهد على أن نهضة الأمم والشعوب لابد لها من أسباب، وسنـن حتى تعلو وتزدهر، ويستمر هذا التقدم لعشرات السنين، بل المئات إذا حافظت هذه الشعوب على أسباب النهضة والتقدم والتي تتعلق أساسا باللغة.
وأشار إلى الطلائع الفرنسية، النخب والمؤرخين الذين أصبح لديهم ضمير يدينهم ويحاولون تطهير ضميرهم الذي لوثه الاستعمار والعسكريون الفرنسيون بجرائمهم التي لا حدود لها، الذي لا يمكن من خلاله تحقيق المسعى الاقتصادي الا بتصفية العلاقات بين الطرفين ليصبح المجال مفتوحا لجيل المستقبل، موضحا أن الاجيال الجديدة لا تنسى، عكس ما يراه البعض، وإنما هي أكثر حماسة لمعرفة تاريخها وإدانة الاحتلال.

الاستثمار في المعرفة والتاريخ

ونفى الأستاذ، تقصير المؤرخين في التعريف بتاريخ الجزائر، لأنه توجد الكثير من الكتابات لا تقرأ ولم يشار إليها، مؤكدا على ضرورة الاهتمام والترويج للتاريخ. فالآلاف من المذكرات ورسائل البحوث في الجامعات تنام في الرفوف دون الاطلاع عليها.
ودعا المتحدث إلى استغلال التكنولوجيا في الترويج للتاريخ، الذي أصبح بحاجة إلى التعريف به للجيل الصاعد. مؤكدا أن المؤرخين لم يقصّروا في حق التاريخ والمسؤولية ليست عليهم فقط، بل تقع على كل المثقفين، الكتاب، العلماء والأدباء، أي يجب على الجميع المساهمة في هذه المنظومة المعرفية والفكرية.
قال الأستاذ بخصوص العلاقة بين الطرفين، إن المهم اليوم، تعليم الشباب كيفية التعايش مع الفرنسيين وكيفية كتابة تاريخهم؛ بمعنى نسيان الماضي والبدء من جديد على أسس أخرى، خاصة وأن الكثير من الدول، على غرار ألمانيا اعترفت لليهود وإيطاليا لليبيين، إلا فرنسا لم تعترف للجزائر.
وأشار المتحدث إلى وجود أمتين تتشابهان في الاستعمار، ما جرى مع الهنود الحمر في أمريكا الشمالية وأبيد منهم 112 مليون وانقرضوا لاعتبارات كثيرة. والجزائر كذلك، لم تتمكن من إحصاء الذين أبيدوا، خاصة أمام الاختلافات الكبيرة حول العدد. فصاحب كتاب «المراة» الذي كان شاهد عيان على دخول فرنسا، قال 10 ملايين، في حين كتابات أخرى تقول 6 ملايين، ولما أخرجت فرنسا كنا 6 ملايين ومع مرور 132 سنة، كان من المفروض أن يكون العدد 30 مليونا فأين البقية؟ يتساءل الأستاذ.
والغريب أيضا، يقول بخوش، محاولة فرنسا قلب المعادلة، من خلال مطالبة الجزائر بالأرشيف وبفتح الأبواب للشباب من خلال نسيان الماضي، غير أن الأمر يحتاج الى تدبر. ولكن هذا لا يمنع القول بوجود إرادة سياسية لعدم السكوت عن الذاكرة دون تشنج، وفصلها عن المسارات الاقتصادية والعلاقات الدولية.

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024