جزم البروفيسور الجراح بن حديد بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، في تصريح لـ «الشعب» بأن الأخطاء الطبية واقعا وتعد ثالث أسباب الوفيات بعد السرطان وأمراض القلب، إلا أنّه شدّد على ضرورة التمييز بينها وبين المخاطر، لافتا إلى ان نسبتها لا تتجاوز 5 بالماية، فيما تكلل 95 بالمائة من العمليات العلاجية بالنجاح.
كثيرا ما يشتكي المرضى وقوعهم ضحية أخطاء طبية، وفقدان ذويهم بسبب الإهمال أوالتأخر في التكفل، محملين المسؤولية كاملة للاطباء، لكن غالبا ما ينسون أن الطبيب بدوره الذي فقد مريضا يصاب بإحباط كبير كلما فقد مريض، وتانيب ضمير رغم أنه بذل قصارى جعده، ورغم علمه انه لم تكن له أي فرصة الحياة.
الحديث عن الأخطاء الطبية ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض، لأنه لابد في مرحلة أولى من التمييز بينها وبين المخاطر المنجرة عن أي علاج وفي مقدمتها العمليات الجراحية وعمليات الولادة، كما لا ينبغي إغفال عنصر هام جدا ممثلا في المريض الذي قد يكون مصابا بأمراض وحساسية لبعض الأدوية وهو لا يعلم.
هذا الطرح الذي قدّمه البروفيسور بن حديد ، في محاولة منه لتسليط الضوء على كل جوانب الموضوع التي قد تخفى عن المريض تحديدا والمواطن على وجه التحديد، عززه بالطرق لزاوايا أخرى لا تقل اهمية، في مقدمتها التكوين، مقترحا تدريس الأخطاء الطبية في تخصص العلوم الطبية من اول إلى آخر سنة دراسية.
تناول أدوية والحساسية تجاهها وتسقط مسؤولية الطبيب
الأخطاء الطبية وإن كانت واقعا، لا يمكن خلطها وفق ما أكد الجراح بن حديد، انطلاقا من تجربتهم الكبيرة، ذلك أن نسبتها قليلة، ولا ينبغي - حسبه - بأي حال من الأحوال أن تغطي على الجهود الجبارة لأطباء تنقصهم الإمكانيات المادية، الذين ينقذون يوميا أرواح أناس من موت مؤكد متحملين كل مسؤولية ما قد ينجر عن ذلك.
وفي ردّه على سؤال يخص متى يمكن الحديث عن خطأ طبي، حرص ذات المتحدث على التوضيح بأن الخطأ تحدده لجنة متخصصة، وان الخطأ نوعان ما يعالج في الجنائي وما يعالج في المدني، أما بخصوص الخطأ فقد ينجم عن عدم تفقد العتاد مثلا اوالخطأ في الإبر المستعملة، أواعتماد تقنية لا يتحكم فيها الطبيب وغير متأكد منها، وحتى في حال العلاج بأدوية غير مرخصة في الجزائر، وتصبح غلطة إذا لم يكن التحرك سريعا في التكفل بتاعت الخطأ.
وفي السياق، نبّه البروفيسور بن حديد إلى مسألة مهم، ممثلة في الطبيب الذي يتأثر بنفس الدرجة في حال فقدانه لأي مريض، إذ عادة ما يدخل في حالة اكتئاب بعد موت مريض، حتى وإن كان مدرك تماما بأنه لم يكن له أي فرصة في النجاة، إنقاذ روح يعتبر أكبر مكافأة لطبيب، وفخر له يكلل جهوده في رفع تحدي إنقاذ المريض، تحديات ناجحة بنسبة 95 بالمائة، لا يمكن تقزيمها وتضخيم الأخطاء الطبية في مقابل ذلك.
لجنة متخصّصة تحدّد وقع الخطأ
كل هذه الأخطاء تتأكد منها لجنة مختصة تقوم بتصريح الجثة وتقدم تقريرها، وعلى أساسه تتحدد إحالة الملف على العدالة، ودرجة الخطأ، غير ذلك لا يمكن الحديث عن خطأ طبي في حال كان المريض مصابا بمرض تعمد عدم اطلاع الطبيب المعالج عليه، أو عدم علمه به اساسا لوجود أمراض لا يمكن اكتشافها بفحوص وأشعة عادية.
وعلاوة على الأمراض الخفية التي تعقد من وضع المريض، فان الإصابة بحساسية لأحد مكونات أدوية العلاج او التخذير، لا يمكن أن يتحملها الطبيب، كما أن المريض مسؤول تماما عن التعقيدات التي تنجم عن تناوله للأدوية أو منشطات لم يطلع عليها الطبيب، أكدوا لأي على اساس نسبتها في الدم تحدد جرعات الأدوية لتفادي اي اثار، كما أن الآثار الجانبية بدورها قد تكون سببا في تغيير مجرى العلاج، وهي جزء من مخاطر العلاج.
ويبقى الأمر الأكيد وإن كانت نسبة الأخطاء قليلة، وان كانت نتائجها مؤلمة لضحاياها وعائلاتهم، إلا أن مواجهتها تتم بتوفير الإمكانيات وتكوين جيد فيها لتفاديها.