تساءل السيد رمطان لعمامرة وزير الخارجية الجزائري خلال تدخّله في دورة الأمم المتّحدة قائلا: «هل ما تزال الآليات المعمول بها منذ نشأة هذا المنتظم الدولي عقب الحرب العالمية الثّانية صالحة في فض النّزاعات وتسوية الأزمات الرّاهنة على مستوى المعمورة؟».
وهذا تجديد لدعوة صريحة إلى إصلاح الأمم المتّحدة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة من طرف الجزائر كلّما أتيحت الفرصة لذلك، سواء على المستوى الإفريقي أو في نطاق آخر، يسمح بإسماع هذا الصّوت الصّادر من الأعماق والمترجم لقناعات لا مفرّ منها تبقى راسخة وثابتة في حوليات السياسة الخارجية الجزائرية، كتعبير عن فهم عميق لسيرورة العلاقات الدولية الحالية، التي ضاع في خضمها صناعة القرار بالشّكل المطلوب المبني على التّشاور الموسّع.
هذه المعاينة الواقعية ليست وليدة اليوم وإنما هي نتاج نضال دبلوماسي مرير وشاق ومضني إلى درجة لا يطاق، بدأ عندما أثيرت فكرة النّظام الدولي الجديد خلال السّبعينات، وهذا يعني ضمنيا «أو قل مباشرا» أنّ هناك مطلبا قويا يشدّد على إيجاد مرجعية علاقات سياسية واقتصادية مخالفة لسابقتها، استنادا إلى منظور آخر هو محل إجماع الدول أو البلدان التي كانت تؤمن إيمانا قاطعا بتغيير هذا الوضع تغييرا جذريا، وهي منضوية تحت شعارات وتسميات شتّى.
هذا التوجّه السياسي - الإقتصادي التقدّمي والطّلائعي في آن واحد، اختفى من أدبيات الخطاب الأممي نظرا لعدّة اعتبارات، منها تلاشي الإرادات في هذا الشّأن وبروز بؤر التوتر في البلدان الرّافعة لهذا اللّواء، وبالخصوص التحوّل الذي طرأ في مفهوم القطبية، من الثّنائية إلى الأحادية مع انهيار المعسكر الشّرقي وسقوط جدار برلين.
هذه الخلفية جديرة بأن نذكّر بها، من باب التسلسل المنهجي والقائم على المطالبة بإصلاح الأمم المتّحدة، الذي هو مدخل لتوضيح الرّؤية في وضع لبنات لعلاقات عادلة ومنصفة في آن واحد، وإن كانت الزّاوية الاقتصادية مهيمنة على هذا المطلب خلال تلك المرحلة، فإنّه يعدّ شكلا من أشكال فسح المجال لإبقاء الجانب المطلبي سائرا في العلاقات الدولية.
وهكذا فإنّ السّقف المطلبي حاليا يوجد أو وصل إلى أوجّه، وهذا عندما يتم إدراج الأمم المتّحدة ضمن دائرة الإصلاح، بتغيير أدوات عملها وعدم قدرتها على التّخفيف من ويلات هذه الصّراعات في شتى بقاع العالم، في فلسطين، الصّحراء الغربية وغيرهما.
ومبدأ إصلاح الأمم المتّحدة ليس أمرا بسيط ينبع من إرادات مخلصة فقط، وإنما كان مطروحا في اجتماعات متعدّدة في روما وإفريقيا.
والتّساؤل الذي طرحه لعمامرة يعدّ منطقيا، وحاملا لرسائل سياسية قوية للمجموعة الدولية، في دعوتها إلى وقفة تأمّل لتقييم مسار عمل ونشاط الأمم عقب الحرب العالمية الثانية إلى غاية يومنا هذا بشكل موضوعي، خاصة ما تعلّق بصناعة القرار الدولي في مجلس الأمن على مستوى ضيّق جدا لا يتطلّع إلى آمال الشّعوب والقيادات التوّاقة إلى مشهد أفضل، وما يريده هؤلاء هو توسيع للقارة السّمراء، بحسب مقاييس محدّدة بدقّة، منها عدد السكان.
وما يجري حاليا على المستوى الدولي من عدم التكفل بقضايا حسّاسة جدا تتعلّق بالإنسان، فإنّ ذلك أثّر تأثيرا مباشرا في تسوية أي إشكال، وعطّل متابعة مسارات الحل كما هو الشّأن بالصّحراء الغربية، للأسف، وعليه فإنّه يستحيل البقاء على هذا المنوال في العلاقات الدولية.