«لودي»..معتقل يحمل خفايا حلقة منسية من تاريخ الجزائر، هنا وفي هذه القرية وخلال ثورة نوفمبر المجيدة، سجن المئات من الأقدام السود المتعاطفين مع القضية الجزائرية والمطالبين بإستقلال الجزائر، قبعوا أعواما في بنايات حقيرة محاطة بالأسلاك الشائكة، خاضعين لتفتيش فرق الدرك الفرنسية، المتنقلة ليل نهار بعيدا عن المدن الكبرى والأنظار. تمّ حبسهم دون محاكمة، فقط بأمر من المحافظ.
«معتقل لودي» قرية صغيرة على بعد حوالي مائة كيلومتر جنوب غرب الجزائر العاصمة، قرب مدينة المدية تحمل إسم الجسر الإيطالي الذي سمح لجيوش نابليون بالدخول منتصرة إلى ميلان، لكن نزل فيها الفرنسيون أيام ديسمبر، وكانوا قبل ذلك قد ركبوا على متن سفينة في ميناء باريس-بيرسي ومعهم دليل علمي، عبروا البحر الأبيض المتوسط على متن «كريستوف كولومب» ثم صعدوا عبر طريق ممرات الشفة الضيقة، وتحولوا الى غرب المدينة في الوقت الذي وضعوا فيه عدتهم على قمة الدخلة، غيّروا إسم القرية ذراع السمار ليصبح إسمها «لودي»، نسبة الى معركة الجسر الذي يحمل نفس الاسم في لومبارديا والتي سمحت لبونابارت في ماي 1796 أن يقتحم الجيوش النمساوية وأن يدخل ميلان منتصرا لتصبح بعدها هذه القرية أكبر معتقل للفرنسيين تحت ما يسمى بمعتقل الأقدام السوداء.
هذه القرية واحدة من بين عشرات «مراكز الإيواء» التي ظهرت في الجزائر، بعد الفاتح نوفمبر 1954.
احتل مركز لودي مكانة خاصة فهو معتقل الفرنسيين، معتقل الأقدام السوداء، فيه التقى أطباء، مهندسون معماريون، عمال السكك الحديدية، عمال شركة الغاز كهربائيون، مقاومو الحرب العالمية الثانية، المعتقلون القدامى في «داخو» وكذلك «البير سماجا»، المحامي «فرناند إيفتون»، الفرنسي الوحيد الذي أعدم بالمقصلة لمحاولته تفجير قنبلة، وجورج حجاج، آخر من كان مع موريس أودان في الزنزانة، أستاذ الرياضيات الذي اختفى بعد جلسة تعذيب بالكهرباء، وهنري علاق، مؤلف «المسألة» الذي وصل الى لودي في صيف 1957 بعد أيام طويلة من التعذيب الفظيع على يد المظليين وغيرهم كثيرون.
قرية «لودي»، صفحة هامة من تاريخ الجزائر، سلطت عليها الضوء «ناتالي فوناس» صحفية بجريدة «le Nouvel Observateur «، متحصلة على درجة الماجستر في الاقتصاد الدولي وشهادة الدراسات العليا في الاتصالات من معهد الدراسات السياسية بباريس، سبق ونشرت كتاب «عمي من الجزائر» في 2010، ترجمته نصيرة خياط.
سلّطت الصحفية الفرنسية في كتاباتها عن الثورة، التي أيقظت البلاد على وقع تفجيرات ليلة الفاتح من نوفمبر، سبعون اعتداء نفذ في حوالي ثلاثين منطقة في الجزائر، وهران، قسنطينة اغلبها بين منتصف الليل والثالثة فجرا.
«حلت الحرب بـ «لودي» أواخر سبتمبر، حوالي سنة بعد بداية العصيان الجزائري، حيث بدأت الأسلاك الشائكة تزداد حول المخيم الصيفي صف ثم اثنان، أحيطت النوافذ بالقضبان، لم يعد هناك أطفال عمال السكك الحديدة بالعنابر وإنما امتلأت هذه الأخيرة بالمعلمين، المحامين، الأطباء المهندسين المعماريين، الصحفيين، عمال الميناء، الكهربائيين، السباكين، شبان لم يتعدوا بعد سن المراهقة، شيوخ مرضى، مصابين بالسل، مرضى القلب، ناجين من معتقلات الحرب العالمية الثانية، وغيرهم من الفئات رجال كلهم متهمون بحق أوباطل بتعاطفهم ومساندتهم للمطالبين بالاستقلال.
دزينة من «مراكز» الإيواء» أو مراكز الإقامة الجبرية المصطلح المحتشم الذي تستعمله الإدارة الفرنسية، بدأت تنشر هنا وهناك في الجزائر بعد إعلان حالة الطوارئ في أفريل 1955 لكن «لودي» تحتل مكانة خاصة في تلك القائمة، معتقل «الأقدام السوداء» مئات ومئات الأوروبيين، كما كانوا يسمون في الجزائر المستعمرة يراوحون مكانهم خلف الأسلاك الشائكة المحيطة بالمخيم الصيفي السابق وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها، محبوسين دون محاكمة، دون حكم ودون أي وسيلة دفاع، فقط بأمر من المحافظ يتم أحيانا إمضاؤه من طرف المعاون» الخطاب المختوم» لحرب الجزائر».