الجزائر حلقة مركزية في المعادلة السياسية
يرى الباحث الجزائري والأستاذ المحاضر بالمعهد الأوروبي بجنيف، د. حسني عبيدي، أن الحسم العسكري في مالي لازال بعيدا، لان الوضع لا يحتاج إلى معالجة عسكرية، ويعتقد أن فرنسا بدأت تبحث عن مخرج امن لها بعد أن فرضت نفسا كراع أول للازمة في مالي ، واصفا الدور الجزائر بالمهم في إيجاد تسوية سياسية.
الشعب:كيف تقيمون المرحلة الأولى من الحرب في مالي، وهل يمكن القول أن الأمور تتجه نحو الحسم كما تحاول فرنسا إقناع العالم به؟
حسني عبيدي: اعتقد آن الحديث عن حسم عسكري لهذه الحرب، لازال بعيدا، لان الوضع في مالي بصفة عامة، لا يحتاج إلى معالجة عسكرية، حتى نقول أن هناك حسما عسكريا يفضي إلى حل الأزمة، وما نراه هو عملية توزيع للأدوار تقوم بها فرنسا. عندما تقول مثلا أن الجيش التشادي قام بتصفية قياديين بارزين في صفوف الجماعات الإرهابية، ونحن نعلم أن هذا الجيش ضعيف ولا يستطيع القيام بعمليات نوعية مماثلة ، والأكيد أن الطيران الفرنسي هو من قضى عليهم، وفرنسا لا تريد أن تظهر كقوة صليبية تصفي قادة الإرهاب.
النقطة الثانية هي أن سقف تحمل فرنسا للخسائر البشرية محدود جدا، وقد بلغ عدد القتلى في صفوف الجيش الفرنسي 4 عساكر لحد الآن، وبدا ضغط الرأي العام الداخلي يزداد على الحكومة. لهذا بدأت السلطات الحديث عن الانسحاب، بتصريحات متناقضة في الحقيقة. فالرئيس فرنسوا هولاند ذكر أن قواته باقية إلى غاية نهاية المهمة، بينما قال وزير خارجيته لوران فابيوس، قبل أيام قليلة، أن العملية نجحت وسيشرع في الانسحاب الشهر القادم. ويفهم من هذا، أن فرنسا تبحث عن مخرج امن من هذه الحرب. ويضمن لها في ذات الوقت البقاء في المنطقة.
هل يعني ضمان البقاء في المنطقة إقامة قواعد عسكرية ؟
قضية القواعد العسكرية، محسومة، وهي متواجدة غير بعيد عن المنطقة في دولة التشاد. وهناك توافق دولي على ضرورة وجود قوات لوجيستية، لتدريب الجيش المالي إضافة لقوات “مسما” التي ستتحول إلى قوات سلام أممية، وهذا إخراج فرنسي موفق ، مكنها من الحفاظ على تواجدها بأي صيغة كانت ، وبشكل لا يتعارض مع قرارات مجلس الأمن و الاتحاد الأوروبي.
منذ البداية سعت فرنسا لأن تكون الراعي الوحيد للازمة، هل نجحت في إبعاد باقي الأطراف في صراع النفوذ والمصالح بمالي والساحل الإفريقي عامة ؟
في السياسة الخارجية، هناك دائما دول تسعى لاحتكار قضايا و مناطق معينة، فألمانيا مثلا مهتمة بأوروبا الشرقية.وقد استقالت بعض دول من الاهتمام بإفريقيا، لكن فرنسا بقيت مهتمة بها بحكم علاقتها التاريخية. وتعي جيدا أن منطقة الساحل تزخر بمعادن ثمينة جدا وثروات طبيعية هامة. ويتوقع أن تشهد نهضة اقتصادية ضخمة، وعلى هذا الأساس، رأت أن سقوط مالي يعني سقوط دول أخرى كالسينغال، بوركينافاسو والنيجر وغيرها من الدول التي تعتبرها عمقا استراتيجيا، وامتدادا اقتصاديا لها.
ويمكن القول أنها نجحت لحد الآن في تحييد مواقف بعض الدول حتى لا نقول أبعادها، واستطاعت في المقابل أن تحصل على دعم أوروبي ودولي واسع، يتماشى مع تصوراتها واملااتها لمعالجة الأزمة في مالي.
هناك إجماع على ضرورة إعداد السلطات المركزية المالية لخارطة طريق سياسية، والشروع في تنفيذها، ماهي فرص نجاحها في ظل الحرب؟
فرنسا بدأت بالخاتمة، في التعامل مع الوضع المالي، ورفضت تبني المقاربة الجزائرية التي تتقاسمها الأمم المتحدة، وتنص على ضرورة تسبيق الحلول السياسية وتقوية الحوار، وإعطائه الفرصة الكاملة، مع تدريب وإعادة هيكلة الجيش المالي، على أن يلجا إلى الخيار العسكري كحل أخير في حال فشل المقاربة الأولى، لكنها سبّقت العمل العسكري، لأنها تعلم أن ذلك سيعطيها حصة الأسد في الحل السياسي، وفي كافة أطراف المعادلة، بعد أن تفرض نفسها كفاعل رئيسي، واكتشفت فيما بعد أن المقاربة العسكرية يجب أن تتلازم مع المقاربة السياسية، وإلا فان مالي ستبقى منطقة هزات أمنية وسياسية.وهي الآن تدعو إلى إجراء الانتخابات في موعدها وإطلاق حوار شامل.
هل تعتقدون أن مايجري في مالي والساحل يشكل ضربة للارهاب؟
المعروف أن ظاهرة الإرهاب تأخذ سنوات حتى تصبح عابرة للقارات، وذات بعد عالمي، وإذا لاحظنا الاعتداءات المتكررة في نيجيريا والاختطافات في الكاميرون والوضع في مالي، وحتى ليبيا وفوضى انتشار السلاح بها، نجد أن لدينا التربة الخصبة لانتشار الحركات الإرهابية.
وتلقيها ضربات موجعة من طرف القوات الفرنسية والإفريقية في كل مرة يدفعها إلى الانتقال إلى مناطق أخرى، ورغم أنها لا تملك إستراتيجية واضحة، إلا أنها تهاجم عندما تكون مستعدة وجاهزة بحثا عن الهالة الإعلامية، وعملية عين امناس في الجزائر مثال واضح على ذلك.
الجزائر دافعت ولازالت عن مقاربة سياسية شاملة، لحل الأزمة، ماهو الدور الذي يمكن أن تلعبه في ظل المعطيات الجديدة؟
الجزائر قدمت مقاربة جيدة جدا لحل الأزمة سلميا، لكن الخيار العسكري فرض نفسه وقد كان لزاما عليها تكييف مواقفها في كل مرة مع القرارات الدولية والالتزام بها، ومع ذلك، سيبقى دورها جوهري ولا يمكن الاستغناء عنه في معالجة جذور الأزمة في مالي.