رغم ظروف العمل الصعبة وقلة عددهم في الجبال

أطباء وممرضون ثاروا على المستعمر الفرنسي

صونيا طبة

أكثر من 30 طبيب وطالب   استشهدوا
شكل التحضير المسبق لاندلاع الثورة التحريرية منعرجا حاسما في نجاحها على المستعمر الفرنسي، حيث لم يقتصر على الميدان العسكري والسياسي فقط وإنما طال حتى النظام الصحي نظرا للحاجة الماسة لأطباء وممرضين يتدخلون لإنقاذ الجرحى من المجاهدين في الجبال والمدنيين الذين لم يسلموا من مواجهات قوات الاستعمار الغاشم.

بالرغم من صعوبة المهمة في تلك الفترة نظرا لعدم توفر الإمكانيات ووسائل العلاج وقلة عدد الأطباء المتطوعون، زيادة على ندرة الأدوية، إلا أن جبهة التحرير الوطني بذلت قصارى المجهودات لتغطية هذا النقص من خلال تكوين المتطوعين في مختلف الولايات، عبر الاستفادة من خبرة بعض الأطباء المؤهلين، الذين كانوا يعدون على الأصابع، وهم الذين كتبوا بدراستهم في الطب لغة المقاومة وقدموا أنفسهم فداءا للوطن ولم يبخلوا بعطائهم المستمر حتى آخر يوم من حياتهم.
في هذا الإطار، تطرق البروفيسور مصطفى خياطي في دراسة حملت عنوان «أصحاب المآزر البيضاء خلال الثورة»، إلى الصعوبات التي اعترضت الأطباء والممرضين في الجبال نظرا لعدم وجود الإمكانيات ووسائل تمكنهم من علاج المجاهدين الذين يتعرضون إلى إصابات مختلفة جراء المواجهات مع قوات الاستعمار الفرنسي المزودين بأحدث أسلحة القتال عكس ما كان يتوفر عليه المجاهدين.
وأبرز البروفيسور خياطي كفاح الأطباء البواسل منذ اندلاع الثورة والذين لم يستسلموا للظروف الصعبة والمتعبة في الميدان، بل واصلوا نضالهم إلى جانب الثوار إلى غاية الحصول على الاستقلال، علما أن القائمين على إدارة شؤون العمليات العسكرية والسياسية سارعوا إلى توفير الموارد البشرية والأدوية والوسائل الطبية للتكفل بالجرحى والمرضى في الوحدات العسكرية، وبين المدنيين بعد الخسائر البشرية الكبيرة التي خلفتها العمليات الأولى ليلة أول نوفمبر 1954 في المنطقة الرابعة، مع عوائق كبرى في التوفير المنتظم والمستمر لتلك الإمكانيات.
 واعتبرت الفترة الأولى الممتدة من 1954 إلى 1956 المرحلة الأصعب، حيث اعترضت الثورة عوائق تنظيم نقل الجرحى وجمع الأدوية خصوصا وسائل التضميد وأدوات الجراحة الخفيفة، واستمر الوضع إلى غاية إلتحاق طلبة الطب والصيدلة والتمريض بعد إضراب 19 ماي 1956 مثل لمين خان، يوسف الخطيب، ابن تامي الجيلالي، عبد الكريم بابا أحمد، عبد السلام هدام، عبد الوهاب بشير، زيزة مسيكة، مليكة قايد وفرانز فانون وغيرهم. كما استحدثت مستشفيات نموذجية قارة بالولاية الثانية التاريخية سرعان ما تحولت إلى مستشفيات متنقلة.
وشهدت تلك الفترة قلة في عدد مستخدمي الصحة،  بالإضافة إلى افتقادهم للخبرة والكفاءة الذي كان يشكل عائق أمامهم، و من بين مئات الأطباء و300 طالب التحقوا بالجبال في شرق وغرب الجزائر، في حين أن 10 بالمائة فقط كانوا يقدمون خدمات صحية في الجبال الواقعة في الولايات الداخلية  الأمر الذي مكن العديد منهم من كسب خبرة في مجال الطب والتمريض وسقوط أعداد كبيرة من الجرحى الأمر الذي يتطلب التدخل الاستعجالي لإنقادهم.
القليل من الممرضين الذين كانوا يستفيدون من خبرة أطباء مؤهلين يحاولون تطبيقها في الميدان،  لأن الضرورة تقتضي التطوع لعلاج المجاهدين الجرحى أغلبية الولايات توفروا على ممرضين وممرضات متطوعين التحقوا بالجبال مباشرة بعد تخرجهم من المدرسة الشبه الطبي بوهران، سطيف  والجزائر العاصمة وقسنطينة أو ممرضين عملوا في المستشفيات .
 وحسب دراسة خياطي فإن أكثر من 30 طبيب ممارس وطالب في عدة اختصاصات طبية استشهدوا وأكثر من 60 عانوا من التوقيف والتعذيب والسجن، وأكثر من 120 آخرين إلتحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني في الجبال وعلى طول الحدود، مشيرا إلى أن العدد الإجمالي للأطباء والطلبة آنذاك لا يتجاوز 400 شخص.
وأضاف أن القليل من الممرضين الذين كانوا يستفيدون من خبرة أطباء مؤهلين يحاولون تطبيقها في الميدان، لأن الضرورة تقتضي التطوع لعلاج المجاهدين الجرحى أغلبية الولايات توفروا على ممرضين وممرضات متطوعين التحقوا بالجبال مباشرة بعد تخرجهم من مدرسة شبه الطبي بوهران، سطيف والجزائر العاصمة وقسنطينة أو ممرضين عملوا في المستشفيات.
 وساهم إضراب 19 ماي 1956 في قلب الموازين والتخلص من مشكلة قلة عدد الأطباء بعد التجند المذهل للطلبة، منهم المتخصصون في الطب والذي صنع الفارق، وسمح برفع عدد الأطباء المساهمين في التكفل بالمجاهدين في الجبال على مستوى مختلف المناطق عبر جميع الولايات.
يمكن القول إن قيادة الثورة أرست نظاما صحيا فعالا استمر بعد الاستقلال، مساهما في ضمان تغطية صحية شاملة مجانية، بعد المعاناة والظروف القاسية التي خلفها الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري، بعد أن مرت الخدمات الصحية التي وفرتها الثورة الجزائرية خلال حرب التحرير بمرحلتين كانت في بدايتها عبارة عن خدمات بسيطة في حدود الإمكانيات المتاحة، إلا أنها تطورت بعد ذلك بشكل كبير جعلها تستجيب لمتطلبات الحرب في علاج الجرحى من المجاهدين، بل وفي توفير رعاية صحية شاملة للسكان الجزائريين في القرى والأرياف، والذين تركهم الاستعمار عن تعمد وسبق إصرار عرضة للأوبئة ومختلف الأمراض.



 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024