مسافة الألف ميل تبدأ دائما بخطوة، والخطوة الأولى في طريق تسوية المعضلة السّورية بدأت من العاصمة الكازاخستانية أستانة قبل أيام، واضعة قطار الحل السلمي على السكة الصحيحة لينطلق عبر محطّات ومسالك وعرة، وعلى متنه أطراف الأزمة لبلورة مخرج يرضي الجميع ويجنّب بلاد الشام المزيد من إراقة الدماء والتدمير والخراب، ويصون وحدتها وسيادتها وأمنها.
لا شك أنّ السّوريّين الذين يترقّبون رؤية الضوء في نهاية النفق المظلم بعد ست سنوات من الجحيم، يأملون في نجاح مباحثات السلام المرتقب استئنافها الشهر القادم بجنيف، ويهيبون بالمعارضة أن تبتعد عن تبنّي أجندات خارجية همّها الوحيد تعطيل الحل وإلحاق أكبر الدمار بسوريا، لتنخرط في عملية سلام حقيقي هدفه حماية السوريين من ويلات التهجير القسري والاحتراب الداخلي الذي يكون الرابح فيه خاسرا لا محالة.
مقدّمات التسوية السّلمية تتجلّى بوضوح في سوريا لكنها بحاجة إلى إرادة وصدق لتجسيدها على أرض الواقع، وهذا بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المعلن نهاية السنة المودعة، وتكثيف الجهود لمحاربة الارهاب وتنظيماته الدموية، والانخراط في تفاهمات سياسية جوهرها الأساسي الحفاظ على أمن ووحدة البلاد أرضا وشعبا،وتعزيز المصالحة الوطنية التي تعتبر في كل الأحوال السبيل الوحيد لمداواة الجراح التي تسبّبها الحروب.الأكيد أنّ حل الأزمة السورية التي عقدت خيوطها جهات غربية وإقليمية عديدة، يمرّ حتما عبر توقّف هذه الأطراف المتآمرة عن صبّ الزيت على النيران الملتهبة، وترك السوريين يحلّون قضيتهم بأنفسهم، حتى لا تنتهي عملية السلام الجديدة إلى ما آلت إليه مؤتمرات السلام السابقة وهي كثيرة، وقد أجهضت جميعها بسبب تدخّل الأطراف الاقليمية والدولية التي حوّلت الأرض السورية إلى ساحة لصراع المصالح دون أن ترأف لحال السوريين وما يتكبّدونه من مآسي وويلات.
الأمل بحلّ الأزمة السّورية هو في أعلى درجاته اليوم، فقط يجب أن تحرص العملية السياسية على المحافظة على السيادة الوطنية، وتستند إلى الارادة الشّعبية لا الخارجية.
ورغم إدراكنا بأنّّ الحل سوف لن يكون سهلا، فاعتقادنا كبير بأنّ أولى مؤشّراته أصبحت ظاهرة للعيان وفجر سوريا سيبزغ قريبا.
من جنيف 1 إلى أستانة
فشلت سلسلة مبادرات أطلقتها أطراف عدة لإيجاد حل للأزمة السورية على مدى الست سنوات الماضية، واصطدمت بعراقيل وشروط تعجيزية وضعتها المعارضة بإيعاز من الأطراف الإقليمية والدولية التي ساهمت في إشعال الحرب في سوريا، وسهرت على تأجيجها واستمرارها ممّا حال دون وقف الاقتتال وبدء المسار السياسي.
وهذه أهم المبادرات التي سعت إلى حل المعضلة السّورية من جنيف 1 إلى الأستانة.
مبادرة عربية وعقوبات
٢ نوفمبر 2011: الجامعة العربية تعلن اتفاقا مع سوريا - بعد أن حمّلت النظام مسؤولية ما يجري - تضمّن ما أسمته وقف العنف والإفراج عن المعتقلين وسحب الجيش من المدن، وحرية حركة المراقبين العرب والصحفيين، وفي الأسابيع التي تلت فشل المبادرة علّقت الجامعة العربية عضوية سوريا فيها، ثم فرضت عليها عقوبات غير مسبوقة.
كما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ أفريل عقوبات على الحكومة السورية، جرى تشديدها لاحقا.
خطّة عنان
12 أفريل 2012: سريان وقف لإطلاق النار بموجب خطّة لمبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي عنان، لكنه لم يصمد أكثر من ساعات، وما لبث عنان أن استقال من منصبه.
مؤتمر جنيف 1
30 جوان 2012: اتّفقت مجموعة عمل مؤلّفة من الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وتركيا وجامعة الدول العربية في مدينة جنيف على مبادئ مرحلة انتقالية، لكن الأطراف المعنية بالنزاع - من السوريين وغيرهم - اختلفوا على مصير الرئيس بشار الأسد الذي تطالب المعارضة برحيله.
فبينما اعتبرت واشنطن أنّ الاتفاق يفسح المجال أمام مرحلة «ما بعد الأسد»، أكّدت موسكو وبكين أنّ تقرير مصير الأسد يعود للسّوريّين.
اتّفاق بشأن الأسلحة الكيميائية
14 سبتمبر 2013: أبرمت الولايات المتحدة وروسيا في جنيف اتفاقا بشأن إتلاف الترسانة السورية من الأسلحة الكيميائية، وهدّدت أمريكا سوريا بضربة عسكرية أن رفضت الموافقة على الاتفاق.
مفاوضات جنيف 2
22 إلى 31 جانفي 2014: عقدت مفاوضات في سويسرا بين المعارضة والنظام السوري، وانتهت دون نتيجة ملموسة.
وتلتها جولة ثانية انتهت في 15 فيفري، وأعلن وسيط الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي الذي خلف عنان آنذاك وصول النقاش إلى طريق مسدود.
في 13 ماي: استقال الإبراهيمي بعد أكثر من عشرين شهرا من الجهود العقيمة، وخلفه في هذا المنصب الإيطالي السويدي ستيفان دي ميستورا في جويلية.
التدخل الرّوسي ومحادثات فيينا
30 أكتوبر 2015: بعد مرور شهر على بدء الحملة الجوية الروسية في سوريا، اجتمعت 17 دولة في فيينا - بينها روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، وحضرت إيران للمرة الأولى - وذلك لبحث الحل السياسي في سوريا، واتّفق المجتمعون على السعي إلى وضع أطر انتقال سياسي، بينما اختلفوا على مستقبل بشار الأسد.
قرار مجلس الأمن
18 ديسمبر 2015: مجلس الأمن الدولي يتبنّى بالإجماع وللمرة الأولى منذ بدء النزاع قرارا يحدّد خريطة طريق تبدأ بمفاوضات بين النظام والمعارضة، وينص على وقف لإطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر، وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرا.
اتّفاق لوقف القتال
27 فيفري 2016: اتّفاق لوقف الأعمال القتالية يدخل حيّز التنفيذ بمبادرة من واشنطن وموسكو، ويتعلّق فقط بالمناطق التي تدور فيها معارك بين قوات النظام والمعارضة المسلّحة، ويستثني إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التي أعلن زعيمها في 28 جويلية 2016 تغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام»، وانهار الاتفاق.
استعادة حلب
والخطّة الرّوسية - التّركية
22 ديسمبر 2016: النّظام السّوري يعلن سيطرته على حلب بكاملها
29 ديسمبر 2016: الرّئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلن التوصل إلى اتفاق بين النظام السوري والمعارضة المسلحة على وقف شامل لإطلاق النار في سوريا بضمانة روسية وتركية، وقد أعلنت أطراف الأزمة التزامها بهذا الاتفاق الذي يمهد لمفاوضات سياسية.
محادثات أستانة
23 جانفي: لأول مرّة النظام والمعارضة وجها لوجه في عاصمة كازخستان أستانة لمباشرة مفاوضات تقود إلى تثبيت وقف اطلاق النار، ومباشرة عملية سياسية تنهي الأزمة.