عقب ارتفاع مستوى العدوى وتصاعد منحى الإصابات

فيروس كورونا يُغيّر حياة الجزائريّين

هيام لعيون

 مقابر ممتلئة..حزن في كل مكان وتسليم بالقضاء والقدر

ساد المثل القائل «اختلفت الأسباب والموت واحدة»، لكن هذا المثل اليوم، وفي زمن كورونا تحول إلى مقولة «سبب واحد لموت واحدة»، اذ لم يكن يتوقع الجزائريون أن يعود فيروس كورونا المستجد بالقوة الرهيبة التي هي عليه اليوم، عقب ارتفاع مستوى العدوى وتصاعد منحى الإصابات، وأدى الى حدوث « موجة ثانية «، شرعت في حصدت الأرواح، وتسجيل إصابات جديدة تمس مختلف الفئات العمرية في المجتمع، وأضحت «كورونا» تهدد كل من يستهين بالفيروس العالمي، الذي تجاوز عدد وفياته في العالم رقم المليون هالك.
لا يخلو بيت جزائري هذه الأيام العصيبة من أحزان، سواء بفقدان الأهل،الجيران الأحباب، الأصدقاء وحتى الزملاء، وكلهم ذهبوا شهداء وضحايا الكوفيد، حتى باتت مقابر الجزائر لا تتوقف يوميا عن احتضان موتاها في جنائز غيّرت كورونا ملامحها..
تواصل جائحة كورونا الانتشار الواضع لها في البلاد، بالرغم من الاحتياطات والتدابير الاحترازية المتخذة، في موجتها الثانية التي كانت أكثر ضراوة من الموجة الأولى، خاصة وأن الجزائر في تلك الفترة ــ أي الموجة الأولى ــ عرفت إغلاقا تاما، ممّا حدّ من انتشار الفيروس بشكل أكبر على غرار ما حدث في دول أوروبية التي تشهد تساقطا كبيرا للأرواح، حيث بات الفيروس في نظر الكثير من الجزائريين غير قاتل، فساد التهاون الكبير في كل مكان، في الأسواق، في المتاجر، في الحافلات، العمل وفي كل التجمعات، وهو ما جعل الفيروس يتخذ من تلك الأماكن حصنا منيعا ليعيد ترتيب نفسه ويحكم قبضته ويهدد حياة الملايين من الجزائريين..

 جنائز يومية وأحزان متواصلة

تعرف مقابر الجزائر يوميا جنائز بعدد متفاوت، تفاوت المعقول، حسب شهادة القاطنين حول تلك المقابر، حيث تقول إحدى السيدات التي يحاذي منزلها مقبرة العالية بالعاصمة: «يوميا نشهد حوالي 30 إلى 40 جنازة من شهداء كوفيد، بشهادة أهليهم، وهو ما لم يكن يحصل في السابق، الموت محيط بنا ربي يسترنا»، هذه الشهادة كانت كافية لبث الخوف من انتشار فيروس كورونا، وصموده في وجه احترازات الجزائريين الذين يأبون هذه المرة المكوث في البيوت للاعتبارات كثيرة أولها الخوف من انحسار الرزق ومسؤوليتهم بتوفير لقمة العيش للأولاد.
وتكافح مقبرة «العالية»، وغيرها من أماكن دفن «الشهداء» من أجل مواكبة المستجد الحاصل في البلاد وفي العالم ككل، حيث لم يعد «حفارو القبور» يتولون مسؤولية تحديد مواقع الدفن الجديدة، بل تم الاستعانة بالجرافات والآلات الحديدة التي باتت تتولى حفر القبور، نظرا لانتشار المخاوف من انتقال العدوى الى الأحياء، وحدث بذلك عزوف كبير للمتطوعين مع كثرة الجنائز، لكن وبالرغم من ذلك يواصل أهل الخير الوقوف الى جانب بعضهم البعض وحضور بعض الجنائز. 

 «السوشل ميديا» تتوشّح بالسّواد

أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام تعجّ بإعلانات الوفيات، ونشر أخبار التعازي، ودعوات لا تتوقف عن طلب الدعاء بالشفاء للأهل والأقارب تتخللها دعوات لرفع البلاد والوباء، حيث لا يكاد يمر يوم في حائط أحد أصدقاء الفيسبوك، إلا ويتوشح بالسواد، معلنا وفاة واحد من الأهل أو الأصدقاء أو الجيران، حيث انتشر سواد مخيف أصبح ينفرنا من ولوج العالم الافتراضي، الا للحاجة أو الاطمئنان على الأصدقاء الذين باتوا من العائلة الكبيرة.
تكتب إحدى الصديقات على حائطها الافتراضي أمس مفاجأة «لا أكاد أصدق، إخوة وأقارب وجيران وزملاء يرحلون في لمح البصر تتخطفهم الموت تباعا، وبعضهم في ريعان الشباب ومقتبل العمر، اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا وارفع عنا البلاد»، في حين يكتب صديق آخر على صفحته الرسمية «أصبحت أخبار الموت تزكم الأنوف، والخشية من القادم وما يحمله لنا كوفيد 19 من مفاجآت لا قدر الله»، وكتبت أخرى «أصبحت أخاف من أخبار الموت ومن الدخول الى موقع الفيسبوك لكثرة إعلانات الوفاة، الأمر جلل»، أما صفحات الفيسبوك الأخرى المتخصصة في أخبار البلديات أو الولايات والأحياء المنتشرة بكثرة في الفيسبوك، فقد باتت تخصص يوميا أخبارا عن انتقال احد المعارف إلى العالم الآخر»، وتنعي أشخاصا وتترحم على آخرين».

شباب في مقتبل العمر...ومستشفيات تستغيث

لم يفرّق «كوفيد 19» بين ضحاياه، ففي وقت كان الاعتقاد سائدا انه يستهدف كبار السن نظرا لنقص المناعة، إلا أنه بات يحصد أرواح شباب في مقتبل العمر، والأمثلة كثيرة والأخبار غير السارة تصلنا يوميا، ولاحق الفيروس أيضا مسؤولين في الدولة وقضى عليهم، وزادت المخاوف في المدارس من استهداف الأساتذة من قبل الفيروس، حيث أطلقوا تحذيرات في هذا الشأن، وحتى من احتمال نقل العدوى لطلاب الثانويات.
في مستشفيات العاصمة - قبلة كل مرضى الجزائر، خاصة المستشفى الجامعي مصطفى باشا بالعاصمة الجزائر، أكبر مستشفيات البلاد، امتلأت عن آخرها بالمصابين بفيروس كورونا، ناهيك عن مستشفيات الولايات الأخرى منها، بوفاريك جيجل وغيرها من البنايات الصحية في الجزائر التي باتت تستغيث بالرغم من الدعوات التي يطلقها يوميا الأطقم الطبية لتوخي الحذر، والتخلي عن حالة الاستهتار التي شهدتها البلاد ولا تزال، وكان آخر ما حدث الجمعة الماضي عندما وقف جزائريون في طوابير طويلة من أجل الدخول الى المركز التجاري بباب الزوار للظفر بتخفيضات أعلنت من قبل من إدارته، ما خلف موجة من الاستنكار لدى الجزائريين بعد انتشار صور الطوابير، فيما لا يزال العجزة ورواد مراكز بريد الجزائر يعانون من نقص السيولة وينتظرون في طوابير الحصول على أموالهم، وهي كلها عوامل تزيد من انتشار حدة الفيروس «اللعين».
وقد باتت مستشفيات البلاد مكانا غير مرغوب فيه هذه الأيام، ولا يقصده إلا أصحاب الحالات الطارئة أو أصحاب «كوفيد»، الذين وصلوا الى مراحل متقدمة في انتشار الفيروس في الرئتين، خاصة وأن الأخير لا يزال يحصد يوميا أرواح خيرة أطبائنا وممرضينا وكل العاملين بالمستشفيات الذين يواجهون المرض منذ مارس الماضي بكل عزيمة، بالرغم من كل المخاطر التي يعيشونها دون ذكر الظروف الخاصة التي يتواجدون فيها، أولها بعدهم عن أهاليهم بسبب الخوف من نقل العدوى لهم.
لا يوجد في الوقت الحالي أي حل لمواجهة انتشار فيروس كورونا سوى اتخاذ كل تدابير الحيطة والحذر، وتقليل الخروج من المنازل الا للضرورة، في ظل عدم توفّر اللقاح حاليًا. في انتظار معرفة ما ستقرره السلطات العليا في البلاد، التي قالت أن الأمر مقلق جدا، مع دخول البلاد في «الموجة الثانية» وتصاعد مطالب صادرة عن عدة جهات منها وأطباء بالعودة إلى الحجر الصحي الشامل. وفي هذا الوقت بالذات عاد هاجس الغلق وفرض الحجر الصحي، ليخيم على الجزائريين، خاصة أصحاب الطبقة الوسطى وأصحاب الأعمال الذين يتخوفون من العودة إلى الغلق، وما يسببه من متاعب مالية صعبة، خاصة وأن الإستفاقة من خسائر الغلق الأول الذي وقع بداية انتشار الموجة الأولى لم يحدث لغاية الساعة..
يأتي هذا في وقت قالت منظمة الصحة العالمية في الساعات الماضية «إن جائحة فيروس كورونا تباطأت في أوروبا لكنها تزداد في أفريقيا»، وأضافت أن «أفريقيا سجلت أعلى زيادة في حالات الإصابة والوفيات الجديدة، مدفوعة بالحالات المسجلة في جنوب أفريقيا والجزائر وكينيا خلال الأسبوع الماضي».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024