بينما يبدو اليمين أكثر تجانسا و قدرة على المبارزة و الفوز

اليسار الفرنسي يدخل سباق الرئاسة ومؤشرات الهزيمة تسبقه

فضيلة دفوس

بعد أن اختار اليمين الفرنسي في الانتخابات التمهيدية التي جرت في 20 و27 نوفمبر الماضي رئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيون ليكون حصانه في السباق نحو الاليزي، حدّد اليسار الاشتراكي الفرنسي السبت الماضي من جهته قائمة مرشحيه للانتخابات التمهيدية المزمع تنظيمها في 22 و29 جانفي المقبل، ليختار هو الآخر ممثله الذي سيخوض الاقتراع الرئاسي في أفريل وماي 2017.

  قائمة مرشحي اليسار للانتخابات التمهيدية ضمت 7 أسماء، يتقدمهم رئيس الحكومة الفرنسية السابق مانويل فالس صاحب الحظ الأكبر - كما يقول المراقبون - ليس فقط للفوز بتمثيل الاشتراكيين في الرئاسيات القادمة، وإنما بإمكانية تحقيق نتائج جيدة قد تمتد إلى فوزه بالرئاسة أو على الأقل المرور إلى الدور الثاني من سباق الاليزي. أما باقي مرشحي اليسار فهم بنوا هامون، الذي شغل منصب وزير منتدب مكلف بالاقتصاد التضامني، ثم وزيرا للتربية، وأخيرا نائبا في الجمعية الوطنية.
يليه أرنو مونتبور وزير إقتصاد سابق، وفانسان بيون وزير التربية السابق ونائب في البرلمان الاوروبي، وسيلفيان بينال وزيرة مكلفة بالأعمال الحرفية والتجارة ثم وزيرة السكن، وفرانسوا دو روجي نائب في الجمعية الوطنية و رئيسها، وجان لوك بنامياس نائب أوروبي. اليوم وبعد أن اختزل اليسار الاشتراكي الفرنسي الكمّ الهائل من الراغبين في صفوفه على خوض السباق الرئاسي إلى سبع متنافسين فقط، فقد بات مناسبا أن نقف عند حظوظ هذا الفريق في البقاء بقصر الإليزي بالنظر للتشرذم والانقسامات التي تعتريه من جهة، و بالنظر إلى الحصيلة المخيبة للآمال التي خلفتها ولاية الرئيس الحالى  فرانسوا هولاند من جهة ثانية، والتي سيكون لها تأثير بشكل أو بآخر على اختيار الناخب الفرنسي الذي تشير كلّ الاستطلاعات إلى أنه سيدير ظهره لليسار ليتّجه يمينا هذه المرّة.
تواضع ولاية هولاند عبء على اليسار
في الواقع لقد أدرك الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته الذي يعتبر رئيسا اليسار بكلّ أطيافه وأجنحته، أن الإجماع حوله من قبل أنصاره في الحزب أولا، ومن لدن بقية الناخبين الفرنسيين المؤيدين للحزب الاشتراكي ثانيا، غير متوفر، لاسيما وأن نتائج استطلاعات الرأي كشفت عن تقهقر مكانته في سلم المتنافسين للإنتخابات الرئاسية من اليمين واليسار على حد سواء، لهذا قرّر التراجع عن الترشح لولاية ثانية في سابقة لم تشهدها الجمهورية الفرنسية الخامسة منذ تأسيسها عام 1958.  وضعف الرئيس «هولاند» كما يقول المراقبون السياسيون، لم يكن نابعا من تواضع حصيلته فحسب، أو تربص خصومه من اليمين ووسط اليمين به، بل جاء من داخل معسكره بفعل إضعاف رفاقه من الحزب له، وتنافسهم معه.  وظلّ ولاية هولاند العقيمة، لا تبدو وحدها السبب الذي  يحد من حظوظ اليسار في الاحتفاظ بالرئاسة، إذ هناك سبب أقوى مرتبط بتشتّت اليسار الاشتراكي الذي نراه موزّعا بين أكثر من اتجاه وشخصية، كما أن مكوناته الأساسية كالشيوعيين والخضر، أو المدافعين عن البيئة، تعاني بدورها من الضعف والانقسام، ولا تبدو قادرة عن التكاثف من أجل تشكيل «تحالف» قادر على مواجهة المنافسين في معسكر اليمين الوسط واليمين المتطرف.
فلو أخذنا الحزب الاشتراكي لوحده، للاحظنا وجود أكثر من مرشح متنافس بداخله، وأكثر من تيار يخترق جسمه السياسي والتنظيمي، ولعلّ هذا ما أضعف الرئيس الحالي «هولاند»، ودفع به من حيث لا يدري، إلى الانسحاب دون سابق تخطيط أو تصميم.
العائلة الاشتراكية مشتتة وضعيفة
يمكن التأكيد بدون تردّد على أن اليسار الفرنسي بمختلف حساسياته يعيش حالة من الضعف والانقسام، لم يشهد نظيرا لها منذ سنوات، أما مصادر ذلك فكثيرة ومتعددة. فمن جهة، ثمة تراجع في فكرة «اليسار والاشتراكية» عموما منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. وعلى الرغم من بعض حالات النهوض هنا وهناك الحاصلة في بعض البلدان (اليونان، إسبانيا، إلى حد ما إيطاليا)، فما زال اليسار مترنحا، ويعيش حاجة ماسة إلى إعادة روح التجديد في مشروعه، كي يصبح قادرا على مواكبة التغيرات النوعية التي شهدها العالم في العقود الثلاثة الأخيرة.. ودون شك سيؤدي الفرنسيون فاتورة هذا التراجع المتصاعد في منظومة العائلة الاشتراكية. ثم من جهة، أخرى، لم يتمكن الرئيس الاشتراكي «هولاند» من تقديم حصيلة مُقنعة عن ولايته، لاسيما خفض معدلات البطالة، ومحاربة التطرف والإرهاب، وإنعاش الاقتصاد، والحد من موجات الهجرة، وحماية القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة الشرائح الأكثر تضررا من آثار الأزمة المالية وانكماش معدلات الإنتاج.
اليمين أكثر انسجاما وقوة
لذلك، تبدو الصورة الأولية لما ستكون عليه الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا قريبة من الاكتمال والوضوح، على الأقل بالنسبة للقوى المتنافسة وأوزانها، فمن جهة، هناك يمين ووسط يمين، متجانس ومستعد للمبارزة الانتخابية، يقوده مرشحه الفائز في الإنتخابات الأولية «فرانسوا فيون». وفي الطرف الثاني، هناك «اليمين المتطرف»، تقوده زعيمة «الجبهة الوطنية» «ماري لوبين».  أما القوة الثالثة، أي الاشتراكيون، فستفرز انتخابات نهاية شهر جانفي من سيقودها، والواقع أننا اعتمدنا دروس التجارب الانتخابية السابقة في فرنسا، واتجاهات الرأي العام، فالتطور يوحي لنا بأن حظوظ اليسار ضعيفة في الفوز، واليمين المتطرف مازال غير مقبول من قبل أغلبية الفرنسيين، واليمين ووسطه هو الراجع داخل هذه المبارزة، أي عودة «الديغوليين» ومن تفرع عنهم إلى دائرة الضوء، أي إلى سدة الحكم.
فالس ..الأقوى حظّا لتمثيل
 اليسار في سباق الإليزي
أربعة أيام على إعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عدم ترشحه لولاية رئاسية ثانية، أعلن مانويل فالس في 5 ديسمبر من معقله الانتخابي في ضاحية إيفري الباريسية وأمام عدد كبير من أنصاره ترشحه للانتخابات التمهيدية لليسار لاختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة. ورغم أن كثيرين يمنحون فالس أكبر الحظوظ لتمثيل اليسار الاشتراكي في سباق الاليزي وربما في الفوز به، فإن الرجل الذي استقال من رئاسة الوزراء طمعا في منصب الرجل الأول في فرنسا، يواجه انتقادات عديدة  واتهامات بشقّ الصف داخل حزبه، كما يتهمه خصومه بتفتيت الأغلبية البرلمانية وبثّ التفرقة داخل أسرته السياسية عبر توجيه سهامه إلى الجناح اليساري داخل الحزب الاشتراكي واتخاذ مواقف مضادة له في القضايا التي تخص الغجر ونزع الجنسية عن الإرهابيين والعلمانية وتأييد منع ارتداء البوركيني، وكذلك استخدام مواد استثنائية لتمرير قانوني ماكرون (لإنعاش الاقتصاد) والخمري (قانون العمل). كما أن إعلان فالس المتأخر دخول الانتخابات التمهيدية لليسار لم يترك له إلا القليل من الوقت لحشد الأنصار داخل الحزب الاشتراكي، وهو أمر صعب جدا نظرا لأنه لم ينجح أبدا في خلق أية قاعدة له داخله، فالكثير من أنصار الحزب يقارنونه بساركوزي من جهة الطموح، فهو لم يخف أبدا رغبته في الوصول لكرسي الرئيس، وكذلك مزاجيته السياسية فهو بلا شك رجل سياسة يفرق ولا يجمع كما يقولون.
 إحدى أهم نقاط ضعفه اليوم هي ارتباطه بالبرنامج الليبرالي الاجتماعي للرئيس المنتهية ولايته، ولأنه ليس لديه خيار آخر فإنه سيستمر في الدفاع عن هذا البرنامج الذي لم يحقق أية نتائج على المستوى الاقتصادي للبلاد ولم ينجح في الحد من نسبة البطالة وساعد على ارتفاع أسهم «الجبهة الوطنية» المتطرفة بين الفرنسيين.
غياب مرشحي الوزن الثقيل
بيد أن فالس يعول كثيرا على عدد من الميزات التي أتاحت له دخول السباق حتى لو كانت حظوظ اليسار في البقاء في قصر الإليزيه لخمس سنوات أخرى قادمة محصورة. أحد هذه الميزات هو تيقنه من عدم وجود أي مرشح له نفس الحجم يمكنه منافسته في خطوة أولى.  غياب المنافسة من أمام فالس ستساعده على تسويق نفسه كسياسي صاحب خبرة وملتزم بمبادئ الدولة، وكأمل وحيد لإنقاذ يسار يعاني أمام يمين في فورة نشاطه اليوم ويمين متطرف يخطو إلى الأمام يوما تلو آخر. أخيرا، فإن فالس الذي واصل دفاعه عن خط سياسي واحد ومعروف ومحدّد طيلة تجربته السياسية يتمتع بشعبية كبيرة ومؤكدة. فآخر استطلاعات الرأي تضعه على رأس الأوفر حظا في الفوز بالانتخابات التمهيدية وحتى قبل وزير الاقتصاد السابق أرنو مونتبور.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024