الأزمة الأمنية في اليمن

التّعقيدات السياسية تعرقل الحل

جمال أوكيلي

تقف المجموعة الدولية عاجزة أمام تسوية الملف اليمني، بعد أن أخد أبعادا خطيرة جدّا، وصل إلى حدّ تزايد دعوات التّصعيد من هنا وهناك ممّا يوحي بأنّ وقف القتال أصبح مهمّة صعبة نظرا لتداخل عدّة عوامل حسّاسة بالمنطقة داخليا وخارجيا، وكل هذا يجري قبالة أعين المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ أحمد  وكبار المسؤولين الدوليّين، وبالأخص بلدان المنطقة.
فهل صحيح أنّ هذا النّزاع فلت من الحل كما يحلو للبعض قوله في السياق الرّاهن بعد معاينة دقيقة لطبيعته في الميدان.
هذه الحرب الضّروس خرجت عن السّيطرة والتحكم في تداعياتها إذا قسنا ذلك بالمنطق القائم على ركائز الحل المأمول، ألا وهو إذعان الجميع إلى النّداءات الخيّرة الصّادرة عن أوساط عازمة كل العزم على إقامة السّلام في ربوع هذه المنطقة المهتزّة بفعل الحسابات التي لا نهاية لها. اللّوم اليوم لا يلقى على السعودية أو الحوثيّين أو صالح، لا لشيء سوى لأنّ ما وقع من خراب هو نتاج صراع الوجود والحدود، والكل ينزوي إلى ركن من أركان مقرّه ليحتكم إلى عقله قصد تقييم ما وقع حتى الآن ليقرّر في نهاية المطاف بأنّ الاهتداء إلى الصّواب هو عين الحكمة في قمّتها، وما على الجميع إلاّ الإسراع في إنجاز هذه المهمّة ألا وهي التّهدئة الشّاملة، المبحوث عنها من قبل كل الشّرفاء.
هذه الإرادات السياسية المخلصة موجودة في خضم هذه الحركية لإنهاء هذا التّدمير الذّاتي، إلاّ أنّ صداها لا يصل إلى السّقف المرغوب، وبقيت رهينة تجاذبات وأخذ وردّ وتعاليق، ممّا أخّر وعطّل الانتقال إلى المراحل الرّحبة والأفق الواعدة.
لكن بالرّغم من ذلك، فإنّ الإجماع الحاصل هو أنّ القوة لا تحلّ الإشكال، وهذه القناعة أخذت في السيران والترسّخ في الأذهان، على ضرورة الذّهاب إلى فترة يسود فيها الوئام والمصالحة. هذا الأمر ليس سهلا، وقد يخطئ من يعتقد ذلك بحكم غياب الوضوح والرّؤية الدّقيقة.
وحاليا فإنّ تغليب مسار سحق الآخر هو السّائد للأسف، وأرقام القتلى لا يعد ولا يحصى وتعتبر مخيفة ١٠ آلاف شخص، منهم ٣٨٠٠ مدني، ١١٦٣ طفل، و١٠ ملايين طفل في حاجة إلى مساعدة، ومليون و٣٠٠ ألف طفل معرّضون لالتهابات الجهاز التّنفسي ومليونان و٦٠٠ ألف آخرون مهدّدون بالحصبة، و٣٥٠ ألف طالب وطالبة محرومون من الدراسة بسبب غلق ٧٨٠ مدرسة ممّا أدّى إلى وجود مليون و٥٠٠ ألف طفل خارج التمدرس. هذه العيّنات محدّدة بإحكام، كونها تشير إلى الجانب الإنساني المحض، الذي قد يؤثّر في السياسيين الواقفين وراء هذه الحرب، لعلّ وعسى يتحرّكون باتجاه السلام، والأكثر من هذا عليهم أن يتساءلوا مع أنفسهم إلى أين نسير؟ لا يوجد جواب شافي ووافي وحتى غير مقنع إن كان هناك كلام آخر. اليوم لا خيار أمام السعوديين والحوثيين وأتباع صالح إلاّ التّعايش، لماذا؟ لأنّهم جيران أولا وقبل كل شيء، فما عليهم إلا قبول بعضهم البعض مهما كانت الأوضاع، كيف ذلك؟ عن طريق التزامات سياسية يحترمها كل طرف تكون موقّعة، ترافقها آلية متابعة التّطبيق الصّارم لكل عمليات السّلام. المفاوضات الأخيرة بالكويت لم تفشل وإنما المفاوض اليمني - اليمني يصعب عليه اتّخاذ أي قرار غير محسوب، خاصة وأنّ الميدان لا يسيطر عليه أحد، وهذا بعد أن تحوّل البلد إلى ساحة قتال من أقصاه إلى أقصاه، والأوراق لا يملكها أحد كذلك، وهكذا فإنّ عبد ربه منصور أو الحوثيين أو صالح يرفضون رفضا مطلقا التّوقيع على أي وثيقة وهم في وضعية ميدانية مهزوزة لا تليق بكل ما يختمر في أذهانهم، وشغلهم الشّاغل في الوقت الرّاهن هو انتظار ما ستفسر عنه الأيام القادمة في استحداث اللاّتوازن المرجو في هذه الظّروف الغامضة، فهل هذا ممكن؟ لا نعتقد ذلك أبدا بحكم أنّ هذه الحرب طال أمدها وهي تدخل دائرة «اللاّجدوى» منها، ما عدا تلك الحسابات الإستراتيجية التي يراها كل واحد. بالنّسبة للسعوديّين فإنّ تأمين حدودهم وحمايتها من أي اعتداء خارجي إنشغال دائم ومتواصل مهما كلّف ذلك من تضحيات جسام، ويتوازى ذلك مع إبعاد خطر الحوثيين وصالح إلى نقاط أخرى، وتحييدهم وحتى إضعاف قدراتهم في إلحاق الأذى بالبلدان المجاورة لهم،
فهل تحقّق ذلك؟ الحوثيون وصالح يحاولون فرض أنفسهم في خضم هذه الحرب، إلاّ أنّهم وجدوا أنّ الميدان صعب المنال، خاصة مع عودة عبد ربه منصور هادي إلى اليمن، وقيادته للعمليات العسكرية في أماكن عديدة من هذا البلد، وهنا كل الإشكال القائم في معادلة هذا النزاع..لماذا؟ لأنّ الهدف النّهائي لكلا من المتخاصمين أو المتحاربين لم يصل إلى مبتغاه، وهذا يعني أنّ هناك انسدادا لا يحلّه إلاّ المبادرات السياسية، التي هي الآن تنتظر الإقلاع في وسط مناوئ لها. المبعوث الأممي جرّب كل الصّيغ المتاحة للعثور على حل توافقي وينتقل من بلد إلى آخر، غير أنّه لم يجد المساعدة المطلوبة، وحاليا فهو يكتفي بالمطالبة بهدنة لساعات محدودة، وللأسف لم يتحصّل عليها وفي كل مرة يجدّد الدعوة لفرض هذه الهدنة قصد السماح بانتعاش النّشاطات الإنسانية، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الوضع المعقّد.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024