لا يخلو الخطاب السياسي الأمريكي من أوصاف قاسية تجاه الأطراف الرّافضة السّير في الفلك المسطّر من قبل دوائر هذا البلد، وبالأخص أثناء الأزمات الحادّة، تكون الإشارة مباشرة إلى تلك الجهة دون تسميتها لكن في نهاية المطاف فإنّ ذلك التّلميح واضح ولا غبار عليه.
هكذا فقد حاول كل رئيس أمريكي إلصاق تلك «العلامة» ظلما على الدول، ويتذكّر المتتبّعون الإجترار غير المحدود لمصطلحات مركّبة لـ «محور الشر» و»الدول المارقة»، ويقصد بهذا تلك البلدان التي تعارض السياسة الخارجية المبنية على القوة، واليوم طرح ما يعرف «بالإرهاب الإسلامي»، الذي اعتبرته جهات أمريكية مطّلعة بأنّ إدارة الرّئيس الجديد أخطأت فيه من ناحية مضمونة، مطالبة بالتوقف عن العمل به، تفاديا لكل تداعيات أخرى.
ستون يوما على استلام ترامب مهامه كرئيس للولايات المتحدة في ٢٠ جانفي المنصرم، يسجّل انفتاح هذا الرجل على محيطه الخارجي، كما هو موجود دون ذلك التّغيير الجذري الذي دعا إليه فيما سبق، وهذا من خلال اللّقاءات المرتقبة مع مسؤولي كبار الدول لطالما انتقد توجّهاتهم وكيفية إدارتهم للملفات الشّائكة.
هذا التّقارب المفروض على ترامب، أدّى به إلى مراجعة خطابه رغما عنه ولا خيار له في ذلك، انطلاقا من كثرة الأخطاء المرتكبة سياسيا ودبلوماسيا أحرجت العديد من المسؤولين السّابقين، الذين في كل مرة يريدون تصحيح ما يقع في المشهد الأمريكي الجديد، خوفا من مضاعفات قد تعود بالسّلب على سمعة البلد، وتصدّر تلك الأحكام غير اللاّئقة تجاه الوافدين على البيت الأبيض.
وحتى الآن، ما يزال الموقف الأمريكي محل جدل بخصوص «الإرهاب» نتيجة غموض في تحديد المفاهيم بدقّة، وفي هذا الإطار حذّرت قيادات عسكرية أمريكية سابقة من استعمال مصطلح «الإرهاب الإسلامي» من قبل ترامب، حتى لا يحسب عليه سياسيا.
وقد جاء ذلك على لسان ديفيد باتريوس المدير السابق لوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، مبديا تخوّفه من الآثار المترتّبة عن التّمادي في استخدام هذه التّسمية، كونها تحمل دلالات غير التي يعتقدها الرئيس الأمريكي لدى الرأي العام في شتى بقاع المعمورة خاصة في العالم الإسلامي، ممّا يسبّب له متاعب جمّة مستقبلا في حالة عدم التّراجع عن هذا الكلام، وتبعا لذلك وعد مسؤولون أمريكيون سامون بشطب هذه العبارة من خطب الرئيس ترامب.
ونشير هنا إلى أنّ الرّئيس الأمريكي تعهّد بسحق «داعش»، وهذا ما يساير المنطق المتبع على الصّعيد الدولي، وهو كذلك الإجماع القائم اليوم على أكثر من مستوى للقضاء على هذا التّنظيم الإرهابي، ومحاصرته حصارا قاتلا في أماكن تواجده زيادة على مطاردته في نقاط عديدة من العالم، وبالأخص خلاياه النّائمة والتي تتصرّف أو تتحرّك في شكل «الذّئاب المنفردة» وهذا ما يؤكّد عليه ترامب في خطاباته اليومية، في حين أنّ في فرنسا ترفض الحكومة رفع حالة الطوارئ، وفي كل مرة تجدّد آجالها للتقليل من الأذى الصّادر عن هؤلاء.
وبالتّوازي مع ذلك، فإنّ «داعش» يتلقّى ضربات موجعة في ليبيا والعراق وسوريا فَقَدَ كل مواقعه الإستراتيجية، ويبحث عن منافذ أخرى باتجاه أماكن آمنة، تقيه المزيد من الخسائر الفادحة التي يتلقّاها في الميدان، وحاليا يوجد في وضع يتّسم بـ «التّشتيت» في أفراده وقيادته، هذا ما جعله في موقف دفاعي فقط، وتفادي المزيد من الانهيار.
لابد من الإشارة هنا، إلى أنّ خطاب ترامب بصدد التغيير الجذري من قبل مساعديه، الذين نصحوه بعدم البقاء في دائرة الاستثناء، وهذا بالاندماج في التّقليد المعمول به دوليا، أن السّير على خطى سابقيه فيما يتعلّق بالمبادئ المعروفة في السياسة الخارجية الأمريكية حتى يبقى هذا البلد منافسا للأقطاب الأخرى.
وأولى هذه البوادر الملموسة التّصريحات عن «تيلرسون» الذي أعاد الإدارة الجديدة إلى المربع الأول، أي مواصلة العمل في الملفات التي الكثير اعتقد بأنّه سيتم إحداث مسافة بينها خاصة مسألة القرم، إلاّ أنّ الأمر سار مخالفا لذلك، ما يرد على لسان مسؤول الديبلوماسية الأمريكية هو تأكيد مبدأ الإستمرارية في السياسات المتبعة منذ سنوات لأنّ هذه القضايا الرّاهنة فرضت نفسها، ولا يمكن القفز عليها خوفا من الفراغ وحتى التّهميش وخسارة الحلفاء الطبيعيّين لهذا البلد.
وعليه، فإنّ هناك عملا معمّقا ينجز على مستوى الخارجية الأمريكية من أجل ضوابط كيفية تسيير الملفات الكبرى، وفق نظرة الرئيس الذي لم يكن راضيا عمّا قام به سابقوه من إدارة لحيثيات القضايا الدولية، لذلك عبّر في كم مرة عن تحفّظاته تجاه ما يجري والنّفقات المخصّصة لها في العالم، وهذا بمراجعة الطّريقة المعمول بها حتى الآن.
والتّصحيحات في الخطاب الأمريكي غير راض عنها ترامب كونها أرادت إدخاله في دائرة مغلقة بفرض عليه تشريفات لم يتعوّد عليها في كلامه، باختيار صارم للكلمات. وفي هذا السّياق فإنّ مستشار الرئيس للأمن القومي هربرت ريموند ماكماستر قد نصح ترامب بشطب عبارة الإرهاب الإسلامي على أن داعش لا يمثل الإسلام، كما أنّ ذلك يسيئ للمسلمين الذين تحتاج الولايات المتحدة العمل معهم للقضاء على إيديولوجية التطرف.