قبل شهر على مغادرته البيت الأبيض

حصيلة ولايتي أوباما في الميزان

فضيلة دفوس

في العشرين من جانفي المقبل، سيغادر باراك أوباما البيت الأبيض، بعدما قضى ثمانية أعوام في رئاسة الولايات المتحدة.
وقبل شهر من تسليمه السلطة لخليفته المنتخب دونالد ترامب، يحق لنا تقييم حصيلة أول رئيس من أصول أفريقية تقلّد مقاليد الحكم في أقوى دولة بالعالم لنتعرّف على انجازاته وإخفاقاته سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
وحتى ننصف الرجل ونمنح تقييمنا الموضوعية المطلوبة، من الضروري العودة إلى السياق الزمنى الذي تولى فيه أوباما السلطة، فقد انتخب في أوجّ أزمة الرهن العقاري وإفلاس البنوك التي زلزلت الإقتصاد الأمريكي.

في العشرين من جانفي المقبل، سيغادر باراك أوباما البيت الأبيض، بعدما قضى ثمانية أعوام في رئاسة الولايات المتحدة.
وقبل شهر من تسليمه السلطة لخليفته المنتخب دونالد ترامب، يحق لنا تقييم حصيلة أول رئيس من أصول أفريقية تقلّد مقاليد الحكم في أقوى دولة بالعالم لنتعرّف على انجازاته وإخفاقاته سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
وحتى ننصف الرجل ونمنح تقييمنا الموضوعية المطلوبة، من الضروري العودة إلى السياق الزمنى الذي تولى فيه أوباما السلطة، فقد انتخب في أوجّ أزمة الرهن العقاري وإفلاس البنوك التي زلزلت الإقتصاد الأمريكي.
ورغم الظرف الصعب، فقد تجاوز أوباما هذه الأزمة التي ألقت بظلالها الداكنة على الاقتصاد العالمي وكادت تعصف به.
كما أنجز نظام التأمين الصحي، الذي يبدو بأنه لا يعجب البعض ومنهم الرئيس القادم الذي أعلن صراحة بأنه سيعيد النظر فيه.
داخليا عمل أوباما على علاج مشاكل الاقتصاد، لكن مقابل نجاحه في مداواة هذا القطاع، فقد تفاقمت حوادث العنصرية في الشوارع الأميركية، حتى التهبت العديد من الولايات، وباتت هذه الظاهرة تهدّد الأمن الأمريكي الداخلي وتطرح تحديا كبيرا وخطيرا أمام دونالد ترامب.
إنهاء حروب وإشعال أخرى
 على مستوى السياسة الخارجية، وخلال ترشحه لانتخابات 2008، تعهد أوباما بأنه في حال أصبح رئيسا لأمريكا فإنه سينهي حربي العراق وأفغانستان، وهو فعلا سحب قوات بلاده من الدولتين مباشرة بعد توليه السلطة، لكن الانسحاب هذا لم يكن كاملا ولا فعليا على أرض الواقع، ففي كلّ مرّ كان يعيد البعض من قواته  مرّة تحت مسمى التدريب وأخرى للمساعدة على محاربة الإرهاب.
هذا ورغم أن كثيرين يؤكدون بأن الرئيس الأمريكي المغادر نجح في فرض سياسة الانكفاء ولم يخض كسابقه حروبا مدمّرة، فالواقع يجزم غير ذلك تماما، لأن ما شهدته المنطقة العربية خلال ولايتيه، لا يقلّ بشاعة عما عاشته في ظلّ عرّاب الفوضى الخلاقة جورج بوش، والأكيد أن إدارة أوباما كان بإمكانها فعل الكثير لإنقاذ دول الربيع الدموي مما وقعت فيه.
 اتفاق تاريخي مع إيران
يُعتبر الاتفاق النووي مع إيران، والذي دخل حيز التنفيذ في جوان 2015، النجاح الأهم على الصعيد الدولي للرئيس الأميركي الذي تشارف ولايته على الانتهاء.
ولم يكن هذا الاتفاق التاريخي خطة أمريكية معزولة، بل جاء برعاية دولية أطرافها مجموعة الدول الكبرى كاملة العضوية في مجلس الأمن «أمريكا، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين»، بالإضافة إلى ألمانيا، وبعد مفاوضات ماراطونية دامت سنوات.
طي آخر صفحات الحرب الباردة مع كوبا
  المؤكد أن أهم ما سيسجله التاريخ لباراك أوباما، هو أنه  الرئيس الأمريكي الوحيد الذي استطاع أن يطوي آخر صفحات الحرب الباردة، بإعلانه فكّ الحصار عن كوبا وإنهاء عزلتها التي استمرت خمسة عقود.
إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الجزيرة الكاريبية الصغيرة، التي تبعد عن الشواطئ الأميركية قرابة التسعين ميلاً (145 كليومتراً)، ورفع بعض العقوبات الاقتصادية التي تدخل ضمن نطاق صلاحيات الرئيس، تطلّب 15 شهراً من العمل بين الجانبين برعاية مباشرة لبابا الفاتيكان.
هكذا وفي 14 أوت 2015، وخلال زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى هافانا، رُفع العلم الأميركي لأول مرة في الجزيرة الكاريبية منذ خمسة عقود، ليُعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وتفتتح الولايات المتحدة سفارتها في العاصمة الكوبية لأول مرة منذ 1961، بعد شهر واحد من افتتاح هافانا سفارتها في العاصمة الأميركية.
وتوّج الرئيس الأميركي، رؤيته الجديدة للعلاقات الأميركية ـ الكوبية، بزيارة تاريخية إلى هافانا، في 20 مارس 2016، وهي الأولى لرئيس أميركي للجزيرة، منذ 88 سنة، حين زار الرئيس الأميركي كالفين كوليدج كوبا في 1928.
غلق غوانتانمو... وعد لم يتحقّق
خلال حملته الانتخابية عام 2008، قطع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وعداً على نفسه بإغلاق معتقل غوانتانمو، متعهداً بتحويل رقم معتقليه إلى «صفر».
لكن اليوم، وعلى عتبة مغادرته البيت الأبيض في جانفي المقبل، يبدو أن الرئيس أوباما عجز عن تنفيذ وعده، ولو أنّ ما حققه في هذا الملف لا يصل إلى درجة «صفر»، فلم يبقَ بهذا المعتقل سيء الصيت، غير 61 معتقلا من أصل 242 معتقلا عندما تسلم الرئاسة، ومن أصل 779 معتقلاً ضمهم المعتقل منذ افتتاحه عام 2002، توفي 9 منهم داخله.
وهكذا سيغادر أوباما السلطة تاركا معتقل غوانتانمو الذي وصفه بأنّه «وصمة عار في سمعة وروح أميركا الديمقراطية» مفتوحا.
العصا للفلسطينيين والجزرة لإسرائيل
شكّل عدم وفاء الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بالوعود التي قطعها على نفسه تجاه الملف الفلسطيني خلال ولايتين رئاسيتين سواء بإطلاق عملية المفاوضات أو وقف الاستيطان، خيبة أمل لدى الأوساط الفلسطينية.
أوباما، الذي وعد الفلسطينيين، بعد خطابه التاريخي في جامعة القاهرة في فترته الرئاسية الأولى بأن يعمل على وقف الاستيطان الإسرائيلي، تراجع عن تلك الوعود، ولم يقدم شيئاً للفلسطينيين ولم يغيّر في السياسة الأميركية التي تقوم على الدعم الكامل لإسرائيل، بل إن دعم دولة الاحتلال زاد خلال فترة رئاسته، فأميركا في عهده وقعت أضخم اتفاقية دعم عسكري لإسرائيل في تاريخها بلغت قيمتها 38 مليار دولار.
وفي عهد أوباما أيضاً، واصلت أميركا سدّ منافذ الشرعية أمام الفلسطينيين، حيث استمرت في استعمال حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن وفي كل المؤسسات الدولية ضد مصالح الشعب الفلسطيني.
أفريقيا خيبة الأمل
عندما فاز أوباما بالرئاسة أواخر 2008، كأول رئيس أسود للولايات المتحدة، اعتقد كثيرون بأن ذلك سيكون نقطة تحوّل وصفقة هائلة لأفريقيا، باعتباره من أصل أفريقي وكون والده كينيًّا.
وقد ارتفعت شعبيتة  كثيرا في القارة السمراء حتى أن مناطق سكنية وطرق ومحلات سُمّيتْ باسمه.
وكان الشعور العام هو أن أوباما، الذي كان جدّه طاهيا للبريطانيين في كينيا، سيستثمر شخصيا في أفريقيا، لكن الذي حصل أن النقاد في جميع أنحاء العالم – وليس فقط في أفريقيا، عندما يقيّمون آثار إدارته وإرثه في أفريقيا بعد ولايتين رئاسيتين، يجزمون بأن ما قدمه الرئيس السابق جورج بوش في أفريقيا أكبر بكثير مما قدمه  خليفته أوباما، فبوش الابن - حسبهم - قدم لأفريقيا أكثر مما قدمه أي رئيس أمريكي مند جون كينيدي، خاصة برنامجه للإغاثة من السيدا و»القيادة العسكرية الامريكية في أفريقيا « أفريكوم»، وحتى حصيلة الرئيس السابق بيل كلينتون كانت ـ حسب قولهم ـ أهم من حصيلة أوباما، فهو الذي سنّ قانون النمو الأفريقي.
قبل شهر على مغادرته البيت الأبيض، هناك شعور واضح بأن إرث أوباما في أفريقيا ليس كما ينبغي أن يكون، ليس فقط لأن إدارته فشلت في إنتاج سياسة واحدة يمكن أن تنافس برنامج بوش لمواجهة السيدا،  بل لأنه قام  بتخفيض التمويل للبرنامج، مما دفع المنتقدين للتحذير من أن أوباما قد أدى إلى انتكاس التقدم في مواجهة مرض السيدا في القارة لسنوات.
أما عن مبادرته حول الطاقة الكهربائية لإضاءة أفريقيا والتي تعهدت بإنتاج أكثر من 30,000 ميغاوات من الكهرباء، فإنها لم تنتج سوى 4000 ميغاوات أو ما يزيد قليلا. كما أن اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا التي رعاها أوباما لم تشهد تقدّما كما يتوقع رغم تجديدها من قبل الكونغرس. وتجارة الولايات المتحدة مع أفريقيا لا تزال تعتمد على الاقتصادات الاستخراجية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024