البيروقراطية ولوبيات الربح السهل

حجر عثرة يمنع إطلاق صناعة خشب حقيقية

فتيحة كلواز

ضرورة إنشاء مؤسسة عمومية للخشب لاستغلال اقتصادي مثالي للثروة الغابية

 أرجع الخبير الاقتصادي بلال عوالي، غياب صناعة خشب حقيقية في الجزائر إلى عائقين مهمين، هما البيروقراطية ولوبيات الربح السهل، اللذين يقفان في وجه أي انطلاقة لهذا القطاع، رغم ما تزخر به الجزائر من ثروات غابية مهمة تؤهلها لأن تكون أحد البلدان الرائدة في هذا المجال، لذلك أصبح تغيير الذهنيات أمرا ضروريا لدفع عجلة الاقتصاد الوطني.

يؤكد الخبير الاقتصادي بلال عوالي، في اتصال مع «الشعب ويكاند»، أن الجزائر تتوفر على ثروة غابية كبيرة يؤهلها استغلال ما تزخر به من الخشب الخام الى مصدر لتحقيق إيرادات هامة من العملة الصعبة، لكن رغم هذه الإمكانات الطبيعية تعد الجزائر من أكبر الدول المستوردة لمادة الخشب، في ظل غياب صناعة تحويلية حقيقية لاستثمار ناجع لها.
وقال إن الحرائق التي تعرفها غابات الجزائر في السنوات الأخيرة، تؤثر سلبا على الاستثمار الاقتصادي بكل أنواعه وليس سوق الخشب فقط، بل كل ما يمكن استغلاله أو إنتاجه من هذه الثروة الغابية، كالصناعة الصيدلانية وشبه الصيدلانية التي تم مؤخرا استحداث وزارة خاصة بالمواد الصيدلانية لها علاقة مباشرة بالإمكانات الغابية للجزائر.
من جهته، أوضح عوالي أن إعادة بعث مشروع السد الأخضر هو ترجمة فعلية لرؤيتها الاقتصادية لهذه الثروة. فهذا القرار الذي جاء به مجلس الحكومة شهر جويلية الماضي، سطر أهدافا محددة لتحقيقها، كان من بينها تحقيق المقاربة بين الاستغلال الاقتصادي للثروة الغابية، من خلال إحداث القطيعة مع استيراد مختلف أنواع الخشب التي تزخر بها الجزائر، وبين حماية البيئة، إضافة إلى الحماية من التصحر والجفاف.
ويرى الدكتور عوالي، أن الحرائق التي أتت على مساحات كبيرة من غابات الجزائر لها عدة أبعاد، أحدها ضرب الاقتصاد الوطني بطريقة غير مباشرة، لأن الثروة الغابية تتوفر على منجم خشبي كبير لم يتم استغلاله، كأشجار الفلين التي تعرف مساحاتها تقلصا كبيرا بسبب ذلك، إضافة إلى عدم استغلالها في صناعة متخصصة بهذه الشعبة ما جعلها تعاني بسبب قلة الاستثمار فيها.
فرغم استعداد الحكومة تقديم مساعدات كبيرة تصل الى حوالي 90٪ لتمويل المؤسسات الناشئة المهتمة بالصناعات التحويلية، إلا أن هذه الشعبة والخشب بصفة عامة لا تثير اهتمام المستثمرين، فلو تم تطويره ليصل الى مرحلة التصدير، لكان أحد المواد المهمة الجالبة للعملة الصعبة، ولأصبحت الجزائر أحد البلدان الرائدة في هذا المجال لما تملكه من ثروة غابية.

غياب الصناعة التحويلية وراء الإهمال

في هذا الصدد، كشف عوالي ان الإمكانات الطبيعية الموجودة تسمح بنهوض القطاع، إلا أن الجزائر عجزت عن فعل ذلك، ما أبقاه مهملا لسنوات طويلة. لذلك اقترح إنشاء مؤسسة عمومية على الأقل تهتم بالاستثمار في قطاع الخشب، لأنه من غير الممكن عدم وجودها، خاصة إذا علمنا أن أكبر دول العالم كأمريكا وأستراليا وحتى الصين، تولي أهمية قصوى لهذا المجال، مؤكدا ان عدم امتلاك الجزائر لصناعة تحويلية حقيقية فيه ساهم في إهمال صناعة الخشب ومشتقاته.
تنامت في السنوات الأخيرة ظاهرة استغلال الثروة الفحمية للغابات لاستخراج الفحم بطريقة غير شرعية. وتزامنت حرائق الغابات في السنوات الأخيرة مع عيد الأضحى، لوجود ما يعرف بالثروة الفحمية في باطن الغابات، متأسفا في الوقت نفسه عن غياب استعمال الطرق التقنية لاستخراج الفحم في المناطق الغابية بسبب عدم امتلاك الجزائر لها.
وتساءل المتحدث، عن الدور الذي تلعبه محافظة الغابات ووزارة البيئة في ظل غياب شراكة تجمعهما مع وزارة الصناعة ووزارة الصناعة الصيدلانية، في إطار تقارب وعمل مشترك يتم من خلاله دعم مؤسسات ناشئة تقوم باستغلال الخشب والثروة النباتية، في مختلف الصناعات التحويلية كالصناعة الصيدلانية وشبه الصيدلانية ومواد التجميل.
وكشف عوالي، أن ثمار مادة الصنوبر الحلبي غير المستغلة في الجزائر (أي الزقوقو) تُدرّ على البلدان الأوربية عملة صعبة كبير جدا، حيث تسحقه بآلة بسيطة وتبيعه بعشرات الدولارات وبكمية لا تتجاوز الغرام الواحد، بل تعتبر الجزائر أحد البلدان المستوردة لهذه المادة، رغم امتلاكها مساحات كبيرة من هذا النوع من الأشجار، ورغم ان هذا النوع من الاستثمار غير مكلف، فمشروع بسيط جدا تمنحه الدولة الدعم الكافي يستطيع تحويل الجزائر من بلد مستورد إلى منتج لها.

البيروقراطية... العائق الأكبر

وقال عوالي إن أكبر إشكال يعانيه الاستثمار في قطاع الخشب هو البيروقراطية، بالنظر إلى كونه قطاعا مشتركا بين وزارة الفلاحة والبيئة، والكل يعلم أن مثل هذا الوضع يخلق عراقيل بيروقراطية كبيرة للمستثمر في إنجاز أي مشروع لاستغلال الخشب، لذلك دعي الى فتح المجال أمام الاستثمار الرشيد للثروة الغابية حتى تضرب الجزائر عصفورين بحجر واحد.
من جهة، يساهم في خفض الميزان التجاري من خلال خفض فاتورة استيراد مادة الخشب من الخارج، ما يساهم في رفع احتياطي الصرف بتصدير ما تنتجه الصناعات التحويلية، خاصة في المواد الصيدلانية المستخرجة من الثروة الغابية.
من جهة أخرى، المحافظة على البيئة بعدم تغليب الطابع الاقتصادي على البيئي، فإلى جانب كون الجزائر بلدا ذا ثقافة بيئية تحافظ من خلالها على مناخها، هي أيضا مرتبطة باتفاقيات دولية. ولعل هَبّة الدولة بتوفيرها كل الإمكانات اللازمة لتلافي الخسائر الغابية والحيوانية عند حدوث الحرائق خير دليل على ذلك، خاصة وأنها أكدت التعامل بصرامة مع الفاعلين أو المتسببين فيها، لأن الغابة مصدر حياة لها أبعاد عدة يشكل البعد الاقتصادي أحدها.
لكن رغم أنها منجم حقيقي إلا انه غير مستغل تماما، ولاحظ أيضا ان حجم الاستثمارات في هذا القطاع شبه منعدم في الجزائر، لأنه يحتاج الى بيروقراطية كبيرة لاستيفاء الملف والمرور الى مرحلة الإنجاز، هي عراقيل حقيقية تقف حجر عثرة أمامه.

لوبيات ترفض التغيير

وكشف بلال عوالي، أن اللوبيات المستوردة للخشب تقف في وجه أي انطلاقة لصناعة الخشب، بسبب تعودهم على الربح السريع، خاصة إذا علمنا ان عملية الاستيراد تعرف عند الاقتصاديين بأنها الربح السهل والكبير، فسوق الخشب هو سوق منافس لا يمكن حصره في دول معينة فقط، فهناك دول لا تملك ثروة غابية إلا أنها تصدر الخشب الذي تستورده دول أخرى، لكن الجزائر رغم امتلاكها لهذه الثروة تستورد الخشب ومشتقاته، ويجلبه المستثمر بأسعار منخفضة ليبيعه في السوق الجزائرية بأسعار مرتفعة، خاصة في غياب صناعة تحويلية حقيقية في هذا المجال.
في ذات السياق، أكد أن اللوبيات تقف أمام وجود مؤسسة عمومية للخشب، وحتى وإن وجدت لن تكون لها تلك الفعالية المؤثرة في الاقتصاد الوطني، لأن أغلب الخشب الموجود مستورد.
أما صناعة الورق، فتعتمد على إعادة رسكلة النفايات الورقية، في حين نجد الاتجاه العالمي يسير نحو خفض استعمال الورق بسبب الاعتماد على الرقمنة في تعاملاته.
في نفس الإطار، أرجع المتحدث رفض اللوبيات بعث الاستثمار في القطاعات الاقتصادية وليس الخشب فقط، إلى رفضهم التغيير للخروج من واقع اقتصادي يقوم على الاستيراد والربح السهل والسريع، فمؤسسات التصدير والاستيراد الموجودة هي في الحقيقة للاستيراد فقط، يستوردون السلع بأسعار منخفضة ثم يبيعونها في السوق الجزائرية بأسعار مضاعفة.
تحول الجزائر الى قطب اقتصادي وبوابة إفريقيا، لا يخدم مصالح بعض الدول في الخارج واللوبيات في الداخل في جميع القطاعات الاقتصادية، لذلك يعتبر تجذر عقلية الربح السهل المتمثلة في الاستيراد العائق الأكبر في هذا الباب.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024