لم تكد تمر أيام معدودة على الذكرى العاشرة لإعتلاء فرانسوا بوزيزي« مقاليد الحكم في جمهورية إفريقيا الوسطى، إثر انقلاب عسكري أطاح بسلفه المنتخب »انجي فيليكس باتاسي« حتى إضطر إلى الفرار من القصر الرئاسي في بانغي باتجاه الكاميرون تحت ضغط متمردي حركة إئتلاف » سيليكا« (اي التحالف بلغة سانغو) التي ما فتئت مند انشائها في أوت 2012 تضيق الخناق على ما تبقى من سلطة في بانغي وتزحف نحوها .
ويضع هذا الإنقلاب الذي ندد به الأمين العام للأمم المتحدة »بان كي مون« حدا للجهود الدبلوماسية المبذولة و يشكل انهيارا لاتفاق »ليبرفيل« المدعوم أقليميا والموقع عليه من مختلف الأطراف المعنية والمهتمة يوم 11 جانفي الماضي وهو الإتفاق الذي يتم بموجبه تعيين نيكولا تيانغاي على رأس الحكومة الإنتقا لية وحل البرلمان، علما بأن هذا الأخير يعد أحد رؤوس المعارضة المسلحة لنظام فرانسوا بوزيزي .
وللتمرد المسلح في جمهورية افريقيا الوسطى ما يبرره بالنسبة لمعارضي النظام وتعود جذوره .إلى سنة 2004، حين تمرد مقاتلو القوات الديمقراطية« للتجمع ضد السلطة التي إفتكها بوزيزي« من أيدي فيليكس باتاسي« إذا أن سلطة الدولة لا تمارس إلا في حدود منطقة مساحتها 80 كلم حول العاصمة »بانغي« .. وماعداها فهي»مملكة« لقطاع الطرق أو ميليشيات (كاوانا وا) التابعة لحزب الرئيس المخلوع، يقومون بعمليات ترهيب وابتزاز، وترويع في حق الأهالي العزل .
غياب الدولة وفراغ مؤسساتها في البلاد حمل غي سوكبامي سفيرها السابق ببلجيكا للتطرق إلى مفهوم »الدولة الخاوية« بدلا من من 27 »الدولة الهشة « وهذا الوصف يعكس الواقع المر والمأساوي، الذي يجسده النظام، في بلد يعيش ثلثي سكانه تحت عتبة الفقر حيث لم يتقاض الموظفون في الدولة رواتبهم الشهرية منذ مدة طويلة تعود في بعض الحالات إلى عهد الرئيس الأسبق الراحل »انجي باتاسي« .
كما يشكو الجيش النظامي الذي يضم نحو 10 آلاف رجل ضعفا في الرواتب إلى جانب سوء التجهيز، مما يعقد من مهامه ويؤثر سلبا على أدائه ومردودية حربه ضد المتمردين الذين يتجاوز عددهم الـ 6 الاف مقاتل
الواقع على الميدان ـ عسكريا ـ وتردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية بسبب تعفن الوضع السياسي، عوامل جعلت الرئيس المطاح به يعتمد على الخارج إلى درجة التبعية للغرب الذي لم يكن ينظر بعين الرضا والإرتياح للطريقة التي كانت تدار بها شؤون البلاد من طرف فرانسوا بوزيزي وأفراد حاشية وفي مقدمتهم أقاربه .
وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى ترقية نجله »جون فرانسيس« من رتبة عريف أول با لجيش الفرنسي إلى رتبة جنرال وتعيينه وزيرا للدفاع خلفا لقائد أركان الجيش الماجور »غيلوم لابو« الذي عزل من منصبه قبل أن يأتي الدور على خليفته هو الآخر!
كما مس هذا الإجراء وزير المالية، المقدم » سيلفيان ندو تينغاي« وهو ابن شقيق الرئيس المخلوع بعد أن كان وزيرا للطاقة والمناجم، فكان لهذا الإنقسام العائلي تبعاته الوخيمة على النظام القائم في بلد يعد من بين الدول الأقل نموا في العالم رغم ما يملكه من احتياطات الذهب والألماس واليورانيوم.
وتخشى الطبقة المثقفة والمراقبون وكذا المتتبعون للأوضاع السائدة في البلاد من ان تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، بفعل انتشار الميليشيات وعمليات النهب والسرقة التي أعقبت الإنقلاب، وهي امتداد لمخطط الرئيس المخلوع المتمثل في شن مطاردات ذات طابع »إثني ـ ديني « يقوم بها منذ الثاني من جانفي الماضي شباب يطلقون على أنفسهم إسم »كوكوك« أي »السهم« بلغة صانغو وذلك بالأحياء التي يسكنها المسلمون بحجة البحث عن أسلحة مزعومة، كان الهدف منها واضح ألا وهو محاولة ترويض المعارضين وكسب تعاطف البلدان الغربية بدليل أن بوزيزي اتهم تحالف »سيليكا« بضمه لإرهابيين أوحتى لمقاتلي الجانجاويد »الحركة السودانية المسلحة المعروفة «.
ويأتي هذا الإنقلاب الذي قاده في وقت »تخلى« معظم قادة دول إفريقيا الوسطى عن »فرانسوا بوزيزي« بدءا بالرئيس التشادي »دريس ديبي« والذي قصفت قواته في نوفمبر 2010 منطقة »بيراور« لتشتيت متمردي حركة العدالة والسلم التي يقودها نور الدين آدم، وتنشط منذ 2008 بشرق البلاد على حدود التشاد والسودان، إلى جانب حركات أخرى مناوئة للنظام القائم في بانغي .
تداول على السلطة بالقوة
إنقلاب عسكري يدخل إفريقيا الوسطى في الفوضى
م / نجيب بوكردوس
شوهد:1520 مرة