تلقى المغرب، صدمتين متتاليتين، في ظرف يومين، من قبل الاتحاد الإفريقي وسفراء الدول الإفريقية بإيطاليا، حيث رفضت محاولاته البعيدة عن أعراف الدبلوماسية، لاقتحام اجتماع رسمي غير معني به ومنع مشاركة وفد الدولة الصحراوية في احتفالية اليوم العالمي لإفريقيا، ووجد نفسه في كل مرة وحيدا خارج الأبواب.
انتقلت الدبلوماسية المغربية من العداء للاتحاد الإفريقي إلى التشويش وإثارة الفوضى من داخله، طمعا في التأثير على مواقف الدول الأعضاء بشأن قضية الصحراء الغربية وتحييد الهيئة من مسار التسوية الذي تقوده الأمم المتحدة.
وأخطأ المغرب قراءة قرار انضمامه إلى الإتحاد الإفريقي في جانفي 2017، عندما ظن أن ما يعتبره «نفوذا متزايدا في إفريقيا»، قد يخدمه في قضية الصحراء الغربية عبر تبني استراتيجية هجومية من داخل أروقة المنظمة، لتسقط حساباته كلها في الماء.
وأول ما حاولت المملكة المغربية القيام، في قمة الانضمام المنعقدة بأديس أبابا، تمرير عريضة بين مجموعة من الدول لسحب عضوية الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية، لينتهي بها المطاف في سلة المهملات.
وأظهر الاتحاد الإفريقي أن قوته تتجاوز بكثير علاقات المغرب الثنائية مع بعض الدول والتي حاول توظيفها أكثر من مرة لخدمة أجندته، بعدما أصر على حضور وفود الجمهورية الصحراوية في كافة اجتماعات الشراكة، ولم يرضخ لضغوط المغرب ولا لبلطجة وفوده.
محاولة اقتحام
آخر فصول التصرفات المغربية غير الدبلوماسية، داخل الاتحاد الإفريقي كانت السبت الماضي، عندما حاول اقتحام اجتماع وزراء الخارجية لـ 15 دولة افريقية بينها الجمهورية الصحراوية، والمعنية بالتشاور حول موضوع الاصلاح المؤسسي للاتحاد الافريقي بموجب المقرر 687 الصادر عن قمة اديس ابابا الأخيرة.
وشهد تأخيرا بساعتين عن موعد الافتتاح بسبب محاولة اعتصام داخل القاعة قام بها بعض اعضاء الوفد المغربي، مما تسبب في امتعاض كبير لدى المفوضية الإفريقية والدول الأعضاء.
وفي محاولة من المفوضية الافريقية لإقناع المغرب بعدم أحقيته في حضور الاجتماع باعتاره اجتماع تشاوري بين 15 دولة عضو فقط بموجب الفقرة 3 من المقرر 687 الصادر عن قمة رؤساء الدول والحكومات جانفي 2018، اكد المغرب انه مصمم على المشاركة الى جانب الدول الـ 15 المعنية بموضوع الاصلاح وبينها الجمهورية الصحراوية.
واضطرت رئيسة المجلس التنفيذي للاتحاد الافريقي وزيرة خارجية رواندا، إلى وضع حد لكل استفزازات المغرب وسلوكه غير الدبلوماسي، بعد ما تم تغيير قاعة الاجتماع وتشديد الاجراءات الأمنية لمنع دخول اعضاء الوفد المغربي وهو ما حدث.
ليسجل المغرب فشلا آخر، في محاولة فرض خياراته بالقوة على الاتحاد الإفريقي.
تضامن وانسحاب
وفي اليوم ذاته (السبت)، حاول سفير المملكة المغربية لدى إيطاليا والوفد المرافق له، منع الوفد الصحراوي من المشاركة في احتفالية اليوم العالمي لإفريقيا بروما، ونقلت وكالة الأنباء الصحراوية أن «تصرف الوفد المغربي أثار حفيظة سفراء القارة الذين رفضوه بشكل قطعي».
وأكد عميد السلك الدبلوماسي الإفريقي بروما سفير دولة الكونغو الديمقراطية وباسم كل السفراء رفضهم للتصرف المغربي المشين وحقّ الدولة الصحراوية كبلد عضو مؤسس للاتحاد الإفريقي حضور كافة التجمعات التي تنظمها القارة، وهي الكلمة التي حظيت بموافقة كل الدبلوماسيين مما «دفع بالسفير المغربي والوفد المرافق له إلى الانسحاب».
دبلوماسية الافتراءات
الفوضى التي يثيرها المغرب داخل الاتحاد الإفريقي، منذ انضمامه، فشلت في تحقيق الأهداف الرئيسية له، والمتمثلة في سحب عضوية الجمهورية الصحراوية أو تجميدها على لأقل، وكذا التصدي للبيانات التي تدعو الأمم المتحدة إلى الإسراع في تسوية النزاع وفق مبدأ تقرير المصير.
ولم تمرّ أسطوانة جعل البراغماتية والتنمية الاقتصادية على رأس أولويات المنظمة القارية، لأنها في تشبثت بمبادئها وميثاقها التأسيسي الذي يدعم قضايا التحرّر ويرسخ مبدأ التضامن الإفريقي لمكافحة كل أشكال الاستعمار.
وظلّ الاتحاد الإفريقي ثابتا على مواقفه، إذ لا يتوانى في التأكيد على ضرورة الاسراع في حل النزاع عبر تنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي وتنفيذ مقررات الشرعية.
وفي ظلّ توالي النكسات، انتهجت الخارجية المغربية، أسلوبا قديما، وظفته هذه المرة في مسايرة المتغيرات الدولية طمعا في تحقيق مكاسب، واتهمت حزب الله اللبناني بتزويد الجيش الصحراوي بالأسلحة، واتخذها ذريعة لقطع العلاقات مع إيران.
وانقلبت الأمور سريعا على المغرب، حيث نفي زعيم حزب الله اللبناني وجود أي تواصل مع جبهة البوليساريو واتهم الرباط بالتخابر مع الموساد، وتزامن ذلك مع خبر تزويد عناصر الشرطة المغربية بسلاح «طافور» الاسرائيلي الصنع، وهو ما دفع بالحكومة إلى إصدار بيان توضيحي.
واتخذ المغرب قرار قطع العلاقات مع إيران دون أدنى دليل على دعمها غير المباشر للبوليساريو، لاسترضاء الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي يعاد طهران بسبب برنامجها النووي، واللعب على وتر التغيرات الدولية لخدمة المصلحة الضيقة.
وحاول في السنوات القليلة الماضية، اتهام جبهة البوليساريو بالتعامل مع التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة في الساحل الإفريقي، عندما كانت أنظار العالم مشدودة نحو المنطقة بعد أزمة مالي سنة 2012، بمعنى أنه يعمل على استغلال أدنى فرصة أو أزمة وفي أية بقعة من العالم لشيطنة جبهة البوليساريو وتقويض مكانتها لدى المجموعة الدولية.
وصرّح قائد الناحية العسكرية للجيش الصحراوي، أنهم «يخوضون معارك يومية ضد تجار المخدرات القادمة من المغرب والتي تستهدف الشعبين الصحراوي والموريتاني».
هل سينسحب مجددا؟
الارتجالية والتجني على الغير، هو ما برعت فيه الدبلوماسية المغربية تحت قيادة الوزير ناصر بوريطة لحد الآن، ولم تقدم أي شيء يلمع صورة البلاد.
وممارسة الفوضى ومساومة الهيئات الرسمية في كل مرة، ألحقت أضرار بالغة بمكانته قاريا، وبتصرفاته المتهوّرة قد لا يملك طول النفس لمجارات ثبات الاتحاد الإفريقي على مبادئه ومواثيقه، وبالتالي فإن انسحابه من المنظمة يبقى واردا خاصة في ظلّ التطورات المرتقبة للقضية على مستوى مجلس الأمن الدولي والتعبئة الدبلوماسية المنتظرة من قبل الأفارقة ضد كل محاولات تغيير مقررات الشرعية الدولية لصالح المغرب.