أقر البرلمان الفرنسي، الأسبوع الماضي بشكل نهائي قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل ليحلّ بديلاً عن حالة الطوارئ التي فرضت بعد اعتداءات باريس الإرهابية في العام 2015، والتي تنتهي في الأول من نوفمبر، بعدما تمّ تمديدها ستّ مرات.
القانون الجديد الذي اعتمده مجلس الشيوخ في قراءة ثانية بعد اقراره من مجلس النواب، رغم حملات ناشطين حذرت من المساس بالحريات وتقويضها، يعطي السلطات صلاحيات جديدة دائمة لمداهمة المنازل، وإغلاق مراكز العبادة، وتقييد حرية الحركة.
ستزيد بموجب هذا القانون السلطة الادارية - وخصوصا المحافظ - على حساب سلطة القاضي، حيث يسهل القانون الجديد عمليات التفتيش وفرض الإقامة الجبرية وغلق دور العبادة التي تعتبر مشبوهة، ويعزّز مراقبة الهوية على الحدود وعلى مشارف محطات النقل. ويسمح القانون الجديد لقوات الأمن بوضع أي مشتبه فيه تحت الإقامة الجبرية من دون الحصول على تصريح من قاضي التحقيق، وهو إجراء يُعمل به منذ سنّ قانون حالة الطوارئ قبل عامين.
الأمن مقابل الحريات
كما أن المشتبه به أصبح مجبرا على منح أرقامه الهاتفية وكلمات المرور الخاصة به التي يستعملها في وسائل التواصل الاجتماعي للشرطة.
ما يسمح لأجهزة المخابرات الفرنسية بالتجسس على نطاق واسع على المكالمات الهاتفية للفرنسيين، وعلى بريدهم الإلكتروني، إضافة إلى زرع كاميرات المراقبة في كل الأماكن التي تراها مناسبة للحصول على المعلومات دون الخوف من أي متابعات قضائية.
ويمنح القانون الجديد قوات الأمن تكثيف دورياتها في نطاق جغرافي أوسع، بعدما كانت تقتصر على أماكن حساسة واستراتيجية.
ورغم أن معارضي القانون ندّدوا به باعتباره يحد من الحريات، وانتقده خبراء الأمم المتحدة وجمعيات حقوقية، اعتبرت ان توقيف الأشخاص سيتم بناء على ملامحهم ولباسهم، وهوما قد يترتب عنه تجاوزات بدوافع عنصرية، إلا أنه لم يثر الكثير من الجدل في فرنسا بلد الحريات، ولئن كان النقاش البرلماني محتدما بين مطالبة أقصى اليسار بالتخلي عنه ومطالبة اليمين بتعزيزه، فإنه يبدوأن غالبية المواطنين قبلوه حتى وإن كان لا يرضي الحقوقيين.
هاجس الإرهاب
وأظهر استطلاع للرأي أجري مؤخرا، أن أكثر من نصف الفرنسيين (57%) يدعمونه حتى وإن كان 62% منهم يرون أن «من شأنه أن يؤدي إلى تدهور حرياتهم» في مؤشر واضح على استمرار وقوعهم تحت وطأة هجمات باريس وتخوفهم من تكرارها.
المدافعون عن قانون الإرهاب الفرنسي وبينهم الرئيس ماكرون، يؤكدون بأنه ضرورة حتمية وأولوية لضمان الأمن للفرنسيين، خاصة في ظلّ المخاطر الإرهابية المستمرة لكن دون «التخلي عن قيم ومبادئ» فرنسا، ويذكّرون بالاعتداءات الدموية التي هزت العاصمة باريس قبل سنتين والتي خلّفت 130 قتيلا، إضافة الى سلسلة طويلة من الهجمات الإرهابية التي حصدت أرواح الكثيرين، دون الحديث عن الاعتداءات التي تمّ اجهاضها والتي قدرتها السلطات في 13 محاولة مند بداية السنة.
وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب وصف القانون الجديد بأنه رد دائم لتهديد أصبح مستمرا.
المعارضون .. لا نريد دولة بوليسية
أثار قانون مكافحة الإرهاب الجديد في فرنسا المخاوف من أن تتحوّل البلاد لدولة بوليسية، حيث أعربت منظمات حقوقية وناشطون عن مخاوفهم من أن يؤثر هذا القانون على مبادئ الديمقراطية والحريات.
كما يحظى القانون الجديد بمعارضة شديدة من قبل قوى اليسار وعدد من المنظمات الدولية والحقوقية، بينها منظمة العفو الدولية، لأنه يسمح بإدراج بعض إجراءات حالة الطوارئ في القانون العام، وهوما ترفضه هذه المنظمات، معتبرة أنه يكرس لقوانين استثنائية.
وبالمناسبة، قال رئيس رابطة حقوق الإنسان الفرنسية سالم كور مالك في تصريحات صحافية، «إن القانون الجديد سيفتح الباب أمام خروقات وتجاوزات غير مسبوقة، لأنه يمنح صلاحيات كبيرة لولاة الأمن وقوات الشرطة على حساب الجهاز القضائي، وهو ما يعد أمرا خطيرا بالنسبة لدولة ديمقراطية تكفل وترعى الحريات».
وحذّر مالك من تحويل فرنسا إلى دولة بوليسية، تنتهك الحريات الفردية والجماعية بدعوى محاربة الإرهاب، مشيرا إلى أنه يجب أن يكون ذلك مرتبطا باحترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
واستهجنت منظمة هيومن رايتس ووتش في فرنسا الإجراء، واعتبرته انتهاكا غير مسبوق للحريات الفردية، وطالبت الحكومة بتعديل القانون المثير للجدل.
المسلمون متخوّفون
يعتقد الكثير من الخبراء أن قانون مكافحة الإرهاب الفرنسي يستهدف مسلمي فرنسا، حيث سيكون من السهل غلق أماكن العبادة، في حال اتهامها بالتحريض على الكراهية أوالعنف. وكانت عمليات إغلاق المساجد تتمّ في حال وجود أدلة دامغة، لكن مادة في القانون الجديد شملت «الأفكار» أيضا، وهو تعبير فضفاض يمكن أن تلجأ إليه السلطات لرمي واتهام أي مؤسسة إسلامية بنشر الفكر المتطرف من دون تقديم دلائل على هذا النوع من الاتهامات، وقد اعتبرت منظمة حقوق الإنسان الفرنسية هذه المادة مخالفة للقانون الدولي، لأنه سيتم غلق مؤسسات إسلامية بسهولة ومن دون أية أدلة.
وقال الناشط الحقوقي والمتحدث السابق باسم الائتلاف الفرنسي لمناهضة الإسلاموفوبيا ياسر لواتي، إن هذا القانون بمثابة عقاب جماعي لكل المسلمين في فرنسا، وبأنهم لم يعودوا في مأمن من التجاوزات والخروق التي ستحدث مستقبلا باسم مكافحة الإرهاب.
وأوضح الناشط، أن قوانين حالة الطوارئ عرفت خروقا فظيعة ضد المسلمين، بينها فرض الإقامة الجبرية على عشرات المواطنين الأبرياء واقتحام نحو خمسة آلاف منزل، وترويع أطفال ونساء أثناء المداهمات الليلية.