الفيروس يضُر بالأنشطة بشكل متفاوت

وكالات السياحة، المدارس الخاصة وقاعات الحفلات أكبر المتضررين

البليدة: أحمد حفاف

في استطلاع بولاية البليدة، تأكد أن جائحة كورونا لم ينجو منها نشاط، بل كانت نسبة الضرر متفاوتة من نشاط لآخر ومن مهنة لأخرى، فالعمال اليوميون وعمال القطاع الخاص كانوا أول ضحايا الوباء، مع الدخول بصفة مفاجئة في سيناريو لم يسبق لهم وأن عايشوه من قبل لا هم ولا آباؤهم ولا أجدادهم.
جاء فيروس كورونا كالسيول الجارفة التي تُحدثها أمطار الخريف، فحصد الأرواح وأضر بالممتلكات، وإذا كان أثر هذه الظاهرة الطبيعية ظرفيا ومحصور المكان، فإن الوباء اجتاح العالم قاطبة، فحمل اسم الجائحة، والخلاص منه يلوح في الأفق، لأن الله كما أنزل الداء سيٌنزل الدواء.
وسعيا للحفاظ على الصحة العامة، تعاملت السلطات العليا في بلادنا بحذر مع الجائحة، بداية بفرض حجر صحي كامل على ولاية البليدة التي كانت بها أول بؤرة للمرض، وحجر جزئي للولايات الأخرى، ثم أقرت تخفيف إجراءات الحجر تدريجيا مع السماح بعودة بعض الأنشطة لتعود عجلة الاقتصاد إلى الدوران.

الحجر يفاجئ العامل اليومي وعمال القطاع الخاص

يقول أحمد وهو عامل يومي يشتغل حمالا في بني مراد بولاية البليدة:» أنا أشتغل عاملا يوميا وأحصل على قُوت يومي بصفة يومية حيث استيقظ باكرا وأتوجه إلى حيث يمكنني القيام بأي عمل لأحصل على مقابل مالي، وغالبا ما أشتغل حمالا، ولما قررت الدولة تطبيق الحجر الصحي الكامل، بقيت بلا عمل ولم أجد ما أنفق به على عائلتي، ومن حسن حظنا أن الدولة خصصت لنا منحة مليون سنتيم فيما بعد».
من جهته أكد محمد وهو عامل بشركة بناء خاصة:» بعد فرض الحجر الصحي الكامل توقفت عن العمل وتوقف نشاط الشركة التي أعمل لفائدتها، وبقيت بدون أجر على عكس العمال التابعين الذين يشتغلون في شركات عمومية، والذين بقيت أجورهم تُسدد بصفة عادية مثلهم مثل الموظفين العامين... لقد تأثرت كثيرا ومن حسن التدبير أنني كنت أوفر مبلغا معتبرا لجأت إليه».
وعندما نتحدث عن هذه الفئة أي العمال البسطاء، يعود إلى الأذهان ممتهنو السوق الموازية أوالذين يعرضون سلعهم في الأماكن التي تعج بالمارة أوما يسمى بالعامية «الدلالة»، فهؤلاء يسترزقون عندما يكون التقارب لا التباعد، وبسبب فرض الحجر على كامل البلاد دخلوا في بطالة ومعاناة مثلهم مثل تجار الأسواق الشعبية سواء تجار الجملة أو بالتجزئة.

مُلاك قاعات الحفلات والوكالات السياحية .. معاناة في صمت

وفي بداية التعامل مع الجائحة وفرض الحجر الكلي والجزئي غير المخفف، تأثر الجميع بمن فيهم ممتهنو الحلاقة سواء عند الرجال أو النساء، وكذا أصحاب المرشات العمومية ومقاهي الأنترنت، ولفت انتباهنا أن بعض الناشطين في قطاع البناء استمروا في عملهم كونهم أصحاب مهن حرة، لكن قل عليهم الطلب فيما بعد، فمن كان يرغب في ترميم بيته مثلا، فضل توفير المال لمستقبل مجهول.
ولقد أضر قرار فرض التباعد الاجتماعي بشكل كبير بنشاط قاعات الحفلات بعدما كانت تُحقق أرباحا معتبرة، فمُلاكها وعمالهم يعانون في صمت منذ توقفهم عن العمل في شهر مارس الماضي، وكان لنا حديث مع كمال وهو صاحب قاعة حفلات في شفة، إذ يتحدث بألم:» بعدما صبرت لأكثر من 4 أشهر فكرت في أن أُزاول نشاطا آخرا، لكن المشكل هو أن الجميع يعاني بسبب نقص حركية الأموال وتوقف الكثير عن العمل، فمثلا لو أفتح محلا لبيع الملابس فمن يشتري ؟ كثير من العمال توقفوا على العمل للأسف الشديد (يتحسر بشدة)..».
وتأثر أصحاب الوكالات السياحية بقرار فرض التباعد الاجتماعي، وبغلق الحدود الجوية والبحرية والبرية للدول، وتوقف نشاطهم بصفة قسرية، وهنا كان لنا حديث مع صاحب وكالة سياحية من أولاد يعيش: «رغم أنني كنت أزاول عملي بمقر قمت باستئجاره بالعاصمة،  كنت أجني ثمار عملي والحمد لله، سواء بتنظيم رحلات العمرة والسفر السياحي إلى الخارج، والآن أنا متوقف وأنتظر الفرج... لكن يجب أن نحمد الله على سلامتنا فالناس يموتون يوميا بالوباء».
وإذا كان جُلّ العمال قد عادوا إلى نشاطهم وفق بروتوكول خاص مع اتباع إجراءات الوقاية، فإن مالكي قاعات الحفلات وأصحاب الوكالات السياحية مازالوا في بطالة قاربت 9 أشهر كاملة، واضطر عدد منهم لتغيير نشاطه، فيما يتسلح البعض الآخر بالصبر والإيمان، ويترقبون اكتشاف لقاح لهذا الوباء..

إفلاس المدارس الخاصة وتوقف نشاطها

توقف نشاط دور الحضانة خلال الأشهر الأولى من الحجر الصحي، ثم تم السماح لها بالعمل تدريجيا، أما المدارس الخاصة فقد أفلست بسبب الحجر الصحي خاصة وأنها تحصل عائداتها من حقوق التمدرس للتلاميذ المسجلين بها، غير أن قرار منع الدراسة جعلها توقف نشاطها، وهناك من عرض مدرسته الخاصة للبيع، فضلا عن أستاذة كانوا يشتغلون في القطاع العام وظلوا لأشهر في عطلة مدفوعة الأجر، لم يقدموا دروس الدعم التي كانت تدر عليهم مداخيل إضافية.
ويتوقع أن تندثر الكثير من المدارس الخاصة، لاسيما إذا ما طالت هذه الأزمة الصحية التي يعرفها العالم. وبعيدا عن مهنة التعليم والتربية عرف نشاط المقاهي والمطاعم ركودا حتى صار فنجان قهوة حلما خاصة بالنسبة للمدمنين، وهنا يصرح لنا صاحب قصابة في البليدة: «أصحاب المطاعم تأثروا كثيرا خاصة هؤلاء الذين يبيعون الشواء، وتأثرنا نحن لعدم بيعنا اللحوم لهم... وهذا ما يعني أن المعادلة تقول بأن الأزمة الصحية مسًت الكل لكن بشكل متفاوت يعني الكل بحسب نشاطه».

الناقلون ما بين الولايات ينتظرون الفرج

وإذا كان العامل اليومي قد عاد إلى نشاطه بعد تخفيف الحجر ورفعه في بعض الولايات، وكذا بالنسبة للذين يعملون في القطاع الخاص، حيث استأنف بعضهم عملهم لاسيما في قطاع البناء والأشغال العمومية، فإن الناقلين ماي بين الولايات مازالوا يُعانون من البطالة، سواء تعلق الأمر بسائقي سيارات الأجرة، أو الحافلات.
وفي هذا الصدد يقول عمي امحمد الذي يشغل سائق أجرة لأكثر من 30 سنة:»نحن في بطالة لعدة شهور ومنحة 3 ملايين سنتيم لم نحصل عليها إلا مؤخرا، وهذه لا تكفي إطلاقا لقضاء حاجياتنا الضرورية، لكن ما عسانا أن نفعل؟ سنصبر ونحتسب ونتضرع لله كي يرفع عنا هذا الوباء».
وعانى ممتهنو النقل كثيرا مع بداية الحجر الكامل على غرار هشام من شفة وهو أب لثلاثة أولاد ويشتغل قابضا في حافلة تشتغل في خط العفرون- البليدة، حيث يستحضر ما ألم به:» لقد بقيت لشهور بدون راتب ومررت بفترة صعبة جدا، لكن الحمد لله أننا عدنا للعمل بعدما سمحوا للنقل داخل الولاية بالعودة إلى النشاط».

مهنة «كلونديستان» تنتعش!

ودائما فيما يتعلق بقطاع النقل، فإن مصائب قوم عند قوم فوائد، فأصحاب السيارات الخاصة الذين يمتهنون النقل أو ما يسمى بالعامية «كلونديستان» استغلوا الظرف الصعب لصالحهم خاصة خلال الأشهر الأولى للحجر، فرغم أنهم يسهلون التنقل إلى أماكن حيث لا يوجد وسائل النقل إليها، إلا أنهم يفرضون أسعارهم المرتفعة التي يتحملها المواطن البسيط .
وانتعشت هذه المهنة بشكل لافت في مدينة البليدة نظرا لقربها من الجزائر العاصمة، وبمحاذاة منطقة الرامول أين تقع محطة الحافلات تجد طوابير من سيارات «كلونديستان» نحو خميس مليانة (ولاية عين الدفلى)، والمدية والجزائر العاصمة، وتيسمسيلت...  وإذا ما أراد الزبون أن يسافر بثمن منخفض، من الأفضل أن يتوجه إلى موقف خزرونة أين يصطف ناقلين وينظم عملهم صاحب مهنة المنظم مقابل دراهم يحصلها منهم، ويحصل « الكلونديستان» على ألف دينار بنقل أربعة أشخاص من البليدة إلى العاصمة أي بـ 250 لكل واحد منهم. واللافت أن من بين هؤلاء الناقلين سواق أجرة اضطروا للعمل رغم منعهم من ذلك، وذلك للتكفل بمصاريف عائلاتهم خاصة بعد تأخر حصولهم على منحة الدولة، ومنهم من اكتشف أمره من قبل أفراد الدرك الوطني، وتم حجز سيارته في المحشر بحسب ما رواه لنا عمي امحمد.

بائعو الكمامات والمعقمات .. مهنة جديدة!

شهدت بعض المهن والأنشطة استقرارا ولم تتأثر بالحجر الذي فرضته الدولة، كونها اُستثنيت لأهميتها القصوى، وهي العمل الفلاحي وبيع الخضر والفواكه، وتجارة المواد الغذائية العامة وبيع المواشي، استمرت المراكز التجارية الكبرى في نشاطها، مثلما هو حال مركز «فاميلي شوب» الشهير في مدينة الورود الذي يعرف إقبالا كبيرا عليه لاسيما من العائلات..
واللافت منذ الأيام الأولى للجائحة، هو ظهور تجارة جديدة، وهي بيع الأقنعة أو ما يسمى بالكمامات، والتي عرضت بمبلغ يصل إلى 200 دج في الأشهر الأولى للوباء، ومع إلزامية ارتدائها فإن استهلاكها بات كبيرا، ولا شك أنها تدر أموالا كبيرة على بائعيها ومنتجيها (ورشات الخياطة).
والأمر مشابه لبيع المعقمات ومواد التطهير بشكل عام، خاصة وأن السلطات سمحت ببيعها في الصيدليات وفي كل المتاجر، كي تكون متاحة بشكل كبير أمام المواطنين، والتي ارتفع استعمالها بعد تخفيف إجراءات الحجر، خاصة مع إلزامية وضع المعقمات في المتاجر والمحلات والمقاهي والمطاعم ووسائل النقل، ومختلف المرافق العمومية، مع العلم أن سعر علبة 800 غرام من المحلول المعقم يصل إلى 150 دج.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024