ما هي الخلفيات السياسية والأمنية الكامنة وراء تلك الأرقام المذهلة المتعلقة بالأعداد الهائلة للإرهابيين الذين عادوا إلى بلدانهم الأصلية، بعد مشاركتهم في أحداث سوريا والعراق.. أو كانوا متحصنين في مناطق أخرى.
ما كشف عنه المكتب الأمريكي للاستشارة في المجال الأمني «سوفان» يستدعي تلك القراءة المتأنية المبنية على معطيات واقعية، تصنّف في خانة الحذر في أقصى درجاته مقابل الإسراع في اتخاذ الإجراءات الإحترازية لمواجهة أي طارئ في هذا الشأن.
ولا يتعلّق الأمر هنا بالتهويل أوالتضخيم بقدر ما ه وإثارة لإحصاءات أعدتها أوساط قريبة جدا من حركية هؤلاء من بلد لآخر.. نظرا لسعيها لتحليل تلك الأرقام من الكل إلى جزء.. وهذا ما يتطلّب التمعّن فيها بإتقان وإحكام.
حساسية الموضوع لن تنسينا الإجابة عن الأسئلة المطروحة في البداية، وهذا انطلاقا من إشارة المكتب الأمريكي للاستشارة في المجال الأمني «سوفان» إلى أن ٥٦٠٠ إرهابي رجعوا إلى بلدانهم الأصلية، ينحدرون من ٣٣ بلدا ولم يكتف التقرير بهذا بل طرح رقما مخيفا حول وجود ٤٠ ألف مجند في صفوف «داعش» الإرهابي مصيرهم غير مفصول فيه في الوقت الراهن قد يظهرون في سياقات أخرى.. هذه الفرضية تتطلّب حقا المزيد من التدقيق والتعمّق وما يتبادر إلى الذهن لأول مرة.. أين هم هؤلاء؟ هل يُعتبرون خلايا نائمة؟.
إنها الأسئلة التي لا تنتهي .. كما أن ٥٣٧٨١ مسلح اجتازوا الحدود التركية، (٧٧١٧ من الاتحاد السوفياتي سابقا، ٧٠٥٤ من الشرق الأوسط، ٥٧١٨ من أوروبا الغربية، و٥٣١٩ من المغرب العربي (٢٩٢٦ من تونس و١٦٢٣ من المغرب).
واستنادا دائما لهذا المكتب، فإن ٨٠٠ إرهابي عادوا إلى تونس، و١٩٨ إلى المغرب، و٢٧١ إلى فرنسا، و٤٠٠ لروسيا و٧٦٠ للسعودية.
وهذه الأرقام الموزعة ليست جافة بل تحمل دلالات سياسية وأمنية لأنه من السذاجة أو من البلادة أن نعتبر هذه الأعداد ثابتة في الزمان والمكان.. أو نأخذها كمرجعية في صناعة أي قرار أو اتخاذ أي موقف إزاء ما يجري هنا وهناك.
كل ما في الأمر.. أنها رسالة واضحة المعالم، في أن الإرهاب ما زال قائما وثابتا في ذهن وفكر كل من انتقل من مكان لآخر، دون أن يتركه في تلك البلدان التي غادرها، انتزع لباسه العسكري وألقى سلاحه، لكن تلك الاديولوجية الراديكالية راسخة في ذاته المحركة لكل أفعاله اللاحقة ولا يمكنه أبدا أن يتغيّر حتى وإن أعفى عنه.. وتماشيا مع قولنا هذا أود المكتب الأمريكي للاستشارة في مجال الأمن أن هذا العدد يمثل تحديا كبيرا للجهات المكلفة بالأمن وتطبيق القانون في تلك البلدان التي لم تجد بعد التدابير المناسبة لمواجهة عودة «المقاتلين الأجانب».. وهذا في حدّ ذاته جبهة مفتوحة على كل الاحتمالات إن لم يتم التعامل معهم، في إطار صيغ سياسية وقانونية، لأن التماطل في هذا الفراغ يؤدي إلى ما يحمد عبقاه.
فمن الصعوبة بمكان مجاراة هذه الأرقام الواردة من ذلك المكتب، كون المسألة معقدّة جدا، يصعب التحكم فيها إن لم يكن هناك رؤية واضحة في مسألة المعلومة، وحركية المسلحين وتنقلاتهم يستحيل معرفتها بتلك الدقة المتناهية بدليل أن عدد الذين غادروا إلى سوريا 53,781 شخص.. أين البقية أي الفارق من ٥٦٠٠ الذين ظهروا فيما بعد!؟.