ملفّات حاسمة تنتظر الأمين العام الجديد

إصلاح الهيئة الأممية، القضية الفلسطينية ، الصّحراء الغربية وسوريا

جمال أوكيلي

ماذا ينتظر الأمين العام الجديد للأمم المتحدة البرتغالي انطونيو غوتيريس الذي سيستلم مهامه يوم ١ جانفي ٢٠١٧ لعهدة جديدة  من ٥ سنوات؟
سؤال جوهري جدير بطرحه في سياق دولي كهذا، انطلاقا خاصة من الملفات السّاخنة التي توارثها على بان كي مون ما تزال عالقة إلى يومنا هذا لم يفصل فيها أحد بعد تراكمها بدرجة لا يطاق حملها، وهذا بسبب غياب ذلك الإجماع للكبار حول المبدأ الأساسي المكرّس في ميثاق هذا المنتظم ألا وهو صناعة السّلام في المعمورة، هذا لم يحدث أبدا وخير دليل على ذلك القضية عفوا المعضلة الفلسطينية التي تراوح مكانها منذ وعد بلفور المشؤوم ١٩١٧ إلى غاية قرار التّقسيم في ١٩٤٨، وما تبع من نكبات على هذا الشّعب لا تعد ولا تحصى.
أوردنا هذه العيّنة للقول بأنّ مهمّة غوتيريس لن تكون أبدا سهلة بالنّظر إلى واقع العلاقات الدولية اليوم المتّسمة بالإجحاف واللاّتوازن، وحتى اللاّعدل للأسف هذه النّعوت قاسية، لكن كل الحقائق الملموسة  والظّاهرة للعيان تؤكّد هذا المنحى الخطير سواء سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا ومناخيا. لا أحد راض على أداء هذه المنظّمة، الكل ساخطين عليها وهذا عندما زكّت قرارات عرجاء ومفبركة تجاه العراق، دمّرته عن آخره لتحلّ محلّها قوة محتلّة منذ أن زجّ ببلاد الرّافدين في أتون حرب لا تذر ولا تبقى. هذا المسار الأممي كان حقّا متعبا أحيانا للشّعوب التي كانت تأمل في استعادة حقوقها الوطنية المهضومة والمأخوذة منه بقوة الحديد والنّار، منها الشّعب الصّحراوي الذي كان ومازال وفيّا في احترامه للشّرعية الدولية، وهذا بعد ٤٠ سنة من احتلال أرضه، ويوجّه اليوم رسالة أمل إلى الأمين العام الأممي الجديد، الذي اشتغل مفوّضا أمميا ساميا لشؤون اللاّجئين، وهو على اطّلاع على مأساة الشّعب الصّحراوي بشكل، ولا يحتاج إلى المناورات الصّادرة عن المغرب اليوم لمحاولة التّأثير في مواقفه تجاه هذه المسألة التي يتحمّل ذلك البلد كل تبعاتها منذ مسيرة العار في ١٩٧٥.
وستسقط كل تلك الإدّعاءات الباطلة المروّج لها من طرف اللّوبي المغربي بمجلس الاتحاد الأوروبي حول ما يسمّيه زورا وبهتانا بـ «تحويل المساعدات الإنسانية»، وغير ذلك من الخزعبلات التي لم يعد لها مكان في المرحلة القادمة. والتّقييم الصّادر عن السيد لعمامرة وزير الشؤون الخارجية والتعاون خلال الدورة الـ ٧١ للجمعية العامة للأمم المتحدة تعتبر منطقيا عندما أبدى عدم رضاه من مسار تسوية القضية الصّحراوية عقب كل هذا التّماطل المسجّل منذ عقود من الزّمن، وبالرّغم من ذلك فإنّها ما تزال تدور في حلقة مفرغة نظرا لتهاون البعض وتواطؤ البعض الآخر، وكلّما لاحت في الأفق بوادر الحل إلاّ وتتحرّك جماعات الضّغط لتنسف كل شيء تحت مسميات شتّى، ولا يعقل أن يكون ضغط بلد قادر على تعطيل قوة دول. للأسف هذا ما ينطبق على القضية الصّحراوية اليوم، وعليه لابد من إبعاد والتخلي على مثل هذه الممارسات مع بداية عمل الأمين العام الجديد خلال العهدة القادمة.
وفي خضم هذه الحركية الأممية الحالية، فإنّ هناك العديد من الأصوات ترتفع اليوم، هي صرخات من الأعماق داعية إلي إصلاح هذا المنتظم بطريقة جذرية تعيد الاعتبار لقارات لها وزن في العلاقات الدولية كإفريقيا، التي تطالب بمقاعد إضافية تستند إلى مقاييس معروفة منها خاصة عدد السكان، وفي هذا الإطار أُنجز عمل جبّار على مستوى هذه القارة باسم الاتحاد الإفريقي. وهذا التوجّه الإفريقي يرمي فيما يرمي إلى مراجعة آليات صناعة القرار على مستوى مجلس الأمن حتى لا يبقى حق النّقض أو الفيتو حكرا على الدول الكبرى فقط، تستعمله في الوقت الذي ترى بأنّ مصالحها معرّضة للتّهديد أو تريده لتأديب فلان أو علاّن.
وتبعا لهذه العيّنات المذكورة، فإنّ الأزمة الأمنية في سوريا ستكون تحدّيا بالنسبة لغوتيريس بالنّظر إلى ما خلّفته من إفرازات داخليا وخارجيا، ووصلت إلى باب مسدود «لا غالب فيها ولا مغلوب»، تستدعي تدخّلا عاجلا من الأمم المتّحدة خاصة بتوقيف القصف، وهذا لإنقاذ ما تبقّى من النّاجين عن طريق إدخال المساعدات الإنسانية، وإعادة الحياة إلى هذه المناطق. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لابد من التّدقيق في منصب المبعوث الأممي إلى سوريا، الذي أصبح غير قادر على فرض اقتراحاته، ووقع في تشخيص الوضع لا أكثر ولا أقل كتوقّعه التّدمير الكامل لمدينة حلب من هنا إلى غاية نهاية السنة، وبحثه عن هيئة جديدة لوقف إطلاق النّار، وهذا في حد ذاته اعتراف بانفلات زمام المبادرة من يده.
ولابد من احترام هذا المبعوث من قبل الولايات المتحدة وروسيا نظرا للصفة التي يتمتّع بها كونه مبعوثا أمميا، مطلوب منه أن يسعى لتسوية النّزاع وفق ما يمليه عليه واجب الحياد. وفي هذه الحالة الصّعبة والمعقّدة لابد من عمل ميداني آخر حتى لا يقع هؤلاء في مطبّ لا يتمنّاه أحد ألا وهو استبدال الأشخاص مع بقاء نفس المشكل، فقد ذهب عنان وابراهيمي، وأسند الملف إلى دي ميستورا حاليا الذي يحاول جاهدا إيجاد المخرج اللاّئق والحل المناسب حتى وإن كان الأمر يبدو مستحيلا، لأنّ كل الاتّفاقيات حول الهدنة لساعات أو أيام تمّت بعيدا عن الأمم المتّحدة، والتّفاهم حولها كان شفاهيا ما عدا واحدة لم يكشف عن مضمونها إلى يومنا هذا، يضاف إلى ذلك ما يجري في ليبيا واليمن والحصار المضروب على كوريا الشمالية. كل هذه الملفّات الشّائكة سيجدها الوافد الجديد على الأمم المتّحدة على مكتبه، وهنا لابد من التّذكير بتجربة الرّجل في التّسيير فقد تولّى منصب رئيس الوزراء في البرتغال (١١٩٥ - ٢٠٠٢)، ومنصب مفوّض الأمم المتّحدة السّامي لشؤون اللاّجئين (٢٠٠٥ - ٢٠١٥)، فهو على اطّلاع واسع على طبيعة النّزاعات القائمة، ولديه نظرته الخاصة ستظهر جليّا في أول تصريح له، علما أنّه تحصّل على أعلى الأصوات في قائمة المترشّحين، متقدّما على دانيلو تورك الرئيس السلوفيني السّابق، وعلى إيرينا بوكوفا المديرة لـ «اليونيسكو». هذه الثّقة التي نالها ستكون بمثابة حافز يسمح له بأن يكون عند موعد المجموعة التي تنتظر منه الكثير.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024