لبنان ..الشغور الذي طال أمده

بوادر سياسية مشجّعة حول رجل الإجماع

جمال أوكيلي

سقف الخلافات العميقة بين الفرقاء اللبنانيين تجاه كيفية رؤيتهم لأعلى منصب في البلاد; أوصلهم إلى نتيجة مفادها ظرورة انتخاب رئيس الجمهورية مهما كان الأمر حتى في خضم هذا التباعد في المواقف تجاه قضايا البلد الواحد سياسية كانت أم اقتصادية ـ اجتماعية.
عودة الوعي هذا هو نتاج التوقف الكامل لأداء المؤسسات وكل ما تبعها من نشاط خدماتي يومي، أدى باللبنانيين إلى مخاطبة أنفسهم واستنطاق ذاتهم، ومحاورة وجدانهم، لعلّ وعسى يتغلبون على المنطق المبني على الانتماء المذهبي الضيق الذي أضرّ بمفهوم الدولة الوطنية، وجرّها للأسف إلى ما هي عليه اليوم.
وحاليا، فإن مسؤولية السياسية التي تعالت على الإفرازات الحزبية بكل امتداداتها الحادة، تغلّبت على التوجه النضالي المحدود الذي يرى الدولة من زاوية الفكر المتشدّد وحتى الجامد، وهي مؤشرات بدأت في أخذ مواقعها الثابتة في المشهد اللبناني بكل تلك الفيسفاء.
الساسة في لبنان اليوم، حريصون كل الحرص على حماية البلد من كل انهيار، شعور أمنهم بخطورة الوضع، بعد شغور منصب الرئيس منذ ٢٤ ماي ٢٠١٤، تاريخ مغادرة الرئيس ميشال سلمان قصر بعبدا عقب انتهاء عهدته، ونحن الآن في الجلسة الـ ٤٥ لمجلس النواب.. لكن دائما يعلن انعدام النصاب نتيجة مقاطعة فريق ٨ آذار للاجتماعات، وفي هذا الإطار منح نبيه بري مهلة تمتد إلى غاية ٣١ أكتوبر الجاري لتفعيل التفاهات حول الرئيس القادم ولقاء ميشال عون سعد الحريري مؤشر قوي على السير في هذا الاتجاه المعوّل عليه، في تخليص لبنان من الفراغ الرئاسي.
ومهما كانت الصلاحيات المخولة لرئيس مجلس الوزراء تمام سلام، فإن هذا الأخير قال صراحة «أن الحكومة باتت مصبا لنهر جارف من المشاكل تتدفق عليها العرقلة من كل حدب وصوب» مؤكدا كيف للحلول أن تصدر عنها !؟ واعتراف سلام بأن هذا الشغور كلفه متاعب جمة منها عدم وجود شركاء لمساعدته على تجاوز هذا الوضع الصعب.
ولا يتنتظر أي معجزة في لبنان ماعدا حسب سلام إلا بانتخاب رئيس الجمهورية كمدخل لإزالة كل العراقيل وقيام المؤسسات بالمهام المطلوبة منها بعيدا عن الفئوية.
ودعوة رئيس مجلس الوزراء اللبناني تتقاطع مع كل المبادرات الخيرة، في هذا البلد ومن كل الفريقين (١٤ آذار و ٨ آذار وآخرون) الذين يطالبون بالإسراع في إيجاد مخرج لهذه الأزمة من خلال تقريب وجهات النظر، وهذا بترك الخلافات جانبا المهم بالنسبة للجميع وضع إعلان مبادى وتدوين لائحة التزامات تكون بمثابة ضوابط لا تضر بأحد من الفرقاء ولا تلحق به أي أذى في حالة مجيء رئيس من طائفة أخرى وهذا أمر ضروري حتى لا نعود إلى نقطة الصفر.
وفي هذا الإطار مهّد السيد نبيه بري رئيس مجلس النواب لهذا التوجه الجديد خدمة للبنان، عندما نفى نفيا قاطعا أن يكون له خلاف مع أي مرشح للرئاسة، وأن الطروحات التي عرضها للجميع تعكس تمسكه بجدول أعمال الحوار الوطني ولا تستهدف أي مرشح بعينه.
هذا الشعور العالي بحالة الوطن والمواطن هو الذي صعّد من هذا المستوى المنضبط في البحث عن أفيد الطرق وأنجع الصيغ لإنقاذ البلد من حالة الإنسداد في كافة المجالات.
ويلاحظ اليوم بأن كل التصريحات تبعث على الأمل في غد أفضل من خلال الإهتداء إلى حلول واقعية، يساهم فيها الجميع مبنية على الروح الجماعية التي تنبذ مبدأ «الرجل البطل» أو «السوبرمان» أو «صاحب العصا السحرية» هذه الروايات ولت إلى الأبد، إذا ما نظرنا بعيون متفحصة مآل هذا البلد.
لذلك، فإن التواصل بين اللبنانيين بدّد الكثير من المخاوف لدى الكثير من القوى السياسية التي ما فتئت تحمّل حزب الله كل مصائب البلد وهذا راجع إلى تراكمات سابقة، تجاه ما يعرف بمسألة «السلاح خارج الشرعية» لكن مع مرور الوقت تفهم هؤلاء بأنه موجه لإسرائيل لا أكثر ولا أقل وحماية لبنان من أي عدوان وما تزال هناك جزيئات وتفاصيل مؤجلة إلى إشعار آخر.
تكسير هذا الحاجز النفسي بين حزب الله والمستقبل والكتائب هو الذي خفف من وطأة الأزمة، وجنّب الوطن المزيد من الاحتقان.
وهذا باتجاه تزكية رجل الإجماع السيد ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر، الذي بإمكانه أن يكون شخصية المرحلة الحالية المتسمة بطابع الغموض بداخل لبنان وخارجه لنزع الكثير من الفتائل:
^ أولا: إضفاء الشرعية على المؤسسات الوطنية، من خلال تجسيد المواعيد الانتخابية في آجالها المحددة.
^ ثانيا: إعادة الإنسجام في الفريق الحكومي وتنشيط الجهاز التنفيذي بعودته إلى الميدان.
^ ثالثا: تقييم مرحلة «الفراغ الرئاسي» مع ضبط التأخر المسجل في مسار التنمية الوطنية.
^ رابعا: فتح ورشة الحوار الوطني وفق رؤية جديدة تتفادى الطرح السابق، المعرقل للحياة السياسية.
^ خامسا: طرح المصالحة الوطنية مع حزب الله على أنه شريك ومكوّن من المكونات اللبنانية وإزالة الصورة النمطية تجاهه.
^ سادسا: تقليص التدخلات الإقليمية التي أثّرت كثيرا في القرار السياسي للبلد.
هذه النقاط وغيرها هي عنوان أولويات الرئيس اللبناني القادم.. وعليه فإن هذه الشخصية المرتقبة لا يمكن أن تكون أداة طيعة في يد فيصل من الفصائل السياسية في لبنان بل أن مهامه محدّدة في الدستور على أن يكون رئيس كل اللبنانيين بالرغم من الخلافات العميقة حول النظرة إلى أحداث سوريا.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024