فتح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عقب توليه سدة الحكم، عدة ملفات من أجل إعادة تنظيم الشؤون السياسية للبلاد، وإحداث قطيعة مع ممارسات سابقة عطلت عمل المؤسسات الدستورية، ووسعت الهوة بين الحاكم والمحكوم. وبعد تزكية الشعب للتعديل الدستوري، «أولى ورشات الإصلاح السياسي»، بات يستلزم الأمر تكييف أكبر قدر من القوانين، أولها قانون الانتخابات ضمن منظور إصلاح شامل للدولة واسترجاع ثقة المواطنين.
حدد الرئيس تبون بدقة خطوات الإصلاح السياسي الشامل للبلاد، فالبداية كانت بتعديل أسمى القوانين «الدستور»، كونه المؤطر لكل القوانين والتشريعات التي تسنّ من أجل حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية والمصالح العليا للبلاد.
وأعلن في عدة مناسبات، أنه بعد تعديل الدستور، ستتم مراجعة قانون الانتخابات، ومن أجل ذلك شكل لجنة من الخبراء أسندت رئاستها مرة أخرى للخبير الأممي أحمد لعرابة، وتضم إطارات من وزارة الداخلية، أوكل إليها مهمة سن نص قانوني يضفي - كما قال - «ضمانات نزاهة الانتخابات للحفاظ على الإرادة الشعبية وإزالة نظام الحصص (الكوطات) لمنح فرص متكافئة للجميع في الترشح والتصويت ويتعزز المشهد السياسي بجيل جديد من المنتخبين».
منع المحاصصة وشراء الذمم
يدرك الجميع أن استكمال خطوات الإصلاح السياسي، يرتبط بمراجعة قانون النظام الانتخابي، بعد أن تسبب النظام الجاري العمل به، في إفراز مجالس منتخبة ألصقت بها عدة أسماء وتهم من «مجالس الشكارة»، إلى «مجالس المال الفاسد»، وبات «التزوير» لصيقا بها، منذ 3 عقود من الزمن، بسبب ممارسات مسؤولين سابقين، وحتى منتخبين ورؤساء أحزاب وتشكيلات سياسية جعلوا من المجالس المنتخبة محل مساومة والفوز بمقعد فيها لمن يدفع أكثر. فالكل متورط بشكل أو بآخر في المشهد السياسي للبلاد، الذي أصبح يحتاج، مثلما قال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في لقائه ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، إلى «عملية تنظيف وتطهير»، عن طريق تعديل القوانين أو إلغائها، خاصة تلك التي لا تتماشى مع الدستور الجديد.
ومن أجل ذلك، رافع لاعتماد نظام انتخابي «صارم» يجرم استعمال المال والوسائل غير القانونية التي لا تجعل المواطنين سواسية أمام الصندوق، وأعطى يوم 19 سبتمبر الماضي، توجيهات لأعضاء اللجنة الوطنية المكلفة بمراجعة النظام الانتخابي، تقضي بتحديد مقاييس انتخابية شفافة تقطع نهائيا مع ممارسات الماضي السلبية بمنع المحاصصة (الكوطة) في توزيع المقاعد وشراء الذمم، والفصل بين المال والسياسة، كشروط لابد منها لأخلقة الحياة السياسية، وضمان انتخابات تعبر حقا ودون منازع عن الإرادة الشعبية، وبذلك تنبثق عنها مؤسسات ديمقراطية نظيفة، ذات مستوى ومصداقية، مفتوحة للشباب لا سيما للجامعيين منهم، والمجتمع المدني.
وأمر أن تراعي المقاييس الجديدة الجمع بين الكفاءة والتجربة في المترشحين، خاصة في المدن الكبرى، كما لا ينبغي أن تحرم أي مواطنة أو مواطن يتمتع بحقوقه السياسية والمدنية من الترشح لأسباب سياسية، ضمانا لتوفير فرص متكافئة للجميع في الترشح، والرقي الاجتماعي والسياسي.
تجديد المجالس المنتخبة
تجديد الحياة السياسية، بناء على ما يتضمنه الدستور الجديد، يلزم إجراء انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة. وكان الرئيس تبون، قد أعلن عن ذلك في أكثر من مناسبة. كما كانت مطلب آلاف الجزائريين في حراكهم الشعبي منذ 22 فبراير 2019، وهي اليوم آمال وطموح مستمر لطي صفحة العهدة الحالية المليئة بالفساد ونهب المال العام.
ولعل الحاجة باتت ملحة للذهاب إلى تجديد المجالس المنتخبة وتعويضها بهذه التي لازالت تعاني من رواسب «المال الفاسد» و»سوء استغلال النفوذ»، خاصة بعدما أكد برلماني متهم في قضايا فساد ويقبع بالسجون، ما تحدث عنه الجميع بخصوص بيع وشراء الذمم في المواعيد الإنتخابية، ووصل الأمر بالبعض إلى طلب رشوة بملايير الدينارات، من أجل منح رأس القائمة الإنتخابية، ناهيك عن تورط منتخبين آخرين في قضايا فساد أخرى مثلما كشفت عنه أطوار محاكمات مازالت مستمرة.
ويسيطر على البرلمان الحالي حزبا جبهة التحرير الوطني (الأفلان) والتجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي). ويتواجد أمينان عامان للحزب، الأول في السجن بتهم جزائية ويتعلق الأمر بمحمد جميعي، وجمال ولد عباس، رفقة أحمد أويحيى الأمين العام السابق للحزب الثاني والذي تولى قيادة الحكومة والمسجون بقضايا فساد، وكلاهما كانا داعمين قويين للسلطة السابقة.
وتنتهي عهدة البرلمان الحالي في جوان 2022، بينما تنتهي عهدة المجالس المحلية الولائية والبلدية في خريف نفس السنة.
ويرى مراقبون سياسيون أن إجراء انتخابات مسبقة، تبقى من بين الحلول لتغيير الساحة السياسية وتركيبة المجالس المنتخبة، بحيث يفسح المجال لبروز طبقة نزيهة ومثقفة وقوى مشكلة من كل التكتلات السياسية المختلفة، خاصة وأن الرئيس تبون تعهد بمنح المساعدة للشباب الذين يترشحون للانتخابات من أجل توسيع مشاركتهم في الحياة السياسية ورفع عددهم في المجالس المنتخبة.
هيئة مستقلة للإنتخابات... ضمان النزاهة
يسعى الرئيس تبون لإحداث القطيعة مع الممارسات السابقة التي أضرت بالعملية الإنتخابية، وإنهاء عهد «التزوير» و»شراء الذمم» وأظهر نيته في ذلك بدسترة السلطة الوطنية المستقلة للإنتخابات، التي كانت مطلبا ملحا من طرف الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني منذ تبني نظام التعددية السياسية، وأصبحت في الدستور الجديد المسؤولة عن تنظيم الاستحقاقات الإنتخابية، بدلا عن الإدارة التي اتهمت في أكثر من مرة بترتيب نتائج الإنتخابات لصالح السلطة والأحزاب الموالية لها.
وتولت السلطة المستقلة تنظيم أول انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر 2019، ولم يطعن في نتائجها أي من المنافسين للرئيس الفائز، وهي تجربة أولى أكسبتها خبرة يمكن تعميقها في الانتخابات المقبلة، خاصة وأنها عملت على هيكلة نفسها، وطنيا ومحليا، حيث تم تعيين ممثلين لها على مستوى البلديات والولايات وعلى المستوى الوطني، وأعضاءها لا ينتمون إلى أي حزب سياسي ما يمكنها العمل بحياد وشفافية بعيدا عن التأثيرات الخارجية.
ومنح الدستور الجديد للسلطة المستقلة للانتخابات صلاحيات واسعة، منها تحضير وتنظيم وتسيير الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية وعمليات الاستفتاء والإشراف عليها، وتمارس مهامها على عمليات التسجيل في القوائم الانتخابية ومراجعتها وعمليات تحضير العملية الانتخابية وعمليات التصويت والفرز والبث في النزاعات الانتخابية.