هواريـة بـوديـة..امرأة بألف يد

أربعون سنة في خدمة الأرض

بسكرة: عمر بن سعيد

هوارية ابنة مدينة وهران، لها مع الأرض والفلاحة قصة حب، بدأت منذ أربعين عاما، حبها للأرض والعمل الفلاحي جعلاها تغادر سحر الباهـية وتعيد بناء حياتها مع زوجها بضواحي قرية  الحراية ببلدية عين ناقة بولاية بسكرة في خدمة الأرض وامتهان النشاط الفلاحي.

بدايـة رحلة ثمرتها 600 نخلة
بعد زواجها من صاحب حظ، ينحدر من شرق البلاد غادرت سنة 1980 مدينة وهران تاركة سحرها وصخبها واتجهت جنوبا بصحبة رفيق حياتها، ليستقر بها المقام بقرية الحراية، هذه القرية الفلاحية التي شيدت في إطار برنامج الثورة الزراعية، ليس بعيدا عن هذه القرية اشترت قطعة ارض من مالها الخاص 17 هكتارا، منها 10 هكتارات باسمها والبقية باسم زوجها.
بدأت رحلة عمل شاقة محفوفة بالجهد والعرق والألم، تقول هوارية التي يقارب سنها حاليا الـ 70 سنة: «اشترينا الأرض التي كانت عبارة عن هضاب ومرتفعات لا تصلح للزراعة بالرغم من خصوبة تربتها، قمنا بتسويتها وجعلها سهلا مستويا قابلا للزراعة، كنت وزوجي جنبا إلى جنب في العمل، لم أكن أفقه شيئا عن أسرار معاملة الأرض، وبمرور الوقت أصبحت فلاحة».
تعاملت مع الأرض بحب وإخلاص، بدأت بغراسة النخيل حتى وصل عدد ما غرسته حاليا ما يقارب الـ 600 نخلة معظمها صنف دقلة نور، إضافة إلى أشجار الزيتون، وتحولت الأرض البيضاء إلى بستان متنوع. عملية سقي منتجاتها لم تكن تطرح أي مشكلة فهناك منقب جماعي من محاسن ما خلفته الثورة الزراعية، مياه متوفرة على مدار الساعة، حيث كان هذا المنقب يكفي بمياهه المتدفقة سقي 15 بستانا بقرية الحراية.
حكاية كل يوم
 هوارية بالرغم من تقدّمها في السن والوحيدة التي تباشر مهام الاعتناء بالفلاحة، ما تزال تمتلك إرادة العمل بعد مرض زوجها، الذي يقوم بأعمال بسيطة إضافية، فيما لا يستطيع ابنها البالغ من العمر، تقديم مساعدة حقيقية لوالدته لأنه تعرض لكسر نتيجة سقوطه من أعلى نخلة.
فلاحة وسيّدة بيت، تتفرّغ للعمل الفلاحي بعد الانتهاء من أشغالها المنزلية، والتكفل بالمواشي والدجاج، تسقي وتجني خضروات خاصة الطماطم وكذا خضروات الحقول، وتتجنب دائما استعمال الأسمدة الكيماوية، إضافة إلى قيامها بمحاربة طفيليات خضروات البيوت البلاستيكية برش المبيدات.
كما تشرف على بعض العمال المختصين في تسلق النخيل، غير انها تحكي بمرارة بأن تكاليف النخيل أصبحت مرتفعة جدا، فالمتسلق يأخذ 3000 دينار في جني ما يقارب قنطار من التمور، هذا إن وجد من يقبل هذا العمل، وأثناء معاينتنا للمزرعة تشير إلى أشجار الزيتون التي بدأت تتأثر بنقص المياه.       
بستان هوارية كان ينتج مختلف أنواع المزروعات بما فيها زراعة القمح والشعير، وحسب تصريحها فإنّ معدل إنتاج الأرض يتراوح ما بين 35 و40 قنطارا في الهكتار، ويتم تسويقه لدى الديوان الوطني للحبوب «وحدة اوماش». ومن أجل تأكيد كلامها تظهر هوارية مجموعة فواتير تتضمن كميات الحبوب المسلمة للديوان، وكأنّها أحسّت بعدم تصديقها، وتشير بيدها إلى المساحات الخضراء المتبقية في الحقل بأنها مخصصة لعلف الماشية التي تربيها من ماعز وضأن.
المشاكل التي واجهت هذه السيدة دفعتها إلى تقليص البيوت البلاستكية الى11 بيتا فقط، والباقي قامت بتأجيره لان مواصلة استغلالها أصبحت شبه مستحيلة نظرا لنقص مياه السقي في المنقب الذي تستغله حاليا.
الحصول على رخصة تنقيب..الطّلب الوحيد
لم تستفد صاحبة الحقل من أي مساعدة باستثناء حوض تجميع مياه تحصّلت عليه في إطار برنامج الدعم الفلاحي، بينما لم تتمكن لحد الآن من استكمال بناء منزلها، الذي استهلك أكثر من مليون دينار وتوقفت أشغال بنائه، وهي تنتظر منذ مدة في الاستفادة من برنامج البناء الريفي، لاستكماله خاصة وان بيتها الحالي مهدد بالسقوط، بل انهارت أجزاء منه مؤخرا.
الماء مصدر الحياة ونقصه نتيجة غور مياه المنقب أضحى يشكل أهم انشغال لها، فمستوى الماء أصبح بعيدا وقوة التدفق نزلت إلى حدودها الدنيا، مما يشكل خطرا يهدد بالجفاف، وقد حاولت مع البلدية للسماح لها بترميم المنقب لكن طلبها قوبل بالرفض بحجة أن المنقب ملك عمومي، واضطرت تحت ضرورة الحاجة إلى استبدال المضخة من مالها الخاص، وهي تنتظر حاليا للحصول على رخصة تنقيب لمواصلة نشاطها في خدمة الأرض وترفض كل إغراءات البيع التي تلقتها.  

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024