ماذا بعد أن نفّذ ترامب قراره الجائر بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، هل حسم الأمر وأصبح لزاما على الفلسطينيين ومن ورائهم العرب والمسلمين الإقرار بخسارتهم لمعركة القدس، والخضوع للأمر الواقع الذي فرضته الغطرسة الأمريكية؟ عند هذا السؤال الكبير نقف اليوم مع عدد من الخبراء الذين أجمعوا على أن منطق القوة، هو الذي أصبح يسيّر العلاقات الدولية، وبأن أمريكا نفسها أصبحت خاضعة لسلطة اللوبي الصهيوني الذي يسعى بكلّ الوسائل للقضاء على طموحات الفلسطينيين في إنشاء دولتهم المستقلة على الأراضي المحتلة سنة 1967.
يرى الأستاذ حسام حمزة، أنه بعد الخطوة التي أقدمت عليها الولايات المتحدّة الأمريكية، لن تكون هناك أي مصداقية لدورها في عملية السلام، وهي الحقيقة التي يجب أن يؤمن بها أطراف الصراع إيمانا راسخا؛ وعلى رأسهم السلطة الفلسطينية، التي أضحى من الضروري اليوم أن تعمل على إعادة بناء مصفوفة خياراتها الاستراتيجية وفق هذه المعطيات والبحث عن خيارات أخرى بعيدا عن المفاوضات.
وذكر المتحدّث، أن تنفيذ ترامب لقراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة يأتي ليشرّع الاحتلال الصهيوني لهذه المدينة وليمنحه إياها ضمنيا، كما يؤكد سيرورة تنفيذ مخطط جاريد كوشنير الذي اقترح تأسيس «كيان فلسطيني» في غزة وبعض المناطق في الضفة الغربية تضمّ مستوطنات يهودية شرط الإبقاء على هذه المستوطنات على حالها، وهو الطرح الذي يلقى دعما حتى من قبل بعض العواصم العربية، ويلغي هذا المخطط حقّ الفلسطينيين في العودة في حال طبّق كما يمنح الكيان الصهيوني مسؤولية أمن الحدود، وبهذا المعنى، فإن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس هو من الناحية العملية تماشي أمريكي مع الإستراتيجية الإسرائيلية التي تهدف بالأساس إلى القضاء على طموحات الفلسطينيين في إنشاء دولة فلسطينية على قطاع غزة وأراضي الضفة الغربية المحتلة منذ العام 1967.
وقال أيضا، أنه لن يكون هناك في المستقبل أي داع للوثوق في وساطة الإدارة الأمريكية التي بقرار نقل سفارتها، بينت مدى خضوعها لسلطة اللوبي الصهيوني وارتهان قرارتها به وإن كان هذا الأمر مواربا بعض الشيء مع الإدارات السابقة، فإنه مع إدارة ترامب أصبح جليا ومعلنا ويعكس حجم خضوع القرار الخارجي الأمريكي لسلطة اليمين المتطرّف.
مضيفا أنه يبدو أننا نسير تدريجيا نحو فرض هذا القرار على العالم أجمع بالقوة، لذا، ينبغي ألا نتفاجأ إذا رأينا دولا غربية في المستقبل، أو تلك الخاضعة للسيطرة الأمريكية، تحذو حذو الولايات المتحدة وتقوم بنقل سفاراتها إلى القدس، فالعالم يسير دواليك نحو ما يسميه حسام حمزة «الامتطاء»، أي التواطؤ السري والعلني مع الصهاينة على حساب المسلمين والفلسطينيين خضوعا للإرادة الأمريكية، في حين يغرق العرب والمسلمون في مشاكلهم الداخلية التي لا نهاية لها.
وعلى صعيد آخر أشار الأستاذ حسام حمزة إلى أن تنفيذ ترامب لقرار نقل السفارة، يثبت مرة أخرى أن منطق القوة هو المسيّر للعلاقات الدولية، وأن الطرف القوي يدير النزاعات بعيدا عن كل اعتبارات قانونية أو أخلاقية.
من جانبه، توقّع الدكتور إدريس عطية أن الخطوة التي أقدم عليها ترامب الأسبوع الماضي، من شأنها أن تزيد الأمور تعقيدا، كما قد تؤدي إلى تأزيم العلاقات بين بعض الدول الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة إيران التي سوف تربط الأمر بالملف النووي الخاص بها، وتركيا أيضا، حيث سيربط أردوغان الملف بطموحاته الوطنية والإقليمية والدولية.
بدوره، ذكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة غزة ناهض أبو حماد، أن كل هذا يحدث في ظلّ حالة من الصمت العربي الناتجة عن الانشغال بالقضايا القطرية وبفعل حالة التشرذم، وكذا عدم التوافق العربي لإيجاد حلول عادلة ومنصفة للقضية الفلسطينية، إضافة إلى زيادة حالات التطبيع مع إسرائيل.
وشدّد أبوحمادة، على أن أهم مخرج لتمكين الشعب الفلسطيني من إيصال صوته إلى المجتمع الدولي والمطالبة بفرض قوة القانون الدولي والإنساني هو توحيد الجهود الفلسطينية، ونبذ الخلافات والإسراع نحو مصالحة حقيقية وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية والحزبية للخروج من النفق السياسي المظلم والتأكيد على الوحدة الوطنية، وتبني سياسة موحدة للمقاومة كمطلب وطني وشعبي أساسه حرية تقرير المصير بجميع الوسائل السلمية التي أقرتها القوانين والمواثيق الدولية لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ومن بين الخطوات التي أكد على ضرورتها في الوقت الراهن، الشروع في إجراء انتخابات فلسطينية عامة والالتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
ماذا بعد أن نفّذ ترامب قراره؟
على الفلسطينيين تبنّي سيــاسة موّحـــــدة للمقاومة السلمية
إيمان كافي
شوهد:891 مرة