سـلاح العلــم والوعـــي ضــد كــل ما يحــاك في المخــابر الدوليـــة
كان الظلم سببا كافيا ليحمل السلاح ولم يتجاوز 19 من العمر، ألم ضربة على بطنه من حركي أسكن داخله قناعة قوية أنّ الأرض لابد لها أن تعود إلى أصحابها.هو المجاهد محمد عطوي الصغير المعروف بعطوي السعيد، 83 سنة، الذي يروي لـ «الشعب» تفاصيل حلم مستحيل حوّلته العزيمة إلى حقيقة.
يتحدّث المجاهد عطوي الصغير المعروف بعطوي السعيد، في اتصال مع «الشعب»، عن رحلة جهاده من أجل الاستقلال التي بدأت، وهو لم يتجاوز سن 19 سنة 1957، بعد أن ضربه حركي بـ «كروس» بندقيته على بطنه ما تسبب له في ألم شديد وحالة قيء، قرّر عطوي الصغير بسببها ألاّ يقبل إذلال المعمّرين له وأذنابهم من الحركى، والتحق بالمجاهدين ليكون واحدا ممّن حملوا السلاح لتحرير وطن من مغتصبيه، الذين أذاقوا أصحابه كل أنواع الإذلال والتغريب.
قصّة المحارب 21
بعد التحاقه بصفوف جيش التحرير في الولاية التاريخية الثانية بقي عطوي عاما كاملا، وشارك في عملية «المينا قندر» بولاية سكيكدة، وهي هجوم على القوات الفرنسية سنة 1957، ثم انتقل الى الكتيبة المكلفة بجلب السلاح أو ما يعرف بـ «الشومينمو» تتكون من 620 شاب، وكان عطوي الصغير المحارب رقم 21، مبرزا أنه تم اختيار الشباب لصعوبة الظروف المحيطة بتنقلات المجاهدين في المناطق الحدودية.
وكانت الكتيبة تحت قيادة المجاهد يسعد محمد رحمه الله، ومساعده المجاهد هريو رابح، انطلقوا سنة 1957 من منطقة «حجر مفروش» القريبة من الميلية بجيجل عبر مسالك في الجبال المطلة على البحر، متجهين الى تونس.
يقول عطوي عن خط شال، إنّ السّلطات الفرنسية وبغية خنق تحركات المجاهدين في المناطق الحدودية بعد فشل خط موريس في وقف نشاط الثورة التحريرية على المناطق الحدودية خاصة ما تعلق بنقل السلاح، أنشأت سنة 1959 خط شال، لكن المجاهدين تجاوزوه إلى الحدود التونسية عن طريق «بنقالور»، وهو يشبه أنابيب مياه، أدخلوه تحت الخطوط المكهربة ومروا من خلاله.
وبذلك ظهرت حلقة جديدة من مسلسل معارك الحدود على طول خطي النار موريس وشال، وهي معارك العبور بالسلاح نحو الولايات الداخلية.
وحسبه، فإنّ معركة سوق أهراس في 26 أفريل 1958 هي من أعنف المعارك التي خاضها على الحدود الشرقية، بجبل بوصالح ومنطقة بوكرش أين حدثت معركة طاحنة ضد المستعمر.
وعند رجوعهم عن طريق منطقة بوكبش بجبل ويلان، وفي ثاني يوم هاجمتهم قوّات المظليّين بالهليكوبتر والطائرات العسكرية بعين الزناب وخربوشة، مضيفا أنّه بعد حلول الليل حمل وزميله بولكعيبات رابح، أحد المصابين لمداواة جروحه بعد فك الحصار عن الكتيبة، إثر تدخل علي منجلي الذي قام بتحقيقات حول المعركة.
وواصل حديثه بالقول إنّه بعد المعركة أشرف العربي بلخير، كاتب مختار سي احمد عقون، سنة 1958 على تدريبهم تدريبا عصريا، ثم قسموا على وحدات بقي نشاطها متمركزا على الحدود لتزويد جيش التحرير الوطني بالسلاح الى غاية الاستقلال.
«..20 أوت الأسود»
عن هجمات الشمال القسنطيني 20 أوت 1955، قال المجاهد إنّها جاءت بعد اجتماع قادة الثورة، حيث قرّر زيغود يوسف، قائد الولاية الثانية، عمليات عسكرية بمشاركة المواطنين الجزائريين لفك الحصار الحربي المضروب على المنطقة الأولى الأوراس باستهداف أهم القواعد العسكرية بالمنطقة، وللتضامن مع الشعب المغربي الشقيق، حيث تزامنت الهجومات مع ذكرى نفي السلطان محمد الخامس.
شكّل موت ديدوش مراد في بوكركر بسكيكدة في 18 جانفي 1955 حافزا اخر ليخرج الجميع في منتصف النهار من يوم 20 أوت 1955 مواطنون وعاملون بحقول المعمرين بالميلية، جيجل، القل، مزغيش، حروش، سكيكدة ومناطق أخرى حاملين معهم كل ما اعتقدوا أنّه يساعدهم على ضرب المستعمر من مناجل وسكاكين، فقاموا بحرق محاصيل المعمرين من القمح ودمّروا حقول القطن في منطقة الحروش.
هذه الانتفاضة الشعبية تزامنت مع هجمات عسكرية لجيش التحرير الوطني بقيادة زيغود يوسف، حسب شهادة عطوي. وأضاف أن قوات المستعمر قتلت وسجنت كثيرين، بينهم بوقندورة الهدبة التي قُبض عليها في أحداث 20 أوت 1955، وتم سجنها بقسنطينة، رفقة فتيات أخريات، كما أذاقوا العذاب لكثير ممّن سيقوا إلى ملعب سكيكدة حتى مات بعضهم تحت وطأة تلك الأساليب الوحشية، بل منهم من صنّف مفقودا منذ تلك الحادثة، مؤكدا أنها مجازر حقيقية مورست ضد الشعب الجزائري.
كفاح من نوع آخر
عن جزائر اليوم، قال المجاهد عطوي الصغير إنّها أمانة تركها الشهداء بين أيدي الشباب الذين هم الذخيرة الحقيقية لأي شعب يبحث عن التطور والرقي.
ويقول: لذلك يجب أن يعي شباب اليوم أنّهم - كما كان الشباب في الماضي - أمام رهان تحرير الوطن من التبعية الاقتصادية التي لن تخرج منها الجزائر سوى بتضافر الجهود ووحدة شعبها على مستقبل واحد هو جزائر جديدة وقوية.