عناصر مؤثّرة جدّا في مسار المترشّحين تارة إعلاميا وتارة أخرى قضائيا، بالإضافة إلى بروز مواقف علنية تجاه تفضيل الواحد عن الآخر.
من الصّعوبة بمكان اليوم استقراء مستجدّات الحملة الانتخابية في فرنسا نظرا لتعقّد المشهد السياسي بتدخّل
هذا هو الحراك حاليا في هذا البلد الذي ينتظر قصر الإليزي يوم ٤ ماي القادم الشّخص الذي يختاره الفرنسيّون، ليتولّى إدارة شؤونهم لعهدة جديدة ما بعد فترة حكم هولاند، والمهمّة ليست بالسّهلة بتاتا.
هذا التوجّه القائم على سلوك المترشّحين في ممارستهم السّابقة والحاضرة، طغت على الأولويات الأخرى المتعارف عليها عند الفرنسيّين ألا وهي التّركيز على البرامج، هذا المسعى غاب للأسف وحلّ محلّه التّقييم الذّاتي لماكرون، لوبان، هامون وفيون، ممّا ولّد الكثير من الحذر، خوفا من تأليب الرّأي العام على أحد منهم.
وقد اعتدنا في الحملات الانتخابية الفرنسية أن يقاس المترشّح بمدى قدرته على إيجاد البدائل للسياسات السّارية المفعول، وتقديم الأفكار البنّاءة والاقتراحات المثمرة التي تخدم الصّالح العام، وتزيد في إثراء ملفّات شائكة كالضّرائب، التّغطية الاجتماعية، ساعات العمل، الأجور، غير أنّ هذه المحاور ليس لها أثر اليوم، لماذا يا ترى؟
ما أخفى هذا التّنافس كي يكون في مقدّمة انشغالات المترشّحين هو التدخل القوي والمؤثّر لوسائل الإعلام، التي حسمت في كيفية توجيه هذا الحدث نحو ما يخدم نوايا الكثير من اللّوبيات القادرة على صناعة الرّئيس القادم، هذا ما تتخوّف منه لوبان التي يتّهم أنصارها مدير جريدة «لوموند» بالوقوف إلى جانب ماكرون.
هذا الواقع السياسي فرضته هذه الرّكائز فرضا على الجميع، ويلاحظ في الوقت الرّاهن أنّ هناك تشكيلا للرّأي العام لصالح مرشّح معين، بدأت البوادر الأولية من خلال الاستطلاعات أن يعتلي المراتب الأولى بتفوّقه بنقاط عن الذي يليه.
وبالنّسبة للفرنسيّين، فإنّ الوافد القادم إلى الإليزي فصل في أمره ضمنيا، بعد أن تزعزعت وضعية كل من فيون الأجور الوهمية، ولوبان اقتطاع أرصدة من الاتحاد الأوروبي. هذه الهجمة الإعلامية يتساءل الملاحظون عن خلفياتها، وماذا يراد منها؟ هل هو البحث عن الرّئيس «الخارق للعادة» أو «السوبرمان»؟ ليس كذلك، الرّسالة السياسية الواضحة جاءت على لسان سفيري فرنسا في اليابان والولايات المتحدة، الأول عبّر عن رفضه العمل مع لوبان في حالة اعتلائها سدّة الحكم، والثاني يعتبر فوز لوبان بالكارثة.
وهذا الاعتقاد راسخ لدى السياسيّين الفرنسيّين في عدم ترك مترشّحة الجبهة الوطنية حيازة مقاليد السّلطة في فرنسا، وهذا بكل الطّرق المتاحة، وهذا بتعبئة كل الأوساط القادرة على منع لوبان من الوصول إلى قصر الإليزي، وقد حذّر هولاند من ذلك مؤخّرا عندما لاحظ ذلك السجال العقيم لدى المترشّحين، الذين بإمكانهم صناعة الفارق بدعوتهم إلى الحضور في الميدان بدلا من تلك المعارك الدوكنشوتية.
هذه التخوّفات السياسية مشروعة لدى الفرنسيّين، برفضهم اليمين المتطرّف الذي قد يؤدّي إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة تجاه المهاجرين وهذا باتّباع ما أقدم عليه ترامب في الولايات المتّحدة. هذه التّجربة لا يراد إعادة إنتاجها في فرنسا، ويتم تفاديها بكل ما هو متاح من إمكانيات، ولا نندهش من المحاولات الرّامية إلى التّحالفات البعيدة عن الأنظار من أجل التكتل ضد لوبان يوم ٤ ماي دون أن تدرك وزن هذه التّفاهمات الظّرفية، وتشعر رئيسة الجبهة الوطنية بهذه الإستراتيجية التي تنسج خيوطها على أنّ الجميع ضدّها، ولا يريدون أن تتولّى الرّئاسة إلاّ في حالة ما أعطاها الصّندوق.
والرّهان كل الرّهان على العمل خلال هذه المرحلة من أجل اتباع الطّرق الديمقراطية في هذه المنافسة الشّرسة، وكل هذه الحسابات المتعاقبة لم تسمح بالتمعن في البرامج وطرحها للرّأي العام بقدر ما هو السّعي لعدم ترك التطرف يصعد إلى الحكم، ولا نستغرب لهذا التّغيير في اتجاه البوصلة انطلاقا من مقتضيات المرحلة القادمة في تسيير الشّأن الفرنسي.
بالنّسبة للمترشّح ماكرون، فإنّ وضعيته الحالية سياسيا وشعبيا تسمح له بأن يحتل الصّدارة في التّرتيب العام، كونه الشّخصية الأكثر هدوءاً في تسيير حملته بعيدا عن الفضائح المالية، وهو بذلك يحظى بالأسبقية في الحركية الرّاهنة من حيث الحضور دون أي صراخ أو ضوضاء، وإنما يعتمد على إقناع الآخر ليس بطريقة الإشتراكيّين التّقليديّين، ولكن بالانفصال وإيجاد ذلك الهامش في التّعبير عن الآراء بدون تسلّط القيادة المباشرة.
وبالتّوازي مع ذلك، فإنّ بونوا هامون تاه في هذه الحملة ولا يظهر له أثر للأسف، ماعدا بعض التّصريحات من هنا وهناك، أمّا فيون فقد قرّر الخوض في خياره بالرّغم من كل ما حصل متحديا الجميع، يوميا تكشف قضايا تخصّه لكن ماض في قناعاته، ينظر إلى نفسه أكثر ممّا يراعي مصالح جناحه السياسي، وهذا استنادا إلى الأصوات التي تحصّل عليها في البداية لا يمكنه التخلي عنها هكذا، وهي في الأصل عقد معنوي مع منتخبه.
وقد فهم جوبي هذه المسألة فهما جيّدا، غير أنّ ما حدث لفيون يحتمل أن يجر الجمهوريّين إلى هزيمة نكراء لا يراها مرشّحهم في الوقت الجاري عندما أعمته الأضواء ونشوة حب الانتصار، وهذا من حقّه كمترشّح لا يخذل أولئك الذين وضعوا فيه هذه الثّقة لربح معركة الرّئاسة.
وفي خضم كل هذا الضّجيج، ما تزال ماري لوبان تقاوم من أجل فرض وجودها في هذا الفضاء بالرغم من كل ذلك المحيط المعادي لها، خوفا من أفكارها التي لا تتماشى مع قيم الجمهورية الفرنسية كما يرى ذلك السياسيون في فرنسا، وسبر الآراء الذي يظهر من حين لآخر يجعلها في تصنيف يخيف الكثير أيديهم على قلوبهم من تصدّر لوبان الاستطلاعات، ويجدونها في الإليزي دون شعورهم بذلك، ونقصد الأطراف الأخرى التي تتنازع على طروحات إيديولوجية دون إدراك هذه التحديات المتعلّقة بزحف اليمين المتطرّف كموضة في أوروبا.
هذا هو الخلط السياسي الجاري خلال هذه الحملة، وهو إبعاد لوبان في غياب البرامج.