مختصّون يتحدّثون لـ «الشعب»:

غيـاب الوعي بحجـم الكارثـة

زهراء ــ ب

ارتفع عدد حالات الإصابة بالفيروس القاتل، وتوجّست قلوب البعض من الإرتفاع السريع للأرقام، وضاعت أخرى بين البحث عن ملذّات الحياة في الأسواق والمحلات التجارية وفي الشواطئ، رغم منعها، غير آبهة بخطر العدوى ونقلها لقريب أو صديق، وتذيّلت مهمة الحفاظ على الحياة قائمة اهتمامات بعض ممّن يستثمرون في الأزمات لنفث سمومهم وكيل التهم لسلطات وجدت نفسها بين موقفين كلاهما مر تصفية تركة تسيير كارثي موروث من النظام السابق، ومواجهة وباء قاتل بمنظومة صحية هشّة.
 صعّبت «ذهنية المواطن» مهمّة السلطات، بعدما حوّل تعليماتها المتعلقة بالوقاية إلى «صرخة في واد»، ومجرد أرقام باتت تسمع يوميا من مذياع السيارات أو شاشات تلفزيونات البيوت ومقاهي «نصف الباب»، وكأنّها أغنية من الزمن القديم لم تعد ترضي أذواق الأذان، التي أصبحت تعشق سماع وتصديق «الإشاعات» و»البهتان»، بحثا عن إرضاء تعنّت يوصل إلى الهلاك، لأنّ العالم كله يحارب عدوا خطيرا لا يستهان به، فهو سريع الإنتشار ولم ترده لا شرطة الحدود ولا الموانئ ولا المطارات، وإذا ما استقرّ في جسد الإنسان لا يتركه قبل أخذ روحه كانتصار على اللاّمبالاة والاستهتار.
مرّت أكثر من أربعة أشهر من دخول فيروس كورونا المستجد إلى الجزائر، وتطوّرت الوضعية الوبائية بشكل مقلق، فمنحنى   الإصابات اليومية منذ أن بدأ بالصعود لم ينزل ولو برقم أو رقمين تعيد الأمل في فرضية تراجع الوباء وانحساره إلى غاية القضاء عليه نهائيا، وفي الوقت الذي كان ينتظر من المواطن أن يكون أكثر وعيا بالخطر، وينخرط رفقة جميع فعاليات المجتمع في معركة القضاء عليه، تحوّل إلى «مصدر قلق» للأطقم الطبية التي وجدت نفسها تواجه بسببه معركتين الأولى التكفل بالأعداد المرتفعة للمصابين بسبب تهاونه، وعدم التزامه بتعليمات الوقاية ومحاربة الفيروس التاجي بإمكانيات محدودة، وما ترتّب عنها من ضغوطات نفسية وإرهاق شديد بسبب ساعات العمل الطويلة والعزل عن العائلة والأحباب.
الثانية تبرئة ذمّتها من تهم مجانية وقذف وشتم عن وضع وظروف ليست مسؤولة عن تعفّنها لأنّها نتيجة تراكمات لممارسات سياسية استمرت أكثر من 20 سنة، ولم يثر عليها هذا المواطن الذي امتدّت يده لتضرب من يحاول رعايته، وإنقاذه من الموت بكل الوسائل المتوفرة في حال تعرضه لإصابة أو عدوى.
والغريب في الأمر، أنّه في الوقت الذي اعتمدت فيه الحكومة لغة الشفافية والصراحة، وواجهت الشعب بشجاعة عن الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، اللذين تمر بهما الجزائر، وتحدّثت بصدق عن الوضعية الوبائية والنقائص المسجّلة، وطالبت بمهلة قبل الحكم على أدائها، تخندقت أطراف في صفوف معادية، مستغلة أزمة صحية أنهكت كل العالم وأربكت حتى الدول العظمى، محاولة نشر الفوضى وتحريك الفتنة النائمة عن طريق صور جثث عبث بها بعض الأفراد في مناطق معزولة لإيهام الرأي العام بصورة قاتمة عن قطاع يجاهد بكل ما يملك من قوة ووسائل لإنقاذ أكبر عدد من الأرواح، وفيديوهات نقلت نصف الحقيقة، وأكثر من هذا أصبحت تستغل مساحة الحرية الموجودة بمواقع التواصل الإجتماعي، لتحرّض المواطنين على عدم التقيد بتعليمات وإجراءات الوقاية لأن الفيروس «غير موجود» مصدقة نظرية المؤامرة.
وأخرجت هذه الوضعية أطباء ومختصّين عن صمتهم، ودفعتهم إلى الرد عن طريق فيديوهات مصوّرة من داخل مصلحة «كوفيد 19» ومن أماكن أخرى، تنفي التهم الباطلة التي حيكت ضد الجيش الأبيض، وتسقط الادّعاءات القائلة بعدم وجود الفيروس، فلا يعني عدم إصابتك أنت أو أي فرد من عائلتك أو أقاربك بانعدام وجود الوباء، هو حقيقة مرّة قائمة، وكما أسقط الفيروس ضحايا وسط المواطنين، التهم أرواح خيرة الأطباء والكفاءات الصحية، لذا الحرص بات أكثر من واجب بل أمر ينبغي أن يطبّق، وإن اقتضى الأمر استعمال قوة القانون.

الدّكتور عبد الجبار: التّركيبة البسيكولوجيّة للجزائري ترفض الإرشادات

ردّ الدكتور ياسين عبد الجبار في تصريحه لـ «الشعب» تهاون المواطن واستهتاره بالجائحة العالمية، إلى اتّساع الهوّة بينه وبين الإدارة، ربما بسبب تركيبته البسيكولوجية الصعبة جدا، والتي ترفض تصديق أي شيء يصدر من السلطة حتى وإن كانت إرشادات، نتيجة أسباب تراكمت على مرّ السّنوات.
ولكنّنا ــ يضيف الدكتور عبد الجبار ــ أمام جائحة قد تعصف بالأخضر واليابس وسط جهل الجميع وعدم التحلي بالمسؤولية، ففي كل يوم نسمع أخبار الموت، والمواطن مطالب أن يعرف اليوم أكثر من أي وقت مضى حجم الكارثة، ويقدّر المسؤولية ويفهم أن الأمر ليس لعبة، وأن القضية تحتاج منّا ضميرا حيّا.
وأوضح أن الحكومة راهنت على وعي الشّعب رغم بعض القرارات، ولكن قد تخسر الرهان، بسبب تصرفات المواطنين غير المسؤولة، وعليها أن تضعه أمام كامل مسؤوليته حتى يتحمّل نتائج أفعاله، فلو انتشر المرض في البلاد سيكون هو من يدفع ثمن جهله وجشعه، وهو ما نراه اليوم في الواقع، فمع استنفاد كل الوسائل الموجودة لاحتواء الفيروس، إلا أن بعض أفراد الشعب لم يتعاونوا لمدة أسبوع فقط لوقف زحفه وانتشاره، وعندما تنفجر المستشفيات نتيجة الإصابات سيتمنّى الفرد لو أنّه لم يتحرّك من بيته، وكم من أمّ ستسمع صراخ طفلها وتمنع من الإقتراب منه، وكم من شاب سيودّع أمه أو أباه من خلف الزّجاج دون أن يحرّك أحد ساكنا.
وأكّد الدّكتور عبد الجبار أنّ المرحلة الآن تحتاج فعلا وعيا كاملا من الشّعب، وعلى المواطن أن يتحمّل الجوع لساعات إضافية إذا كان هناك جوع، ويتحمل ألم الوحدة والملل وصراخ الأطفال حوله بكل عافية، لأنّه سيسمع وهو مريض نفس صرخاتهم ولكن ستكون مليئة بالألم والنّدم، داعيا إيّاه إلى إدراك نتيجة أفعاله حتى لا يتسبّب في تفريق عائلته وفقدانه أحبابه.

 كداد: إجراء بحث نفسي-اجتماعي عاجل

من جهته، أبرز رئيس النّقابة الوطنية الجزائريّة للنّفسانيّين، خالد كداد، لـ «الشعب»، أنّ الإنكار النفسي لكورونا لا يظهر لدى الجزائريين فقط، بل صاحب الكثير من سكان العالم وحتى لدى بعض الساسة، الذين رأوا في «كوفيد 19» مجرّد مؤامرة تدخل في إطار الحرب البيولوجية، معتقدا أنّ الأمر مرتبط بطول أمد الأزمة الصحية الراهنة، والذي أدّى بالكثير إلى الدخول في مرحلة الإنكار لوجود الفيروس أصلا.
وأوضح أنّ الإنكار النفسي الملاحظ لدى الناس، تشكّل أساسا من عدم الإقرار بأنّ حدثا ما قد حصل بالفعل أو أنّه إن حدث فكيف يمكنه أن يأخذ بالفعل كل هذه المدة ليستمر معنا ويغيّر كل حياتنا بهذه السّرعة الرهيبة، وبالتالي عن طريق هذا الإنكار يريد بعض الناس أن يحموا أنفسهم ضد الخوف من فكرة استمرار الأزمة الصحية لوقت طويل وغير محدّد.
وتتطلّب مشكلة غياب الإلتزام بقواعد وشروط الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا ــ حسب كداد ــ إجراء بحث نفسي-إجتماعي عاجل تساعد نتائجه في ترشيد قرارات اللجنة الوطنية العلمية لرصد ومتابعة انتشار فيروس كورونا في الجزائر، فالجميع يعلم أن هذه اللجنة العلمية متكوّنة حصريا من أساتذة في العلوم الطبية، في حين كان ينبغي منذ تشكيلها إدراج كفاءات وخبراء آخرين في ميدان علمي النفس والإجتماع، وهذا للإحاطة بجميع المتغيرات التي تتحكم في انتشار وتطور الوباء باعتبار أنّ انتشاره يرتبط بمحددات نفسية وسلوكية يجب حصرها وفهمها من أجل التحكم فيها.
وختم ــ يقول ــ أنّه لا يجب أن ننسى أنّنا أمام وباء خطير وسريع الإنتشار لا نملك أمامه حلولا طبية حاسمة، ممّا يجعلنا بأمس الحاجة إلى التركيز على الأساليب الوقائية التي لن تفيدنا في شيء بدون دراسة نفسية وإجتماعية عاجلة تسمح لنا بترشيد سلوك المواطن ليكون صحيا، وفهم الأسباب الكامنة وراء السلوكيات المنشرة التي تؤدي إلى تعقيد الأوضاع الصحية كما هو حاصل الآن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024