2017 هل تكون سنة للسلام؟

ملفات ثقيلة أمام الأمين العام الأممي الجديد

جمال أوكيلي

المبعوثون الأمميون وجها لوجه مع الأزمات السياسية والأمنية

استلم الأمين العام الجديد للأمم المتحدة السيد انطونيو غويتيريس مهامه بصفة رسمية عقب تزكية من أعضاء مجلس الأمن، تلاه خطاب أمام الجمعية العامة الذي اعتبر فيه أن ٢٠١٧ ستكون سنة للسلام فهل هذا ممكن؟.

التشخيص الذي بادر به غويتيريس، ركّز فيه على عدم قدرة هذا التنظيم الدولي مسايرة النزاعات المندلعة هنا وهناك، مرجعا ذلك إلى الآليات المعمول بها، والتي وصفها بـ»البطيئة جدّا» لا تترجم تلك الإرادة الرامية إلى التعجيل بتسوية الملفات الشائكة، التي ما تزال مفتوحة منذ عقود من الزمن ولا متابعة بشأنها في الوقت الراهن.
هذا لم يمنع أبدا، الأمين العام الجديد من بعث رسالة مفادها أنه آن الآوان لصناعة السلام في هذا العالم، وهذا في حدّ ذاته انطلاقة باتجاه الشروع في فتح ورشات في هذا الإطار، تكون وفق مقاربات جديدة، ورؤى مخالفة لما كانت عليه في السابق، قصد استحداث حيوية استثنائية افتقدتها الأمم المتحدة منذ عشريات.
وهذا عندما أصبح القرار المؤثر في يد الولايات المتحدة ليتحوّل إلى روسيا، مع تراجع دول مثل فرنسا، بريطانيا وألمانيا.
ويباشر غويتيريس عمله استنادا إلى مرجعية حل واضحة في ذهنه من ناحية الطرح الذي يعرضه فيما يتعلّق بالخصائص المضفاة على كل الرزنامة المعدة لهذا الغرض، والتي تعتمد على الحضور في عين المكان وتفادي الغياب عن القضايا الكبرى، وهذا ما يجري حاليا تجاه النزاع السوري أي مفاوضات أستانة بكازاخستان.
ولا شك أن هذا الوافد الجديد يكون قد خرج من دائرة التشخيص ليجد نفسه وجها لوجه مع مسائل عالمية حادة والأكثر من هذا معقّدة إلى درجة أن هناك من تركها عرضة لتحوّلات الدهر، فكيف يمكن بعثها على بساط البحث؟ هذا التقييم السياسي ورد في حديث غويتيريس عندما قال صراحة «أنا لا أملك عصا سحرية» وهذا يعني ضمنيا أن بؤر التوتر الراهنة مسؤولية الجميع، فما على هؤلاء إلا الانخراط في هذا المسعى المبني على التنسيق خاصة.
ولابد من الإشارة في هذا الشأن إلى أن الأمين الحالي تولى هذا المنصب في ظروف أقل ما يقال عنها أنها دقيقة جدّا، نظرا لتفاقم العلاقات الدولية وبلوغها درجة خطيرة في تفاعلها مثلما هو الشأن بالنسبة لسوريا، اليمن، ليبيا، فلسطين، الصحراء الغربية، الإرهاب، وغيرها من الملفات التي تشهد غليانا في الوقت الحاضر.
فمن أين يبدأ هذا الرجل الذي له باع طويل مع نشاطه تجاه اللاجئين في هذه المعمورة؟ ليس هناك أي ملف جامد أي لا يتحرك، مما ذكرنا سالفا غير أن ما يلاحظ وجود حضور قوي مثلا لروسيا في إدارة الملف السوري وبدرجة أقل نظيره الفلسطيني، مع تسجيل غياب تام للدور الأمريكي حيال ما يجري، خاصة عقب الانتخابات الرئاسية وفوز الجمهوري دونالد ترامب، من هنا بدأ الفراغ الدبلوماسي الأمريكي على الصعيد الدولي، في انتظار إدارة جديدة.
المبعوثون الأمميون في الميزان
وفي مقابل ذلك، لنا أن نتساءل عن الصيغة الأممية المتبعة حاليا والمتعلّقة بالمبعوثين الأمميين إلى البلدان التي تتخبّط في مشاكل أمنية عويصة جدّا، ليس من السهل التعامل معها بسبب تداخل عناصر خارجة عنها، كالتأثيرات الإقليمية المباشرة التي عطّلت كثيرا التفاهمات المرتقبة.
كوبلر في ليبيا، دي ميستورا في سوريا، ولد الشيخ في اليمن، روس في الصحراء الغربية، ناهيك الموجودين في البلدان الإفريقية المتنازعة، يؤدون المهام المخولة في إطار المساعي الأممية الحميدة المتوجهة نحو تسوية هذه المسائل وفي كل مرة يستعدون لتقديم تقاريرهم المفصلة عن مدى الإضافة الممنوحة في التكفل بالقضايا المكلفين بها أمام أعضاء مجلس الأمن.
والمبعوثون الأمميون الحاليون سابقهم نظرائهم من قبل هذه المهام جلهم استبدلوا وحلّ محلهم آخرين في فترة وجيزة جدّا، في سوريا، من عنان إلى الأخضر الإبراهيمي، هذه عيّنة تمسح على الباقي في البلدان المذكورة. أما في الصحراء الغربية فحدّث ولا حرج، تخيلوا أن النزاع في عامه وعقده الرابع يراوح مكانه بسبب التعنّت المغربي الذي عرقل عمدا عمل المبعوث الأممي منذ عهدة بيريز دي كوبلار.
لسنا هنا بصدد تقييم أداء كل واحد من هؤلاء، لكن السيد غوريتيريس تحدث بإسهاب على إقامة السلام في العالم وعودة الأمن إلى المناطق غير المستقرة من خلال الآليات المتبعة، منها المبعوثون الأمميون وغيرها من الأدوات الأخرى المستعملة، فكيف سيكون عمل هؤلاء في خضم إصرار الأمين العام الجديد على أن تكون ٢٠١٧ سنة للسلام؟ هل تغير طريقة تواصلهم مع الأطراف المتنازعة؟ الكل يدرك حدود جهود كل واحد الذي لا يجد أحيانا الدعم اللازم لاستكمال مهامه على أحسن ما يرام كما يتعرّض أحيانا أخرى لانتقادات لاذعة.
هذا هو الجو العام الذي يعمل فيه المبعوثون الأمميون ومهما قيل عنهم، فإن شغلهم الشاغل هو القيام بمهمتهم على أحسن وجه من أجل تسوية تكون في مستوى الأحداث. وفي هذا الصدد، فإن تسارع المستجدات والوقائع الميدانية قد تعزله أحيانا وهذا ما حدث في سوريا، دي ميستورا فقد البوصلة التي تقوده إلى الاتجاهات التي أرادها.
روس.. الإلتزام بحق الصحراويين
في هذا الصدد وتبعا لما أوردناه سابقا، فإن المبعوث الأممي الأكثر تعرضا للانتقاد هو كريستوفر روس لم ينج من ملاحقات مغربية على أكثر مستوى قصد عرقلة المساعي التي يقوم بها إلى درجة أن وزير خارجية مغربي اعتبره «شخصية غير مرغوب فيها»، ولن يسمح له بدخول هذا البلد.
لا لشيء سوى لأنه اتهم بالانحياز لجبهة البوليزاريو في التقارير التي يعدّها كل سنة في شهر أفريل.
وزيادة على ذلك، فإن اللوائح والصادرة عن مجلس الأمن يعتقد المغرب أن وراءها روس، لا يتوانى في إيهام الرأي العام العالمي بأنها لصالحه وهذا خطأ فادح يتطلب اليقظة والحذر منه.
نفس الشيء وقع مع قرار المحكمة الأوروبية الأخيرة، إذ سارع هذا البلد لإعطاء الانطباع بأنه جاء لفائدته بإيعاز من أطراف معروفة.
ولممارسة الضغوط على روس طرد المغرب أعضاء من المينورسو، وهذا للتأثير على مهمة هذا المكوّن وإحداث الفراغ وهذا كله من أجل تعطيل نشاط المبعوث الأممي ومنعه من تأدية ما هو مكلّف به في إطار الشرعية الدولية.
كل الوسائل التعجيزية استعملها هذا البلد ضد هذا الرجل ربحا للوقت، فالملف الصحراوي لا يشوبه أي غموض ولا يكتنفه أي لبس، فيما تطلب به الأمم المتحدة هو تنظيم الاستفتاء المتفق عليه خلال وقف إطلاق النار في بداية التسعينات بين جبهة البوليزاريو والمغرب.
لكن هذا الأخير، رفض فيما بعد هذا الالتزام وأوصل الوضع إلى ما هو عليه اليوم.
صحراويون دعاة سلام، وما على الأمين العام الجديد إلا الاستجابة لمطالب هؤلاء وهذا بالعودة إلى المواقف التاريخية لقيادة هذا الشعب التي تتعامل بروح المسؤولية مع الأمم المتحدة، منذ اندلاع هذا النزاع والمواقف السياسية تشهد على ذلك.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024