رويشي بتول وآخرون..أصوات تصرخ في صمت ولا من يرد
فاطمة الزهراء لخاش صبية في عمر الزهور لم تتجاوز 16 سنة، في عينيها دفء البراءة وصفوة النفس، حركاتها صماء خالية من أي عنفوان، بسبب وضعها الصحي المتردي وحالتها النفسية والمعيشية، رسمت على ورقة بيضاء استعمال زمن حياتها الروتينية التعيسة، كتبت عليها «دواء فاطمة الزهراء قرص الصباح ونصف قرص منتصف اليوم وحبة في الليل»، رسوم بريئة تصور رغبتها القوية في العيش ومواصلة دراستها التي انقطعت عنها منذ فترة، وما حفظت منها سوى التواريخ التي تجسد لمعاناتها الحقيقية مع المرض الذي التقطته نتيجة خطأ طبي.
ما زالت فاطمة الزهراء تلاحق بعيون متعبة مليئة ببريق الدمع حياتها الضائعة، حبيسة التنقلات بين مستشفى بني مسوس العسكري ومستشفى القطار بالعاصمة، بعد أن التقط جسدها الضعيف عدوى فيروس الإيدز، نتيجة تلقيها لكمية من الدم المصاب بالمرض عن طريق الخطأ، حين كانت ترقد بالمؤسسة العمومية الاستشفائية الخاصة بالأمومة «حمدان بختة» بمدينة سعيدة سنة 2008.
وحسب تقرير الخبرة الطبية الذي تضمنته قضية فاطمة الزهراء المفهرسة لدى مجلس الدولة تحت رقم 15 / 00766 بتاريخ 23-07-2015، فإنه تم ثبوت المسؤولية الثنائية للخطأ المرتكب في حق الضحية ذات 14 ربيعا، بين مستشفى أحمد مدغري بسعيدة وعيادة حمدان بختة في المنطقة، فيما قضت المحكمة الادارية لسعيدة بتعويض الضرر الجسيم المرتكب في حق الضحية مناصفة بين المؤسستين العموميتين الاستشفائيتين بمبلغ مالي قدره 400 مليون دينار، كما تشير نسخ عن التقارير الطبية المودعة لدى الهيئة القضائية وتملك «الشعب « نسخة عنها،أن الضرر الذي أصاب فاطمة الزهراء هو داء فقدان المناعة الذي انتقل إليها عن طريق الحقن بدم كان مخزن لدى عيادة «حمدان بختة « منذ سنة 2004، وتم اكتشاف إصابة فاطمة بالداء الخبيث في سنة 2008، لتمسي حياة هذه القاصر متعلقة بالتنقلات الدورية بين مقر إقامتها بمدينة سعيدة والمصالح الاستشفائية بالعاصمة، بالنظر إلى رفض المصالح الاستشفائية بسعيدة التكفل بعلاج الطفلة فاطمة الزهراء خاصة في حالات إصابتها بالآلام الحادة الناجمة عن مرض فقر الدم «تربانوسيتوز وصنف بيتا تلاسيمي»، والتي يفترض أن تخف في هذا الوضع عبر عملية لتصفية الدم، لكن أمام إصابة فاطمة الزهراء بفيروس السيدا المشؤوم،امتنعت المصالح الطبية عن علاجها – حسب ما أوضحته عائلة لخاش – مخافة تلوث أجهزة تصفية الدم بالفيروس المعدي..رغم أنها ضحيتهم.
العلاج بمستشفياتنا غريب أمره والخارج لمن استطاع إليه سبيلا
وأمام وضع هذه الطفلة القاصر، أحد ضحايا الأخطاء الطبية المتكررة التي أنهت عبثا روحا الطفولة في جسدها، تدخل رئيس الحكومة الأسبق عبد المالك سلال متعهدا بالتكفل الصحي لفاطمة لخاش، قبيل التعديل الحكومي الذي لم يكن لصالح عائلة لخاش، نقلت فاطمة إلى أحد مستشفيات فرنسا بغرض جراحة مكلفة لزرع النخاع الشوكي تمكن على الأقل من تخليصها من آلام المرض الذي كانت تعالج منه «تربانوسيتوز وصنف بيتا تلاسيمي»، مضت سنة عن تواجدها بالمستشفى الفرنسي ثم عادت أدراجها دون تكفل، لأن السلطات الجزائرية امتنعت عن تسديد أتعاب العملية الجراحية المقدرة في ذاك الوقت بـ 493 ألف أورو، ومع التعديل الحكومي الذي تلى إعفاء الوزير الأول تبون عن مهامه تفاقم الوضع ولو أن الوالد الهاشمي لخاش مازال طامعا في تكفل الدولة بابنته.
أمام تعطّل الاجراءات القضائية..الموت يسرق بسمة تنتظر رد الاعتبار
في حديثه لـ «الشعب»، أكد الهاشمي لخاش والد ضحية خطأ طبي لا يغتفر، أن قضية فاطمة الزهراء ما زالت طي أدراج مجلس الدولة، لم يستلم أي تعويض يمكنه من علاج ابنته في الخارج، غير نافيا أنها تتلقى العلاج المكثف بمستشفى بني مسوس من مرض فقر الدم ومستشفى القطار من مرض نقص المناعة، ملتمسا أمرا واحدا وقد خاب ظنه في وعود السلطات المغرية، قائلا: «امنحونا تأشيرة مفتوحة نتمكن من علاج ابنتنا بالاعتماد على تضامن الجزائريين في توفير أتعاب العملية الجراحية لزراعة النخاع الشوكي».
يحتاج الحديث عن ضحايا الأخطاء الطبية جرعات زائدة من الشجاعة تحقن الضمائر المشلولة فتجبرها على تحمل مسؤوليتها ومواجهة الواقع المرير الذي يصارعه ضحايا الضمائر المستترة خلف المكاتب الفخمة وحصانة النفوذ القانوني.
الشّجاعة التي ترغمنا على فتح جراح لم تلتئم، شجاعة بتول رويشي ذات 16 شهرا التي واجهت الموت بصدر رحب لتشهد قصتها على إهمال المسؤول لالتزاماته الإنسانية قبل أن تكون التزامات مهنية، شجاعة والدها في قوله ان بتول ماتت بطريقة مهينة في جزائر تفخر بعزتها، حقيقة لا بد من ذكرها الله من وراء القصد ولكل نفس أجل مسمى، لكن الطرق التي يموت بها المريض في مسشفياتنا سواء من قصد أومن دون قصد، تجعلنا نفكر مليا ونعيد حساباتنا حيال الأخطاء الطبية وعلى من تعود مسؤوليتها، بكل شجاعة ومسؤولية.
مستشفيات تطلق الخدمة العمومية وتعوّضها بالبريكولاج
يقول والد بتول رويشي، أن ابنته دخلت مستشفى بريكة بولاية باتنة لأخذ قسط من العلاج ضد الإسهال، وبسبب إهمال التكفل الناجع والصحيح بابنته تعقدت حالتها الصحية..وصل المرض جهازها التنفسي، الأمر الذي دفع بطاقم التمريض بمستشفى بريكة إلى «البريكولاج» في إنقاذ الطفلة ومدها بالكمية اللازمة من الأوكسيجين عن طريق وسيلة غريبة غير طبية وبديلة لقناع الأكسجين، أثارت حيرة الوالد، الذي أكد أن المستشفى لم يتوفر ليلتها على طبيب مختص في طب الأطفال، الأمر الذي دفع بالاستنجاد بغيره من الطاقم الصحي المتهم في تجاوز صلاحياته الاستشفائية المهنية، لربما هؤلاء دفعهم الحس الإنساني للتدخل لإنقاذ بتول عن حسن نية لكن في أمور الطب العلمية من المستحسن ترك النوايا جانبا، لأن القانون غالبا ما يعاقب على الفعل، ماتت بتول بسبب عدم توفر التجهيزات اللازمة للتداوي بمستشفى بريكة، وبسبب تدخل عشوائي لطاقمه الصحي، فمن يتحمل مسؤولية وفاتها بتلك الطريقة؟
أمثال بتول رويشي وفاطمة الزهراء لخاش كثيرون، ببريكة وخارجها، مرضى يدخلون المسشفيات العمومية والخاصة للتداوي ويخرجون منها بأمراض مستعصية إن لم يخرجوا حاملين لشهادات وفاتهم، فمن يتحمل المسؤولية ومن يملك الشجاعة الكافية لمواجهة ملف الأخطاء الطبية الملغم بالذنوب والخطايا.