بين الإرهاب و الطائفية

المشهد العراقي كما صنعته الفوضى الخلاقة لبوش

فضيلة دفوس

كذبة واحدة حطّمت دولة بحجم العراق  وسحقتها بين مخالب كماشة إرهاب وحشي استباح الدم العراقي حتى بات يشكّل نهرا ثالثا ينافس بغزارته دجلة والفرات، ولا أحد أصبح يبالي بالكذبة ولا بمن أطلقها لهدف واحد ووحيد، وهو تدمير بلاد الرافدين ونسف وحدته الشعبية بمعول الطّائفية المسموم.

نسى العالم أو تناسى كذبة بوش التي أطلقها قبل نحو 13 عاما، والتي جعلها ذريعة لغزو العراق، ولم يلتفت أحد إليه ليحاسبه على ما اقترفته سياسته العدوانية في هذه الدولة العربية التي باتت تفتقد الأمن والاستقرار وتتخبّط في مصاعب اقتصادية، اجتماعية وسياسية لا متناهية، وبات اليوم الجميع يعلّق أوجاع بلاد الرافدين  على شماعة «داعش» وتوابعه، مع أنّ هذه التّنظيمات  الدموية لم تظهر إلاّ مع الاحتلال، ووحدة العراق لم تهتز إلاّ لما قرّر بوش غزوه بزعم أنّه يملك أسلحة الدمار الشامل، وقبلها كان آمنا مستقراّ موحّدا.
بعد 13 عاما، جزمت وثائق واعترافات بما فيها اعترافات رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، أنّ غزو العراق والاطاحة بالرّئيس السّابق صدام حسين  استندت إلى معلومات غير دقيقة.
وقال بلير إنّه ارتكب خطأ عندما قرّر مع الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، غزو العراق في 20 مارس 2003، وذلك في أول اعتذار عن الحرب، خلال مقابلة متلفزة في أكتوبر الماضي، على قناة «سي إن إنّ» الأمريكية.
اعتراف بعد خراب مالطا
لكن ما أهميّة هذا الاعتراف وما جدوى هذا الاعتذار، ما داما لن يغيّرا شيئا من واقع العراق المرير الذي وقع في أتون العنف والارهاب والصراع على السّلطة، وبات شعبه يعاني الويلات مع النّزوح واللّجوء والتشرد؟
 لقد فعلها بوش، جرّ العراق إلى الهاوية دون أن يلتفت إلى الفوضى الخلاّقة التي تركها وراءه، والتي تعتبر سببا مباشرا في نشوء التّنظيمات الطّائفية والمتطرّفة، والإرهابية وعلى رأسها تنظيم «الدولة الاسلامية» الدّموي. ووفق الكاتب الأمريكي بينجامين نورتون، فإنّ الاحتلال الأمريكي وليس صدام حسين، كان السّبب في ظهور تنظيم «داعش» الارهابي. فواشنطن حسبه بدأت عقب احتلال العراق بعملية اجتثاث البعث وحلّت الحكومة العراقية تماماً، وبقيت طيلة السّنوات التي تلت تدفع بالبلاد إلى أتون حرب طائفية بين السنة والشيعة الذين عاشوا على الدوام إخوة وشعبا واحدا.
الثّمن الذي يدفعه  العراقيون باهظ
المشهد العراقي اليوم مأساوي، وليت بوش ينزع نظارته السّوداء ليرى ما ارتكبه ظلما وبهتانا هناك، فغزوه وما أعقبه من احتلال أدّى - كما كتب أحدهم - إلى مقتل قرابة مليون عراقي وفقاً لدراسة نشرتها منظمة طبية، وهو يعتبر تقديراً متحفّظاً قياساً بالواقع.
أما النّزوح، فهو أبرز سمات الحياة العراقية اليوم؛ فبسبب المعارك المستمرة والمتنقلة من مكان لآخر، تقول بعثة المنظمة الدولية للهجرة في العراق، إنّ عدد العراقيّين الذين شرّدهم النّزاع منذ بداية عام 2014، وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين وربع المليون نازح.
وأكّدت المنظّمة إنّ النّازحين يمثّلون أكثر من 500 ألف عائلة عراقية، وأنّ نسبة 80 % من اللاّجئين ينحدرون من ثلاثة محافظات هي الأنبار، ونينوى، وصلاح الدين، والتي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الاسلامية الارهابي». أمّا المهاجرون واللاّجئون في الخارج، فمع غياب إحصائية دقيقة لعددهم، تتحدّث تقارير عن وصولهم لأربعة ملايين مهاجر، موزعين على دول العالم كافة.
ويمرّ العراق بأزمة مالية خانقة من جراء الانخفاض الكبير والمفاجئ في أسعار النّفط المصدّر للأسواق العالمية الذي بلغ أدنى مستوياته، إضافة إلى تكاليف الحرب على الإرهاب التي أنهكت الحكومة العراقية.
وفقد العراق من جراء ظهور تنظيم «داعش»، قرابة ثلث مساحته، وأنهك الجيش العراقي في معارك فقد خلالها مئات من جنوده، إضافة إلى دمار مدن بأكملها، ففي مدينة الأنبار مثلاً، تتطلّب إعادة إعمار الرمادي المدمرة بنسبة 80 %، نحو 6 مليارات دولار.
المشهد العراقي اليوم لا يسرّ ناظرا، أزمات على كلّ الأصعدة، الأمر الذي قد يؤخّر الخروج من النفق المظلم، لكن بيد العراقيين أن يختصروا المسافة بتجاوز خلافاتهم المذهبية والسياسية، ورصّ صفوفهم حول هدف واحد هو محاربة الإرهاب واستعادة الأمن، وبعدها ستصبح عملية إعادة البناء أقلّ صعوبة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024