لا شك أن السياسة الأمريكية منذ فتحت البشرية عينيها على شيء اسمه العالم الجديد وهي على نفس النسق؟ تتغير الواجهات والأشكال الهندسية لكن المطابخ لا تتغير والعلب السوداء تظلّ محافظة على مكوناتها التي وجدت من أجلها...يتغير حتى طاقم الطباخين وفي بعض المرات نوع الطبخ كذلك. لكن المشرف الجديد دائما وأبدا يحمل المشعل ليؤدي ميثاقا يسمونه هناك عهد الشرف الذي سار على نهجه جورج واشنطن وهو أول من حمله تاريخيا....
على طول مسار حملته أسرد دونالد ترامب للجميع نقاطا أرضت الأغلبية العظمى من المتشددين الجمهوريين. وبالمقابل أغضبت شريحة كبيرة ممن ظلّوا يعتقدون أنفسهم حماة أمريكا عبر التاريخ ممن أسهموا بإنتاجاتهم الفكرية والاجتماعية والثقافية وحتى الرياضية. لكن العقل الأمريكي يريد الزجّ بهم في أية لحظة ورميهم في سلّة النسيان أولهم السود ثم المسلمين الذين قال عنهم سيعودون لأوطانهم ولن نسمح لهم من الآن دخول أمريكا قبل أن يعدّل هذه العبارات ويقول ممن ينتسبون لدول عُرف عنها تاريخيا بأنها تفرّخ الإرهاب؟ إضافة إلى إعادة طرائق التعامل مع الملف الإيراني. فهو يريد نسف كل ما انخرط فيه الرئيس السابق أوباما. بيد أن هذا الأخير راح ينتهج سياسة رخوة مكّنت إيران من التماطل والتهرب من عدة اجراءات ردعية أولها الشدّ على حبل الخناق الاقتصادي. ناهيك عن رؤيته وتعامله مع ملف الشرق الأوسط. حيث يرى بأن الحل في سوريا ممكنا وهو العمل بما تترتب عنه لقاءات ـ أستانة ـ وفي هذا الصدد يرى كثير من الملاحظين بأن ترامب لم يقدم شيئا جديدا وملموسا للملف السوري فقط أمريكا التي يمثلها تريد أن تسرق نتائج المباحثات التي ستعتمدها معظم الدول المشاركة وعلى رأسها روسيا وتركيا. ولايهم ترامب طبعا إلا مصلحة الأمن القومي كما يدعي بدليل أنه عبر عن ارتياحه عن تعيين جيمس ماتيس وزيرا للدفاع وجون كيلي للأمن القومي وهي علامات عن أن المعضلة السورية سوف تطول كلما كانت أنصاف الحلول والتي أغلبها القبضة الحديدية هي الخيار الأفضل. مفضلا بأن الأزمة هناك سياسية وليست إنسانية بالدرجة الأولى.
كان أنصار ترامب لحظة تنصيبه يلبسون قبعات حمراء من صنع صيني مكتوب عليها ـ لنجعل من أمريكا دولة عظمى دوما ـ وهي بداية النهاية كما يقال في الأدبيات السياسية. فلطالما تغنى هذا الرئيس بالإتيان بالجديد على مستوى الخطاب ناسيا أو متناسيا بأن أمريكا العظمى هذه يحمل ثقلها أفرادا من مختلف الجنسيات. وأن الفرد الأمريكي بطبعه معارض دائما للحروب. وأنه شبه مستثني منها لأن حطب هذه الحروب يكوّن دائما من أبناء الجاليات والمهاجرين ؟ ولو عاد ترامب لأصوله لعرف بأنه من جنسية ألمانية ومنتج تلفزيوني صاحب برنامج ملكات الجمال؟ ولكونه الرئيس الخامس والأربعين. فهو لا يعدو ومهما ذهب بعيدا سوى خادما مطيعا للبيت الأبيض. لأن مجلس الكونغرس هو من يقرّر ويضبط رؤى السياسات الخارجية والتعاملات مع الدول والأقاليم من أجل الحفاظ على أمريكا التي رسمها الأجداد.
وحري بالقول، إن الرئيس الذي نتحدث عنه مجرد حلقة وصل من سلسلة طويلة من الرؤساء الذين خدموا العلب السوداء لطغمة رغبت في أن تحكم العالم بيد من حديد منذ وطئت قدم كريستوف كولومبس يابسة القارة....وقد انطلقت للحياة لهذه الأطماع لحظة نهاية الحرب العالمية الثانية. وكانت يومها الشعوب والدول تلملم جراحها من أجل تشييد بناها التحتية. وكان العرب والمسلمون لازالوا يعانون من بطش العثمانيين تارة ومن بطش الاستعمار القديم تارة أخرى.
لذلك فأمريكا هي التي صنعت التاريخ وبالتالي فهي الأجدر بأن ترسم السياسات كما يحلو لمشايخها. زمانا ومكانا.
ترامب ظلّ مترددا بخصوص معتقل غوانتنامو... فقد وعد الجميع بحله نهائيا. لكن هذا الإصرار بدأ يخفت بريقه. أسابيعا قبل ترسيمه ..والأكيد المؤكد لن يحدث ذلك. لأنه سبق لغريمه أوباما أن ادعى نفس الشيء.. لكن سرعان ما تبخرت هذه الدعوة المفتوحة. لا لشيء سوى أن أن مجلس الشيوخ لم يرض بذلك...وهنا كل شيء واضح للعيان إلا من أبى واستغفل ؟ا
شاعر وصحفي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.