أمام المبادرات المحتشمة في الشّرق الأوسط

الولايات المتّحدة تدعّم إسرائيل عسكريـا بـ 38 مليار دولار

جمال أوكيلي

حتى لا ينسى هذا العالم القضية الفلسطينية ما عليه إلاّ التّفاعل مع النّداءات الصّادقة الصّادرة عن قياداتها بخصوص إبداء تلك المواقف السياسية المخلصة التي تحافظ على ما تبقّى من مشاريع التّسوية المطروحة في الوقت الرّاهن، والتي يقال عليها الكثير نظرا لحملها بوادر الحل الذي يزعج إسرائيل انطلاقا من تلك الصّحوة المسؤولة لدى الرأي العام العالمي المتضامن مع الفلسطنيّين. برؤيتهم يتمتّعون بكل حقوقهم المشروعة مع وجود قابلية لمرافقتهم نحو أي مبادرة في هذا الشّأن.
في خضم هذا الضّغط للأحداث وترتيب الأولويات في رزنامة الكبار، فإنّ الانحياز لهذا الكيان هو السيّد، وإلاّ كيف يفسّر منح لإسرائيل ٣٨ مليار دولار من طرف الولايات المتّحدة الأمريكية في غضون الـ ١٠ سنوات القادمة قابلة للتّجديد.
وكل سنة يتحصّل هؤلاء على ٨ ، ٣ ملايير دولار، والمطّلع على تفاصيل هذا الاتّفاق يصاب بالدّوران، عفوا بالدّهشة لما تضمّنه من إشارة صريحة إلى «تعزيز القدرات العسكرية لإسرائيل»، والتدخل السّريع من أجل إنقاذ الصّناعة الحربية لهذا الكيان، وهذا بتمويل شركات معروفة في هذا الإطار، هي الآن تعاني من متاعب مالية سيعطي لها ذلك النّفس الجديد من أجل انطلاقة تكون على أسس أخرى تكون في علاقة مباشرة مع نظيرتها الأمريكية لتزويد بما ترغب فيه، حسب ما ورد في النص الثّنائي. هذا الحدث مرّ مرور الكرام، ولا أحد توقّف عنده للتّنديد به، والتّعبير عن سخطه تجاهه لأنّه شكل من أشكال ضرب لعملية السّلام المأمولة التي ينتظرها الجميع بحثا عن الإنطلاقة المرغوبة بعد كل هذا الجمود.
لا يعقل اليوم أن تتحدّث أمريكا عن عملية السّلام في الشّرق الأوسط عقب إقدامها على مثل هذه الخطوة الرّامية إلى فرض أمر واقع لا يرتقي إلى مستوى تطلّعات الإرادات الخيّرة في المنطقة، وهذا من خلال إقامة ما يعرف بـ «اللاّتوازن» العسكري استمرّ لفترة طويلة باسم «مذكّرات التّفاهم»، واليوم تغيّر وأصبح خاضغا لاحتياجات إسرائيل الآنية دون أي تسمية تذكر، أو اعتراض معين، والأكثر من هذا فإنّ الأوساط الدبلوماسية الإسرائيلية قالت أنّ المبلغ كان مرشّحا للزيادة لو تحفّظ نتنياهو في تصريحاته الأخيرة ضد أوباما، وهذا في حدّ ذاته دلالة واضحة على أنّ انفراد إسرائيل بالمنطقة عسكريا هو الشّغل الشّاغل لحلفاء هذا الكيان بتوفير له كل ما يلزم من أجل تحقيق ذلك قصد البقاء في هذا المستوى كقوة ضاربة وساحقة لجيرانها خاصة. هذا الدّعم العسكري المقدّم لإسرائيل يتناقض مع أبجديات الفعل السياسي المتوجّه في أعماقه إلى صناعة السّلام العادل والدّائم.
هذا «السّلام المفقود» لم يأت أبدا رهين أطراف تقليدية لها باع طويل في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ومنذ «أوسلو» الذي أعاد للفلسطينيّين الضفة وغزة توقّف كل شيء بعد كل هذه المدة التي فاقت عشريتين كاملتين من الانتظار، حاول البعض بعث فكرة «حل الدولتين» لعلّ وعسى تحرّك ما هو جامد في الوقت الحاضر. هذا الشق السياسي تشرف عليه فرنسا التي دعت إلى مؤتمر دولي للسّلام في الشرق الأوسط، يجمع كل الأطراف المعنية بهذا الملف، وكل المساعي منصبّة على هذا العمل، فإنّ الإجماع متوفّر للمضي قدما في هذا الخيار إلاّ أنّ المسعى ما زال جنينيا ومحل بحث معمّق لعقده، كون السياق غير ملائم بتاتا نظرا لما يجري في سوريا، وبالرغم من ذلك فإنّ هناك محاولات جادّة من أجل إدراج هذه المبادرة في خطابات قادة تلك البلدان. ومبدئيا كل متّفق على ذلك، غير أنّ المؤتمر ليس لأخذ صور تذكارية بقدر ما هو عبارة التزامات لكل من يشارك فيه، هذا ما يخاف منه الإسرائيليّون الذين يتفادون الحديث عن هذا المؤتمر، رافضين إيّاه من الأساس كونه يجرّهم إلى محك لاختبار ما مدى احترامهم للشّرعية الدولية، كما سيزيد من أسهم القيادة الفلسطينية التي لاقت كل الاعتراف الدولي، وكذلك الانضمام إلى المؤسّسات المؤثّرة كالجنائية الدولية، والمصادقة على مجموعة كبيرة من الاتّفاقات من قبل الرئيس محمود عباس.
هذا الأخير بالرّغم من إدراكه الواسع لتداعيات ما سمي زورا وبهتانا بالرّبيع العربي، وزحزحة القضية الفلسطينية إلى مستويات أقل ممّا كانت عليه في السّابق، فإنّه يعلّق آمالا عريضة في استفاقة الضّمير العربي باتجاه الالتفاف الأكبر حولها في غضون الآفاق القادمة. وفي هذا الإطار، فإنّ الرّئيس الفلسطيني أبلغ القيادات الوطنية في حركة «فتح» في لقاء موسّع برام اللّـه، أنّنا نعمل على تحسيس فلسطين العميقة على أن تكون ٢٠١٧ سنة إنهاء الاحتلال بإذكاء الرّوح الوطنية قصد نيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة. وتبعا لذلك وصف المجلس الثّوري لفتح في ختام اجتماعه، المبادرة الفرنسية بـ «الجريئة والشّجاعة»، مطالبا بالدعم الدولي لإنجاحها، وفي مقابل ذلك تفويت محاولة إجهاضها. وهذه الخطوة الفلسطينية المزمع إطلاقها في غضون العام القادم، ستوضّح آليات عملها لاحقا، لأنّ أولى مؤشّراتها تحدّدت في ثلاثة مصطلحات وهي «الدبلوماسية»، «القانونية» والشّعبية» أي أنّ المبادرة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالشّعب الفلسطيني بعد كل هذا التّماطل الإسرائيلي الذي عطّل أي حل في الأفق، وأدخل الشكوك في نفسية الكثير، مستغلاّ الأوضاع المعقّدة في سوريا بتغييب الجميع، رافضا أي مطالب أخرى ما عدا ما صدر عن «أوسلو».

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024